هذه اللجنة في ليبيا… إدارة الانسداد السياسي أم حَلّهُ؟

كتب الفيتوري شعيب, في “العربي الجديد” :
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في الرابع من الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، عن تشكيل لجنة أطلقت عليها “اللجنة الاستشارية”، لحل الانسداد والإشكال السياسي في البلاد، لتأتي هذه اللجنة ضمن مبادرة البعثة السياسية التي قدمتها لمجلس الأمن في جلسة 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي كانت متعدّدة المسارات، ومن ضمنها تشكيل هذه اللجنة لتقديم مقترحات، وصفتها بأنها “ملائمة فنياً وقابلة للتطبيق سياسياً”، لحل القضايا الخلافية العالقة من أجل تمكين إجراء الانتخابات، وذلك بالاستناد إلى المرجعيات والقوانين الليبية القائمة بما في ذلك الاتفاق السياسي الليبي وخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي وقوانين 6+6 الانتخابية.
وعند النظر إلى هذه اللجنة من جهة المهام الموكلة إليها، وبغضّ النظر عن شخوصها، نجد أنها وُكلت إليها مهمّة الجمع بين الأضداد، خاصة عندما أُلزمت بالبناء على ما كان في لجنة 6+6، باعتبار أن اللجنة لم تكن سليمة من ناحية المنشأ، ناهيك عن أن يكون ما صدر عنها قابلاً للتطبيق، وإلا لكان ذلك منذ سنوات، وكذلك الخلاف المجتمعي والنخبوي حولها آنذاك، كما أن الخلاف الذي وأد عملها ما زال قائما، الأمر الذي يجعلنا نقف على هذا الخلاف والإشكال في وقفات:
الأولى: شروط ترشّح مزدوجي الجنسية، حيث كان هذا الشرط من أكثر الشروط التي أفسدت عملية التوافق في لجنة 6+6 وهو لا يزال قائما، بل هو المحك الرئيسي الذي سيكون أمام اللجنة الاستشارية وما يكون لها فيه، خاصة أن النخب المجتمعية لا تقبل أن يكون مزدوجو الجنسية على هرم السلطة والدولة، والذي أقرّته لجنة 6+6 في ما مضى، وذلك “بالسماح بترشّح مزدوجي الجنسية للرئاسة، على أن يتخلّى من يحمل جنسية أخرى عنها، في حال تمكّنه من دخول الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية”، الأمر الذي اعتبره كثيرون تأزيماً للعملية السياسية، وليس حلها آنذاك، وليكون الفشل مصيرها.
فتح مجال النقاش في توزيع المقاعد الانتخابية في ليبيا الآن في غياب دستور حقيقي ينظمها هو بمثابة إعلان فشل عمل أي لجنة والعودة إلى الانسداد السياسي مرّة أخرى
الثانية: إجراء الانتخابات الرئاسية من جولتين إلزاما، حيث أقرّت اللجنة 6+6 سابقاً بإجراء الانتخابات من جولتين، بغض النظر عن النسبة التي تكون في الجولة الأولى، وإن تحصل أحدهم على نسبة 50+1 في الجولة الأولى، الأمر الذي رآه كثيرون عبثا سياسيا، إذ لم يسبق لأحدٍ أن تبنّى مثل هذا الإجراء، كما أن هذا الفعل، في حدّ ذاته، حكم على إفساد الانتخابات وإفشالها باعتبار أن من يتحصّل على نسبة 50+1 في الجولة الأولى كيف يكون مقبولا إلزامه بالجولة الثانية مرّة أخرى!.
الوقفة الثالثة: زيادة عدد أعضاء مجلس النواب من مائتي عضو إلى ثلاثمائة عضو. وكان هذا الأمر موضع نقاش بين لجنة 6+6 ناهيك عن الرفض النخبوي له، وبالتالي فإن فتح مجال النقاش في توزيع المقاعد الانتخابية الآن في غياب دستور حقيقي ينظمها هو بمثابة إعلان فشل عمل أي لجنة والعودة إلى الانسداد السياسي مرّة أخرى، ويقود هذا الأمر، بالتبعية، إلى الزيادة في عدد الدوائر الانتخابية، ما يترتّب على ذلك زيادة الحصّة الانتخابية في عدد المقاعد المقرّرة في البرلمان المقبل. وبالتالي، تتغيّر تبعاً لذلك التركيبة السياسية البرلمانية، سواء في التكتلات البرلمانية، المبنية على أساس من المحاصصة باعتبار الأقاليم الثلاث التاريخية (برقة وفزّان وطرابلس)، أو من ناحية التوجّه السياسي الذي اعتراه استقطاب حادٌّ طوال السنوات الماضية من عمر الأزمة الليبية. وبالتالي، فإن فتح اللجنة الاستشارية هذا الملف مرّة أخرى سيقودها إلى مزيد من الانسداد وليس الحل، بل الأفضل هو السير على ما كانت عليه الانتخابات في 2012 و2014.
إذن، هذه جلّ الخلافات التي كانت في لجنة 6+6 المنشأة من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، وأسقطت كل توافق بينهما طوال السنوات الماضية، واليوم هي نفسها (الاختلافات) مطروحة أمام اللجنة الاستشارية التي شكلتها البعثة الأممية للدعم في ليبيا للنظر فيها، وإلى أن تخرج أولى النتائج منها يكون التقييم تبعا لذلك بالإيجاب أو السلب، ومدى قدرتها على حل الانسداد السياسي في البلاد، أم أنها لن تستطيع أكثر من إدارته على الأقل في الوقت القريب، والدوران معه في دائرة مغلقة لا أكثر.