هزات الاقتصاد المصري: خسائر العدوان تعمّق أزمات القطاعات

تمّ الاتفاق على وقف الإبادة يوم الخميس بعد عامين من العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما بدأ الاقتصاد المصري يحصي خسائره إثر هزّات قوية جعلته أكثر هشاشة، بينما تعوّل الحكومة على استقرار أمني إقليمي يدفع الاقتصاد للانتعاش. دفعت الحرب إلى تذبذب قيمة الجنيه أمام العملات الرئيسية، وظهر أثر ذلك على المواطن في ارتفاع نسبي بأسعار السلع المستوردة وارتفاع تكاليف النقل والخدمات، وهو ما أثّر مباشرة على معدلات الفقر والتفاوت في الإنفاق الاستهلاكي.
يقول الخبير الاقتصادي أحمد خزيم إن العدوان الإسرائيلي على غزة وضع مصر والإقليم المحيط بها فوق برميل بارود على مدار 24 شهرًا متصلة، فأصاب الاقتصاد في مقتل جراء انخفاض حاد في إيرادات قناة السويس، وزيادة هائلة في أسعار الشحن العالمية التي شهدت تقلبات أعاقت التجارة وأدت إلى تضخم قيمة الواردات مقابل تراجع صادراتٍ مؤقت.
يشير خزيم إلى ضعف نمو السياحة التي سجلت مؤشرات تعافٍ جزئي متذبذب، مع خضوع الاحتياطيات الأجنبية والدين العام لضغوط كبيرة دفعت الدولة إلى اللجوء لطلب مزيد من الديون الأجنبية والتقشف في الإنفاق الاستثماري الموجَّه للصناعة والزراعة، وتحويله إلى اقتصاد ريعي يعيش على عوائد بيع الأصول العامة والجباية.
يُظهر تقرير للبنك الدولي خلال النصف الثاني من العام الجاري أنه رغم تسجيل مؤشرات تعافٍ في النشاط السياحي بصفته أحد الأعمدة المهمة للاقتصاد المصري خلال عام 2025، فإن التحسن لا يزال غير متوازن، حيث تراجعت بعض الأسواق التقليدية، ومع أن تبديلها بأسواق أخرى ومجموعات سياحية خليجية وأوروبية جزئيًا خفّف من الضربة، فإن هذه الأسواق لم تملأ الفجوة كليًا.
الانعكاسات على الاقتصاد المصري
تشير بيانات البنك المركزي إلى تغيّر كبير في محصلة التجارة الخارجية المصرية جراء الحرب، حيث اتسع العجز في الحساب الجاري في 2024 عندما تلاشت إيرادات قناة السويس وارتفعت فاتورة استيراد السلع الوسيطة والاستهلاكية لتعويض اختلالات العرض، بينما شهدت الصادرات المصرية تباطؤًا بسبب تعطّل سلاسل التوريد وصعوبات وصول البضاعة إلى الأسواق الدولية أثناء ذروة الأعطال الملاحية، ومع الاعتماد على الاستيراد لتعويض نقص المعروض المحلي ارتفعت التكاليف بالعملة الصعبة.
يؤكد رئيس شعبة اللوجستيات والنقل الدولي باتحاد الغرف التجارية عمرو السمدوني أن حالة الحرب أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار الشحن العالمية لعدة أشهر، تلاها انخفاض تدريجي مع بوادر تهدئة وأخبار عن فتح مسارات بديلة أو استئناف عبور بعض الناقلات، مؤكدًا أن السوق لا يزال متأثرًا بزيادة تكاليف التأمين والوقود وفترات انتظار أطول، ما يعني أن خفض الأسعار إلى مستويات ما قبل الحرب سيكون تدريجيًا وربما يستغرق أشهرًا حتى يعود العرض والطلب إلى التوازن.
يذكر السمدوني في حديث لـ”العربي الجديد”، أن قناة السويس جاءت أبرز ضحايا حالة الاضطراب الجيوسياسي بشرق المتوسط والبحر الأحمر، حيث تراجع دخلها في السنة المالية 2023-2024 إلى نحو 7.2 مليارات دولار مقابل 9.4 مليارات دولار في السنة السابقة، نتيجة تحويل عدد من شركات الشحن لمسارات أطول لتفادي مخاطر البحر الأحمر، ما خفّض العبور والدخل بشكل ملموس.
يوضح خزيم أن الانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس، مع ارتفاع فاتورة الواردات، سلّط ضغطًا على ميزان المدفوعات والحاجة إلى دولارات لمزيد من الدعم الموجَّه للواردات السلعية والنفطية، ما دفع الحكومة إلى الاقتراض عبر أدوات دين متعددة، مشيرا إلى أن بيانات البنك المركزي أظهرت قفزة في صافي الأصول الأجنبية في مارس/ آذار 2025 بزيادة حوالي 4.9 مليارات دولار، لكن الدين العام بقي مرتفعًا، مع التزام الحكومة بشروط التمويل الخارجي وربط الإنفاق العام المشروط بخفض الدعم الموجَّه للسلع الأساسية والمحروقات والكهرباء، وهو ما يزيد الضغوط على المواطنين المحاصرين بين قلّة الدخل وتراجع قيمته مع الزيادة الهائلة في الأسعار وضعف العملة.
تفاقم الأزمات
يشير الخبير الاقتصادي إلى أن تفاقم الأزمة الاقتصادية ألزم الحكومة بإعادة ترتيب أولوياتها، حيث اتجهت إلى بيع أصول أو إيجاد شراكات استثمارية مقابل سيولة، وتجميد أو تأجيل بعض الطروحات، مؤكدًا أن استمرار حالة الحرب جعل الدولة عاجزة عن فتح أبوابها للاستثمار الأجنبي المباشر من مناطق أخرى غير بعض دول الخليج التي جاءت لشراء أصول مقابل الديون المتراكمة على مصر، بينما يبحث المستثمرون عن ملاذات أكثر أمنًا واستقرارًا في أنحاء العالم.
تُظهر بيانات البنك المركزي وجهاز الإحصاء الحكومي أن التضخم الذي بلغ ذروته في أعقاب صدمات متعدّدة انخفض تدريجيًا خلال عامي 2024-2025، لكنه ما زال يضغط على القدرة الشرائية للمواطنين، وجعل نمو الاقتصاد رهنًا بمصادر تمويل خارجية وعودة استقرار إيرادات قناة السويس وتحسن الأوضاع الأمنية بالمنطقة.
وتبرز الصفقات الكبرى التي أجرتها الحكومة أخيرًا مع الطرف الإسرائيلي لزيادة حجم الواردات المصرية من الغاز الطبيعي المستخرج من مياه الأراضي المحتلة، في صفقة بقيمة 35 مليار دولار، تستهدف مضاعفة حجم الواردات اليومية من الغاز لتصل إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يوميًا في صيف 2026. في الوقت نفسه رفعت 38 شركة مصرية قيمة صادراتها إلى الكيان الإسرائيلي لتشمل السلع الغذائية ومواد البناء ومنتجات الوقود، بينما ارتفع حجم الواردات من مستلزمات مصانع النسيج والملابس الجاهزة، التي تدخل في إطار صفقة اتفاقية “الكويز” التي ترعاها الولايات المتحدة، وتضمن للشركات المنفذة لها حرية تصدير منتجاتها للأسواق الأميركية بدون جمارك أو عند حدها الأدنى بنسبة 10% فقط.