هجوم رعد على ملف الترسيم: موقف للحزب أو اجتهاد شخصي؟
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
على امتداد فترة المفاوضات حول ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، اكتفى «حزب الله» بالقول على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله إنه يقف خلف ما تقرّره الدولة. حتى خلال خطابه الأخير وبينما كانت الصيغة التي حملها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين قيد التداول، كان لافتاً عدم تطرق السيد نصرالله لزيارة هوكشتاين وطروحاته رغم السجال الدائر حول خطي التفاوض 29 و23. ورغم الاتهامات التي سيقت ولم يسلم منها العهد لاتّهامه من قبل البعض بالانقلاب على الاتفاق والتفريط بحق لبنان بمزيد من حقوقه اكتفى «حزب الله» بالمراقبة عن بعد، وهو الذي تناهى إلى مسامعه بالتأكيد اللقاء الذي جمع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مع هوكشتاين خارج لبنان، وقد يكون توقّف حكماً عند نقطة الخلاف الدائر على خطي التفاوض. سبق وأن تبلّغ أن الوفد اللبناني سيتفاوض على الخط 29 ثم تراجع إلى الخط 23 ما يوحي بوجود تنازل لكنّه لا يزال يثق بموقف الدولة ممثلة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مفاوضات يملك خلالها لبنان قوة الحقّ من زاوية وقوة المقاومة من زاوية أخرى.
لكن كان لافتاً أمس الأول الموقف الذي عبّر عنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد وقوله «إنّ الغاز سيبقى مدفوناً في مياهنا إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من مدّ يده على قطرة ماء من مياهنا»، معتبراً أنّ المبعوث الأميركي لملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، يؤدي دور الثعلب.
مفاجئاً أتى كلام رعد الذي لم يجد من يقدّم تفسيراً له. فهل يعبّر عن موقف «حزب الله» وقد نطق رعد بلسان السيد نصرالله بعدما علم «حزب الله» بحقيقة ما حمله هوكشتاين فأعلن موقفه منه علانية؟ أم أنه وقع تحت تأثير آراء أناس أحاطوا به لهم وجهة نظر مختلفة عن وجهة الدولة ورئيسها؟ صمت «حزب الله» يرجح كفة الاجتهاد الشخصي بعيداً عن الموقف الرسمي خصوصاً أن كلام رعد وجّه السهام لرئيس الجمهورية المصرّ على إشراك الثنائي الشيعي بالموضوع. قد يكون فحوى حديث رعد يعكس الموقف المبدئي لـ»حزب الله» لكن اللهجة والهجوم والالتفاف على موقف الدولة كانت موضع استغراب حلفاء «حزب الله» ممن حاولوا الوقوف على حقيقة الكلام وأبعاده. والاستغراب هنا مردّه إلى أن لبنان لا يزال ينتظر جواباً على ما حمله الموفد الأميركي من صيغة للتفاوض أعدّها رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، حملها هوكشتاين التي رأى فيها أفكاراً بحاجة للتطور لجهة المساحات التي تعرضها والخروج من دائرة الخلاف حول الخطوط المقترحة.
لا ينفي لبنان تعاطف الموفد الأميركي مع إسرائيل وعمله لصالحها أكثر من لبنان لكنه وخلال زيارته الأخيرة لمس المسؤولون منه وللمرة الأولى صراحته وهو عكس في كلامه ليونة إسرائيلية ورغبة بتحقيق تقدم بموضوع ترسيم الحدود البحرية، وإن القصة لا تتعلق بالترسيم فوق المياه وإنما بالغاز والثروات المتواجدة تحت المياه. وكان موقفه أقرب لموقف إسرائيل لناحية التعاون وطرح شركة أميركية تستثمر الحقل المختلف عليه ولكن لبنان أبلغه أنه ليس في هذا الوارد ويريد تثبيت حقوقه كما رفض لبنان فكرة التعاون المشترك مع إسرائيل بل إصراره على تحصيل حقوقه. الموفد الأميركي الذي شجع لبنان على خطوته حذّره بالمقابل من تضييع فرصة استخراج الغاز مع وجود شركات مهمة قد لا تعود موجودة في ما بعد. وفهم من هوكشتاين أن إسرائيل تقترب جداً من الخط 23. أما الصيغة المطروحة للتفاوض فتقول بما أن جزءاً من قانا اللبنانية يمتد إلى داخل إسرائيل بينما هناك جزء من كاريش داخل لبنان، فالتفاوض يجب أن ينطلق من هذه القاعدة، فإما ينجح كل طرف بتحصيل حقوقه بالمفاوضات أو أن تفضي المفاوضات إلى المقايضة بين الطرفين.
ولبنان الذي ينتظر جواب إسرائيل يعتبر أنه وضع منصة تفاوض على أفكارعرضها الإسرائيلي وأضاف عليها لبنان ويريد الاميركي العمل عليها ليسهل عملية التفاوض ويمكن القول بنجاحها إن لبنان يكون قد حقق مكاسب معينة. وإن المفاوضات محصورة بالموضوع البحري وحقول الغاز وأي كلام آخر عن أن الاميركيين حملوا مقترحات لا علاقة لها بالحدود البحرية غير دقيق.
وليس بعيداً عن كلام رعد، فالأساس بالنسبة لـ»حزب الله» في المفاوضات حول ترسيم الحدود هو مبدأ السيادة، ويمكن الركون في تفسير موقفه إلى كلام سبق وقاله أمينه العام يوم رفع شعار لا للتطبيع خلال المفاوضات وبعدها، ما يعني حكماً رفضه طرح الحقل المشترك الذي تديره شركة محايدة ويعتبره تطبيعاً سواء كانت هذه الشركة إماراتية أو قطرية، أما الفكرة الثانية التي تتحدث عن التركيز على الخط الذي هو داخل المياه وليس خارجه فالمهم فيها ألا يكون بمثابة تنازل، وارتباط خط البر والبحر. وقد يكون صمت الحزب كل تلك المدة مردّه إلى اعتبار أن المشاورات لا تزال في أولها، والملف سيعرض في ما بعد حكماً على مجلس الوزراء ثم مجلس النواب قبل اتخاذ أية خطوة مصيرية ولذا من المبكر استباق كل ذلك بإعلان موقف نهائي. فما الذي حصل كي يخرج رعد شاهراً هجومه؟ وهل هو توجه عام أو مجرد موقف عابر؟ ربما ستتوضح الصورة أكثر مع الإطلالة المرتقبة للسيد اليوم، فإما سيعرج على الملف ليحدد الموقف منه أو يدعه الى نهاياته ولكل منهما تفسيره.