نعم… يمكن تجنّب المأساة.
كتب طوني فرنسيس في صحيفة نداء الوطن.
نجا لبنان من حرب 1967 ثم من حرب 1973 بين دول «الطوق» وإسرائيل. في الحربين تكرّس احتلال إسرائيل غزّة والضفة الغربية وتمدّد إلى سيناء والجولان قبل أن يدخل الرئيس المصري أنور السادات مفاوضات استعاد بموجبها الأراضي المصرية المحتلة، وسلّم الأردن بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للفلسطينيين في غزة والضفّة وبقيت هضبة الجولان في يد إسرائيل التي ستضمّها ابتداءً من عام 1981.
خرج لبنان من تلك الحروب سالماً لأنّه لم يدخلها ولم ينجرّ إلى خطابات الانقلابيين في سوريا ومشاريع تزعّم العالم العربي باسم القومية والعروبة وفلسطين، ولم يبلغ قادته العروبيون والقوميون في دعمهم قضية العرب الأولى، حدّ التفريط ببلدهم أرضاً واستقراراً، فاكتفوا بالانتقاد والاعتراض وتنظيم التظاهرات التضامنية وتدبيج بيانات التأييد والدعم لقادة سيعترفون لاحقاً بالمسؤولية عن الهزيمة أو سيُتّهَمون بالتفريط وضمان حدود الاحتلال.
لم يتغيّر وضع الحدود اللبنانية مع «الكيان الغاصب» منذ اتفاق الهدنة (1949) إلّا بعدما اختارت الأنظمة «التقدمية» العربية جعلها ممرّاً وحيداً للمقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين، فانفجر البلد من الداخل واجتاحه جيرانه السوريون وأعداؤه الصهاينة في آن واحد تقريباً، وتعايشوا معاً على أرضه لما يزيد على 24 عاماً في تبادل يومي لخطابي التحرير والإرهاب، اللذين كانا يجدان وقودهما في اقتتال اللبنانيين وانقسامهم اللذين سيستمرّان بعد خروج الطرفين، ليتمّ حينها استحضار شعارات مقاومة السبعينات تحت عباءة جديدة وبنكهات فلسطينية وعربية تجد مغذّياتها في النبع الإيراني الغزير.
فرض الحضور والسيطرة الفلسطينيان منذ مطلع السبعينات تحويل لبنان إلى دولة مواجهة ومقاومة وحيدة غصباً عنه، والحصيلة كانت معروفة: قصف ودمار وتهجير لسكان الجنوب، قبل الاجتياح الشامل وطرد منظمة التحرير من لبنان. في تلك اللحظة انطلقت المقاومة الوطنية اللبنانية (العلمانية) لتحرير الأرض وطرد الاحتلال، ولاستعادة سيادة الدولة على أرضها. تحقّق ذلك عام 2000، لكن مشروع استخدام لبنان خدمةً لمشاريع ودول أخرى استمرّ بوسائل أخطر. لم يعد لبنان ممرّاً للفلسطينيين، لكن تمّ تثبيته أداة مقايضة سورية في البداية ثم رأس جسر للمصالح الإيرانية في مرحلة ثانية، وفي الحالتين بقيت الحاجة ملحّة لعباءة فلسطين التاريخية، واستمرّ البلد الذي اعتقد أنّه تخلّص من الاحتلال، رهينةً لصراع لم ينتج ولن ينتج عنه سوى الدمار الدوري في ساحة دمرّها الفساد والفاسدون وتجّار شنطة السلطة.
اليوم يقف لبنان على خط الخطر الشديد، ظروف عشية اجتياح 1982 تتكرّر ومآسي حرب تموز ماثلة في الأفق، ومشاهد غزة المرعبة تحت الأنظار. حتى الآن ينضبط «حزب الله» عموماً تحت راية المصلحة اللبنانية، لكن كل شيء مهدّد بالانهيار، مع أنّ هذا الانضباط مطلوب إلى النهاية. والنهاية يحدّدها سلوك إسرائيل: هل ستبادر إلى شنّ الحرب ضد لبنان؟ أم أنها ستقف عند حدود معركتها مع «حماس»؟ كما يحدّدها سلوك «حزب الله»: هل سينخرط في معركة الساحات التي تبشّر بها إيران عن بعد آلاف الكيلومترات ويعرّض الجنوب ولبنان إلى تكرار مؤلم لكوارث لا تنفع معها استعادة بطولات حقيقية سجلها تاريخ اللبنانيين الحافل على مدى نصف القرن الماضي في الدفاع عن أرضهم وبقاء وطنهم؟