رأي

نوّاب التغيير: الطموح تغيير النهج والواقع معارضة أزعور!

كتب “نزار بو كروم” المقال التّالي:

منذ وصول نوّاب التغيير إلى سدّة #البرلمان، طافت إلى السطح العديد من الخلافات حول مواضيع جوهرية عكست التباين الكبير في الآراء داخل مجموعات انتفاضة #17 تشرين، التي أفرزت هؤلاء النواب الفائزين من الناشطين في صفوفها. الاختلافات التي لم تبرز إلّا بعد وصول النوّاب الممثلين المفترضين للانتفاضة تبيّن بما لا يدع مجالاً للشكّ أهمية الفرصة الضائعة على قوى التغيير في الفترة الممتدة من تاريخ بدء الانتفاضة حتى تاريخ إجراء الانتخابات النيابية، للتلاقي والاتفاق على برنامج موحّد يتمّ العمل على أساسه. هذه الاختلافات، إذ تسهّل مهمّة أعضاء الطاقم السياسيّ التقليديّ في اللعب على حبالها لصالحهم، فهي في الآن عينه تدحض محاولاتهم الدائمة والمتكرّرة لتصويب سهامهم على الانتفاضة كما لو كانت جسماً واحداً موحّداً، بهدف سحب الشرعية من التحركات الشعبية. كما أنّ الخلافات بين نوّاب التغيير تبرز صوابية خيار بعض قوى المعارضة الجدّية التي ارتأت عدم التحالف مع الأخرين تحت مظلة “التغيير” الفضفاضة بشعاراتها الخشبية، قبل البحث والتوافق على برنامج سياسيّ وخطّة عمل موحّدة. وهي بذلك حافظت على مصداقيتها أمام جمهورها رغم الاتهامات ضدّها بشقّ صفوف التغيير.

‎بداية رحلة نوّاب التغيير في البرلمان اللبناني كانت مخيّبة لآمال أشدّ المتفائلين بوصولهم، حيث بدأت خلافاتهم تظهر إلى العلن منذ جلسات انتخاب اللجان النيابية. وقد بيّنت هذه الجلسات غياب التنسيق بين هؤلاء النواب إلى حدّ الصراع على المراكز في لجان مجلس النوّاب المعطَّلة أصلاً. سرعان ما تفاقمت الخلافات وصولاً إلى إعلان النائبين ميشال الدويهي ووضّاح الصادق الانشقاق عن التكتل، لحقته حرب إعلامية وبيانات واتهامات متبادلة بين التيارات المختلفة داخل التكتل. استمرّ التخبّط في أداء النوّاب في مقاربة عدد من الملفّات بما فيها تسمية رئيس الحكومة والوزراء، موازنة 2022، واعتصام النائبين نجاة صليبا وملحم خلف. وفي كلّ مرّة، كان يحاول النواب التظاهر بالمحافظة على الحدّ الأدنى من الوحدة والتجانس في الآراء والمواقف. إلّا أنّنا قد نشهد في الأيام القادمة الانفراط النهائيّ لعقد تكتل نوّاب التغيير المتضعضع في الأساس، بعد الخلاف الجذري في ما بينهم في مقاربة ملفّ رئاسة الجمهورية.

الأكيد أنّ الخلاف حول ملفّ رئاسة الجمهورية ليس وليد اللحظة ولا هو مستغرب، فهو يرجع إلى خيارات ومواقف النوّاب وتقلّباتهم منذ الانتخابات النيابية، كما ويمكن ردّه إلى الخلافات في ما بينهم في مقاربة مسؤولية الأطراف السياسية التقليدية في الأزمة. باختصار، هو صراع واضح بين نوّاب التغيير القريبين من جوّ أحزاب ما كان يُعرف بـ14 آذار، وأولئك الرافضين للاصطفافات السياسية السائدة في لبنان منذ سنوات، مع عدم تجاهل عوامل التأثير أخرى كتلك المتعلقة بالاعتبارات الطائفية أو المصالح الشخصية. فالانقسام في الرأي بدأ منذ دعم بعض التغييريين ترشيح ميشال معوّض للرئاسة في وجه سليمان فرنجية، معتبرين أنّه مرشح المعارضة، وهو الوصف نفسه الذي أطلقوه على جهاد أزعور. وهنا تطرح تساؤلات: معارضة من؟ وهل وصل هؤلاء النوّاب بعد أكبر حركة شعبية اعتراضية في تاريخ لبنان الحديث لكي يكونوا النسخة المحدَّثة من أحزاب وشخصيات 14 آذار، متقمّصين شخصياتهم وخطابهم وحتى خياراتهم السياسية، واضعين جانباً هموم الناس المعيشية والاقتصادية؟ غير أنّ التسوية الانهزامية التي أطلقوا عليها تسمية التقاطع على ترشيح وزير المالية السابق جهاد أزعور قد تكون المسمار الأخير في نعش ما سمّي بتكتل النوّاب التغييريين، حيث بدأت الأخبار تؤكّد انهياره بعد جلسة ١٤ حزيران.

الرابح الأكبر من التخبط في صفوف النوّاب الجدد هو المجموعة السياسية الحاكمة منذ ما بعد الحرب، والتي بدأ بالفعل بعض أركانها بالمطالبة بوقاحة بانتخابات نيابية مبكرة للاستفادة من فشل نوّاب الانتفاضة في تحقيق أيّ تغيير يُذكر في الممارسة السياسية. ولعلّ في مواقف بعض نواب “التغيير” محاولة لاستمالة القوى السياسية التقليدية لحجز مقعد دائم لهم في مراكز التأثير على القرار داخل هذه القوى، لعلمهم بمدى صعوبة تحقيق إنجاز يدعم حظوظهم في المحافظة على مقاعدهم النيابية خارج الاصطفافات التقليدية، كما حصل في انتخابات 2022. أمّا أكبر الخاسرين فهم الناخبون الذين عوّلوا على هؤلاء النوّاب، ليس لإخراج لبنان من أزمته، ولا لحلّ مشاكل النظام المستعصية مع كلّ استحقاق نيابيّ أو حكومي، إنما لتقديم نموذج أفضل للعمل البرلماني والتشريعي الذي يهدف أولاً وأخيراً لحماية مصالح الشعب اللبنانيّ في ظلّ أسوأ أزمة اقتصادية ومالية تواجهه. لا شكّ أنّ تجربة النوّاب الجدد في البرلمان اتسمت ولا تزال بالفشل الكبير في ملاقاة طموحات من نزل واعتصم في الشارع مطالباً بالتغيير. لكن وإن ضعفت ثقة اللبنانيين بهؤلاء، فهذا الفشل يجب بأيّ حال من الأحوال ألّا يعيد ثقتهم بالمجموعة السياسية الحاكمة منذ ما بعد الحرب. فإذا كانت نتيجة فشل النوّاب الجدد ضرب ثقة الناس وأملهم بالتغيير، ينبغي ألّا ننسى أنّ نتيجة فشل الطبقة السياسية التقليدية الحاكمة تمثّلت بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية في التاريخ البشريّ الحديث. يبقى الأمل في من ثبت على مواقفه من #نواب التغيير وحافظ على وعوده وبرنامجه الذي على أساسه انتخب لتوجيه المسار نحو الممارسة البرلمانيّة التي ترقى لتطلعات اللبنانيين الراغبين بالتغيير.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى