رأي

نيويورك تايمز: اتحاد الشغل بات المعارض الرئيسي لقيس سعيد.. والإضراب العام لم يتحول إلى حركة سياسية

قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعدته فيفيان يي، إن الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد التونسي العام للشغل، يعد أكبر تحد لحكم الرجل الواحد الذي يمارسه قيس سعيد في البلاد. وقالت إن الإضراب العام في البلاد يوم الخميس سيعمق من الأزمة السياسية والاقتصادية في تونس، فيما ينظر إليه على أنه أوضح تحد للتوجه الديكتاتوري وتركيز السلطة في يد سعيد.

وقالت إن الحافلات والقطارات والمطارات والمكاتب والشركات العامة كلها توقفت عن العمل استجابة لدعوة الاتحاد العام للشغل، والذي يضم مليونا أو أكثر من العمال على أمل وقف سياسات سعيد الرامية لقطع الدعم وتخفيض الرواتب على أمل التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض.

وترى الصحيفة أن شريان الحياة من صندوق النقد الدولي بات البلد بحاجة ماسة إليه، مع زيادة أسعار الخبز وبقية المواد الأساسية، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أربعة أشهر، إضافة إلى حالة البطالة المستشرية في تونس. وتحول اتحاد الشغل إلى المعادي الأكبر لخطط سعيد السياسية التي يقول النقاد والمسؤولون الغربيون إنها قد تنهي الديمقراطية التونسية، وهي الوحيدة التي خرجت من تظاهرات الربيع العربي قبل عقد من الزمان.

وزاد سعيد من سلطات الرئيس بعد 11 شهرا من تعليقه البرلمان الذي اتهمه بالعجز وأحزابه بالفساد، وبات يحكم عبر المراسيم، وسيطر على المؤسسة القضائية المستقلة وهيئة الانتخابات وهمّش الأحزاب السياسية. ويخطط الآن لإعادة كتابة الدستور من خلال استفتاء وحوار وطني مع عدد من الجماعات السياسية، ومن المتوقع أن يعطي الميثاق الجديد الرئيس سلطات أكبر مما يتمتع بها الآن.

وبضغط من المانحين الدولييين والدول الغربية الذين دعوه لشمل مكونات المجتمع السياسي، دعا سعيد عددا من اللاعبين السياسيين، بمن فيهم بعض النقاد، لكي يشاركوا في الحوار. لكن عددا منهم تعهد بمقاطعة العملية، ومن بينها أحزاب سياسية دعمت بداية استيلاء سعيد على السلطة، وأساتذة قانون كلفهم بإعادة صياغة الميثاق الوطني، وربما كان الأهم، اتحاد الشغل وأمينه العام المساعد سامي الطاهري، الذي وصف الاستفتاء بأنه “جريمة ديمقراطية، وفضيحة عالمية”.

ودعم الاتحاد تحركات سعيد العام الماضي، قبل أن يتحرك ضده عندما اكتشف أنه ليس مشمولا في مداولاته. وقال الأمين العام نور الدين طبوبي في تجمع يوم الخميس: “لا نرى أن هذا الحوار يقدم حلا للوضع الحالي في البلد”. وقال إنه ليس معارضا بشكل كامل للإصلاحات المطلوبة من أجل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، إلا أنه دعا الحكومة لمساعدة العمال في مواجهة التضخم من خلال رفع رواتبهم بدلا من تجميدها كما تقترح. وقال: “لكننا نريد من الحكومة التوقف عن الأكاذيب” متهما إياها بالتراجع عن التزاماتها للاتحاد.

وفشلت المفاوضات الأخيرة بين الحكومة والاتحاد لمنع الإضراب. وقال طبوبي إن نسبة 96% من أعضاء الاتحاد انضموا للإضراب، وأن 159 شركة ومؤسسة حكومية عامة شاركت في الإضراب، مع أن المحللين يشككون بدقة الأرقام، وقالوا إن شركة حكومية فتحت أبوابها يوم الخميس. وأكد الاتحاد أنه لم يدع للإضراب بدوافع سياسية، ولكن لدفع الحكومة على مساعدة العمال وعدم قطع الرواتب التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، وهي التخفيضات التي قال إن على الحكومة إقناع اتحاد الشغل بالمصادقة عليها.

وبالنسبة لسعيد، فالتعافي الاقتصادي مرتبط بطموحاته السياسية. ومعارضة الاتحاد التونسي العام للشغل واحدةً منها قد تعرض الآخر للخطر. وبدون إقناع الاتحاد، فلا توجد إمكانية للحصول على قرض يعطي الفرصة لدعم الاقتصاد واستقراره. وبدون هذا، سيزيد غضب الشارع التونسي، مما سيحرم سعيد من الشرعية التي يحتاجها للدفع باتجاه تطبيق أجندته.

وتعلق الصحيفة أن الركود الاقتصادي والفساد وغياب فرص العمل، أشعلت الثورة التي أطاحت بالديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي قبل عقد، وهي نفس العوامل التي نشرت الخيبة بين السكان من الحكومات والأحزاب المنتخبة، بشكل أعطى سعيد فرصة للسيطرة على السلطة قبل عام. لكنه فشل هو الآخر في حل مشاكل الاقتصاد بسبب تركيزه على طموحاته السياسية.

وبالإضافة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي قد تمنح طريقا للخروج من الأزمة، تحدث الرئيس هذا الأسبوع مع نظيره الإماراتي، على أمل الحصول على استثمار منه. وتضيف الصحيفة أن ثقة الرأي العام بسعيد تراجعت أيضا، ويمكنه التعويل على نتائج الاستطلاعات التي تظهر أن التونسيين لا يثقون به، ولكن يفضلونه على النخب السياسية التي يحملونها مسؤولية العجز في الدولة. وربما كان هذا صحيحا بالنسبة لقيادة الاتحادات، كما يقول طارق الكحلوني، المحلل السياسي التونسي، وأن الإضراب “لم يحظ بدعم الناس” ملاحظا أنه لم يؤد إلى تظاهرات في الشارع أو مظاهر تضامن أخرى. وقال: “فشل الاتحاد التونسي العام للشغل في تحويل إضرابه إلى احتجاج سياسي، ولم يحدث أي شيء كبير في هذا الجانب”. ومن المرجح أن تزداد الفوضى في ظل تصاعد المعارضة لسعيد دون الاتفاق على بديل واضح لحكمه.

وجاء إضراب يوم الخميس، بعد الإضراب المستمر للقضاة احتجاجا على عزل سعيد 57 قاضيا بداية حزيران/ يونيو بتهم الفساد. وجاء عزلهم بعدما ألغى سعيد المجلس الأعلى للقضاء، واستبدله بمجلس اختاره بنفسه. وفعل نفس الشيء بالمفوضية الانتخابية المستقلة، والمسؤولة عن إدارة الاستفتاء على الدستور الجديد، وهو ما أثار المخاوف من نزاهة التصويت.

واعتقلت قوات الأمن صحافيا قال في حوار تلفزيوني إن الجيش رفض أوامر من الرئيس لإغلاق مقرات الاتحاد التونسي العام للشغل. واستخدمت الحكومة المحاكم العسكرية لمحاكمة عدد من الناقدين المدنيين لسعيد، بمن فيهم نواب في البرلمان ومدونون. وقال عدد من العمال الذين قابلتهم الصحيفة، إنهم لن يشاركوا في استفتاء 25 تموز/ يوليو بسبب استبعاد الجماعات السياسية.

وسيحاول الكثيرون التعامل مع إجراءات التقشف الحكومية ووقفها، “في الماضي، كنا قادرين على البقاء حتى نهاية الشهر من ناحية النفقات، ولكن لا نستطيع عمل هذا الآن”، كما قال دريدي شوقي الذي يعمل في مكتب الأسرة والسكان، مضيفا: “أُجبرت على الطلب من أصدقائي كي يقرضوني حتى أعيل عائلتي”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى