هدنة الفرصة الأخيرة
كتب يونس السيد, في “الخليج ” :
عودة الحديث عن إطلاق المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق حول هدنة وصفقة تبادل للأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة، بعد توقف لنحو أسبوعين كانت قد وصلت المفاوضات خلالهما إلى طريق مسدود، تؤكد أنه لا مفر أمام جميع الأطراف سوى التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن بديل عن انفجار شامل للأوضاع في المنطقة برمّتها.
يأتي التحرك المصري الجديد لإحياء هذا المسار في لحظة فاصلة تمر بها جميع الأطراف، سواءٌ الطرفان المعنيان مباشرة، وهما إسرائيل وحركة «حماس»، أو الوسطاء الإقليميون والدوليون، بعد أن لامست التطورات ذروة الأزمة، وبات يتحتم على الجميع البحث عن انعطافة تؤدي إلى انفراجة حقيقية قبل الذهاب إلى الانفلات والفوضى. فالجانب الإسرائيلي، ونتنياهو تحديداً، يصرّ على اجتياح رفح، رغم المعارضة الدولية والجزئية الأمريكية، لإثبات مقولته بشأن «التفاوض بالنار»، ويبدي استعداده لمنح «فرصة واحدة وأخيرة»، ويعمل على عرقلتها في آن، واضعاً بذلك رفح رهينة مقابل الإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة.
وبالمقابل تتمسك «حماس» بشروطها في وقف الحرب بشكل نهائي وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وعودة النازحين إلى كل الأماكن التي هجروا منها من دون قيود، وإبرام صفقة تبادل جادة وحقيقية، وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار. وهي شروط يرفضها نتنياهو بالطبع، لكنه يبدي مرونة تكتيكية تجاه بعضها؛ تلبية للضغوط الداخلية، وإرضاء لأهالي الرهائن، باستثناء إنهاء الحرب، لكنه يدرك أيضاً أنه يغامر بشأن ورقة رفح، فإذا ما ذهب لاجتياح رفح وفشل في تحقيق النتائج المتعلقة بأهداف الحرب في القضاء على «حماس» وإطلاق الرهائن، كما تشير التوقعات، فإنه لن يفقد هذه الورقة فحسب، وإنما سيثير عاصفة دولية وإقليمية ومحلية قد تكلفه بقاءه في سدّة الحكم.
فالكل يدرك أن اجتياح رفح يعني تدميرها تماماً على غرار ما حدث في المحافظات الأخرى، ويخلف كارثة إنسانية، بما في ذلك تهجير واسع للفلسطينيين ترفضه دول الجوار، ولا يستطيع تحمله المجتمع الدولي. وهو يعني أيضاً إمكانية انفجار المنطقة والإقليم على شكل حرب واسعة لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها، كما أنه يفاقم أزمة حلفائه وأقرب داعميه إليه، خصوصاً بعد انتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية، وبدء انتقالها إلى أوروبا، وتراجع الرواية الإسرائيلية في المجتمعات الغربية لصالح القضية الفلسطينية، وتحديداً لدى جيل الشباب الذي باتت إدارة بايدن تخشى من تأثيره في سير الانتخابات الأمريكية.
بهذا المعنى، يشكل التحرك المصري الجديد وما يحمله من مقترحات أهمية بالغة، لوقف هذه الحرب وتداعياتها وتنفيس الاحتقان في المنطقة، عبر هدنة طويلة الأمد، تفاوتت التقارير والتسريبات بشأن مدتها، مقابل صفقة تبادل، يبدو أن نتنياهو، الذي لا يريد النزول عن الشجرة، هو الوحيد الذي يعمل على عرقلتها، بعد أن وافقت أغلبية حكومته على بنودها، كما تشير التقارير، فقط لمجرد بقائه في السلطة وخوفاً من ذهابه إلى السجن.