رأي

نريد جرأة إسبانيا.. وبلا حدود كالطلاب

كتب كمال أوزتورك, في “الجزيرة” :

يمكن قياس عظمة وشجاعة بلد أو أمة ما من خلال دفاعها عن حقوق “الآخر” الذي ليس فردًا منها. إن اتخاذ مثل هذا الموقف من أجل مبادئ سامية خالصة، مع إدراك المخاطر التي قد يتعين أن تواجهها، يزيد من احترام هذه الدولة وهذه الأمة.

إسبانيا، أيرلندا، والنرويج اعترفت رسميًا بدولة فلسطين، هذه الدول الثلاث ليس لديها أي أهداف جيوسياسية أو اقتصادية من فلسطين، بل قامت بذلك على الرغم من قوة إسرائيل في المجالات المالية والإعلامية والسياسية على مستوى العالم.

ربما كانت إسبانيا الدولة الأكثر جرأة في أوروبا في إصدار مثل هذه التصريحات، وإيصال مجازر إسرائيل والإبادة الجماعيّة للعالم بأقوى صوت.

أما الأيرلنديون، فمعروف عنهم أنهم أمة معارضة، لا تصمت أبدًا في مواجهة الظلم، ودائمًا ما تكسر الأعراف.

فيما يتعلق بفلسطين، لا أرى دولًا في أوروبا بجرأة، ومبدأ، واحترام مثل هذه الدول.

العالم بحاجة إلى دول بجرأة إسبانيا، بشجاعة أيرلندا، وبمبادئ النرويج.

أكثر جرأة من الدول الإسلامية
من المدهش أن إسبانيا وأيرلندا والنرويج أظهرت شجاعة أكثر من بعض الدول العربية والإسلامية. دول لا تتشارك مع فلسطين الدين، ولا العرق، أو الحضارة والتاريخ، وليس لديها أي أطماع جيوسياسية، وليست جزءًا من معادلة القوى في الشرق الأوسط، ومع ذلك؛ دافعت عن القضية الفلسطينية بكل شجاعة وجرأة وبأعلى صوت، وأدانت إسرائيل وفي النهاية اعترفت بدولة فلسطين.

والآن، أسأل الجميع: هل يمكن أن تصل شجاعة بعض الدول العربية والإسلامية إلى هذا الحد في مواجهة إسرائيل؟ هل كانت تصريحاتها قوية إلى هذا الحد؟ هل يمكنها اتخاذ خطوات جريئة وهل هي مستعدة لدفع الثمن!

هل يمكن لها أن تدافع عن حقوق دولة أو أمة أخرى بهذا القدر من الشجاعة دون وجود صلة دينية أو عرقية أو حضارية، ودون مصلحة جيوسياسية أو اقتصادية!

بل إن الكثير من الدول الإسلامية دفنت رؤوسها في الرمال، وغضت الطرف، بينما تعاني العديد من المجتمعات المسلمة (مثل مسلمي الأويغور في الصين)، بل وحتى في الكثير من الدول الإسلامية.


لذلك، نحن بحاجة إلى دول شجاعة مثل إسبانيا، ومتمردة مثل أيرلندا.

الأمور التي تعلمناها من الطلاب في الغرب
في العالم؛ ربما لا يوجد حلم أكبر للشباب من القبول في جامعات، مثل: هارفارد أو “إم آي تي” أو كولومبيا أو كامبريدج، فالطالب الذي يدرس هناك يكون قد ضمن مستقبله.

إلا أن الطلاب الذين حصلوا على هذا الحق خرجوا إلى الشوارع من أجل القضية الفلسطينية، رغم احتمال طردهم من جامعاتهم.

في الوقت الذي يقول فيه الجميع إن “حماس منظمة إرهابية”، دافعوا عن حقوق غزة. وبينما تدافع كل وسائل الإعلام الأميركية، وكل مؤسسات الدولة، والكونغرس، ومجلس الشيوخ عن إسرائيل وتروج لدعايتها، وصف هؤلاء الشباب إسرائيل بالقاتلة وما يحصل هناك بالإبادة. تحدى هؤلاء الشباب الشجعان النظام الأميركي، واللوبي الإسرائيلي العميق، وقوته الخفية، والنظام القائم، ويمثّل علم فلسطين اليوم هذا التمرد.

في أوروبا، باستثناء بعض الدول، وقفت جميعها أمام إسرائيل مثلما فعل الشباب في أميركا. رفع الشباب في الجامعات الأهم في أوروبا راية التمرد ضد النظام الفاسد، وأصبحت ألوان فلسطين الحمراء والخضراء والسوداء رمزًا للتمرد ضد النظام الظالم في العالم، فأحيانًا على شكل فستان، وأحيانًا على شكل بطيخة، وأحيانًا على شكل تميمة.

علمنا هؤلاء الشباب ما يلي: “لسنا من نفس الدين، ولا من نفس العرق، ولا من نفس القبيلة، ولا من نفس الحضارة. معظمنا لم يعرف أين تقع غزة، أو ما هي لغتها، أو دينها. ولكن رأينا أن أمة تعاني تحت إجرام دولة ظالمة، فتحركنا دون أن نفكر في عواقب ذلك”.

في وقت كانت فيه كراهية الأجانب ومعارضة المهاجرين والإسلاموفوبيا في ذروتها في أميركا وأوروبا، تصدى هؤلاء الشباب بتمرد عالمي لهذا التيار المتطرف. انضموا إلى الفلسطينيين المهاجرين، والأفارقة، والشرق أوسطيين، والآسيويين، وخاطبوا العالم بأسره.

قالوا عن إسرائيل إنها قاتلة، وعن العملية إنها مجزرة، وعن داعميها إنهم متعاونون قتلة.

والآن، أسأل الجميع: هل طلابنا شجعان بهذا القدر؟ هل يمكن لطلابنا أن يبدؤوا تمردًا بهذا الشكل من أجل “الآخر” الذي لا يشبههم؟ هل يمكن لطلابنا أن يدافعوا عن منظمة تصفها دولتهم بالإرهابية؟ هل يمكنهم المخاطرة بالطرد من المدرسة من أجل أمة لا يعرفونها؟

نعم، دعونا نستثني بعض طلابنا ونقبّل جباههم لشجاعتهم.

ولكن بشكل عام، إذا نظرنا إلى جامعاتنا، يمكننا أن نرى كيف يكتفي الطلاب بمشاهدة ما يحدث بصمت رهيب.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى