ندوة لندوة العمل الوطني عن فكر الراحل أنيس النقاش
نظمت “ندوة العمل الوطني”، ندوة في ذكرى رحيل انيس نقاش، بعنوان “إضاءات على فكر وسيرة المناضل الراحل أنيس النقاش”، في مركز توفيق طباره، برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى وحضوره، وحضور النائب السابق رئيس تحرير جريدة “البناء “ناصر قنديل، رئيس مركز “باحث” البروفسور يوسف نصرالله، الدكتور طلال عتريسي، الكاتب صقر ابو فخر والاعلامي في قناة الميادين كمال خلف وفاعليات.
البدوي
بداية، تحدث رئيس “ندوة العمل” رفعت ابراهيم البدوي وقال:”قبل البدء بكلمتي، أود أن أهديكم تحية وطنية مزدوجة، الأولى من مؤسس ندوة العمل الوطني الرئيس الدكتور سليم الحص والثانية من الرئيس العماد إميل لحود. لو قدر لبعض الراحلين أن يستحيلوا معزوفة موسيقية، لكانوا بحق أجمل المعزوفات، ولا بد أن يكون لكل واحد منهم سيمفونية خاصة تلف العالم باسمه، فكيف لو كان الراحل قد نذر حياته وسخر تفكيره وقدم روحه، تراه مقاوما مشتبكا مثقفا من العيار الثقيل، وكل ذلك لنصرة أنبل قضية على وجه البسيطة، وهي فلسطين”.
وتابع:”بعض الراحلين استشهد في ساحة القتال، وبعضهم اغتيل غيلة، أما البعض الاخر ورغم عظيم ما صنع، فضل البقاء في الظل والرحيل بصمت. خليل الجمل أول شهيد من بيروت سقط في ساحة الشرف، ومشينا أنا وأنيس نقاش في تشييعه المهيب، تاركا فينا ولنا، بالغ الأثر وإرث الشهادة، خالد علوان ابن بيروت، مطلق شرارة المقاومة ضد العدو الصهيوني من شوارع بيروت، اغتيل على يد صهاينة العصر، ابن بيروت مازن عبود مطلق الرصاصات والقنبلة الاولى على العدو الاسرائيلي في منطقة بسترس الصنائع رحل بهدوء، ابن بيروت المقاوم الباحث والمفكر الدكتور أحمد موصللي، رحل عنا بصمت، وغيرهم من أبناء بيروت البررة”.
واضاف:” لكن رحيل أنيس نقاش لا يشبه أي رحيل لأن فراق أنيس أحدث فينا ومن حولنا، ضجة من الصمت، بعدما كان أنيس يضج بنا بحيوية الوعي والتحليل والاستشراف، في قراءة ساحات المواجهة، ولطالما استبق العدو بخطوة او اثنتين. فأنيس قبل وبعد وفاته، لم يزل الملجأ والمرجع الصالح في تفصيل وربط الحدث، وانطلاقا مما سبق، وجب علينا أن نملأ الكون بذكره، وواجب علينا أن نعرفه حق المعرفة، وبدورنا نعرف العالم على سر أنيس نقاش، لا لأجل أنيس فقط، بل لأجلنا ولأجل أجيالنا. أنيس نقاش يا ابن بيروت، يا أنيس فلسطين، نم قرير العين، فروايتك لم تنته بعد ولن تنتهي. ونعاهدك بإكمال الرواية حتى النهاية، ومهما طال الزمن، حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين، من البحر الى النهر، و عاصمتها القدس الشريف”.
وختم:”في ذكرى رحيل ابن بيروت وانيس فلسطين انيس نقاش، يجتمع الاحبة لاستعادة فكره ونهجه، ولابناء بيروت اولئك الذين قاوموا العدو الصهيوني في شوارعها واستشهدوا او توفاهم الله حق علينا. لذلك اعلن اليوم ان ندوة العمل الوطني وفاء منها، قررت تخصيص يوم من كل عام يطلق عليه يوم الأنيس تخليدا لذكراهم ولعظيم ما صنعوا”.
قنديل
ثم تحدث قنديل وقال:”تحية لمبادرة الأخوة والرفاق في ندوة العمل الوطني وعلى رأسهم الصديق رفعت بدوي لإحياء ذكرى رحيل المثال والقدوة للمناضل الكامل وقيادي الظل ومقاوم المهمات الصعبة والمفكر الميداني، والإعلامي المميز، أحد صناع حرب العقول وكي الوعي المعاكس وهو الصديق الموحش في غيابه بقدر إنسه في الحضور، أنيس النقاش”.
وتابع:” تقع هذه المبادرة على أسنة الحراب في لحظة احتدام فلسطين، وعلى بساط العقل البارد في زمن تسابق القضايا الإشكالية الكبرى وتسارعها، وعلى شغاف القلب الحارة في تذكر الرحيل والفقدان، بمثل ما تقع بالنسبة للندوة على تقاطعات موازية في أهمية ما تمثل، لنموذج ابن العاصمة العربية المقاومة بصفته المثال البيروتي الذي يجب ألا يضيع، ولجسر العبور بين المذاهب والطوائف لمدينة لا تشبه ذاتها إلا كلما ذابت فيها المذاهب والطوائف، وللرؤيوية أسلوبا في الحياة أدمنته بيروت المثقفة الراقية وأدمنه أنيس المقاتل، حتى يكاد القول يكون مطابقا للوصف إن قلنا إن أنيس نقاش هو النسخة الفدائية للرئيس سليم الحص، يتماثلان في الآدمية والثقافة وتسكنهما روح الدولة والأمة والقضية”.
اضاف:” أنيس المناضل الكامل، هو أنيس الذي لم ينتظر أمام غياب وقصور الدولة والأحزاب اللبنانية عن فعل اللازم نحو فلسطين، ما يسميه المنظرون بنضج الظروف الموضوعية، وامتشق عقله وجسده الشاب وبندقيته ليقود عملية فيينا ويقول بالنيابة عن كل اللبنانيين، نحن هنا قضيتنا فلسطين، ومثل ذلك فعل يوم انتصرت الثورة الإسلامية في إيران وجعلت فلسطين وجهتها وبوصلتها، فأعاد الكرة في باريس، ليقول لإيران، موقعا بالنيابة عن كل العرب، على نص قالته العملية، نقدر عظيم الموقف ونتقاسم التضحيات، ليمضي عشر سنوات من السجن ضريبة هذا التوقيع، فهو يحلل ويقيم ويستخرج تقدير الموقف ويضع المهمات ويعد لها العدة ويقودها ، ويشترك في تنفيذها ويكون أول من يدفع الثمن”.
وقال”: أنيس قيادي الظل، هو أنيس الذي خرج من السجن بزاد فكري هائل، ورؤى ثقافية وفكرية واستراتيجية، وقرر أن يكون جسرا استراتيجيا دائما بين إيران وفلسطين، وكانت المقاومة الإسلامية في لبنان وقادتها وكوادرها عائلته الأقرب لهذه المهمة، فبقي أنيس حتى حرب تموز 2006 ينسج خيوطه بهدوء، بين إيران، والمقاومة في لبنان والمقاومة الناهضة في فلسطين، بعيد من الأضواء وعن الإعلام، حيث عشرات المجموعات التي ولدت من رحم انتفاضة الأقصى لتحمل السلاح، كانت تحظى برعاية الأنيس، وفي كل ما مر على إيران والمقاومة في لبنان من محطات وتحديات وأزمات، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا واستراتيجيا، كان أنيس يتصرف كقائد ظل يحلل ويفكر ويقترح، ولا يدعي أبوة فكرة ولا أمومة قرار، يضع وديعته في عهدة من يلزم ويمضي، وصولا الى الحرب على سوريا، التي أحبها وانتسب الى حربها والتصق بها حتى اختارها لتكون آخر ما أغمض عليه عيناه”.
ولفت الى ان “أنيس المفكر الميداني ومقاوم المهمات الصعبة، هو أنيس الذي لم يتقاعد، وبقي رغم المتاعب الصحية التي تسببت بها سنوات السجن، لا ينسجم مع فكرة الجلوس وراء المكتب إلا عندما يكتب، فكان يعتقد أن لقاء المقاتلين والحوار معهم مصدر زاد فكري دائم، وأن التعرف على موازين القوى والتحديات يبدأ من عندهم، من الميدان، فلم ينفصل عنه يوما، يفرح بهم ويفرحون به، في لبنان وسوريا وايران، يصغي إليهم، ويحاول ابتكار حلول تكتيكية واستراتيجية للمشاكل التي يضع يده عليها، وكثيرا ما يرافق تطبيقها، كما في الكثير من تجارب الدولة في إيران، والمقاومة في لبنان ومحطات الحرب على سوريا، وبعض هذه المشاكل مهمات صعبة انتدب أنيس نفسه لحلها، بعضها تقني معقد وبعضها اقتصادي وبعضها استراتيجي”.
واعلن ان “انيس ترك لنا زادا فكريا هاما، إضافة للنموذج الراقي أخلاقيا وثقافيا ونضاليا الذي جسده كمثال وقدوة، وقد شكلت فدرالية الشرق، والتشبيك الاقتصادي والأمني بين دول وكيانات الشرق، كوصفة استراتيجية سحرية للمشاكل، حمله الثقيل، وإنجازه الأهم، خصوصا أن طرحه جاء في ظروف انخراط المنطقة في نزاعات وحروب تقطع الطريق على مشاريعه الطامحة والحالمة، وكم كان سيفرح عندما يسمع عن اتجاه العلاقات التركية السورية الى تجاوز صفحات الحرب برعاية روسية إيرانية، وبالاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، ولو كان حاضرا لقلنا إن بصمات أنيس موجودة في هذين الإنجازين والتفاصيل التي تسير بها الأمور، لعله كتب وصفته الكاملة قبل أن يمضي”.
واضاف:” أنيس الإعلامي المميز ورجل حرب العقول وكي الوعي المعاكس، هو أنيس الذي تفتقده المنابر والبرامج الحوارية، المتمكن من قواعد وأصول السجال وفق المنهجية الأرسطية، يتعامل مع الكلمة بعقل الفيلسوف وروح المناضل، مدرك بعمق لوظيفة حرب العقول، سواء في خطط الإنهاك المصممة من الغرب وما تخفيه من برامج الحرب الناعمة واللعب على الهويات والعصبيات وتغيير النمط الثقافي، أو في موقع هذا النوع من الحروب في أولوية مشروع المقاومة، بما هو أبعد من بث روح الصبر والتحمل في بيئة المقاومة، إلى الاشتغال على كي معاكس للوعي في جبهة العدو الداخلية يعيد طرح السؤال الوجودي عن إمكانية زوال الكيان، نذكره اليوم وقد دخل الكيان مأزق الوجود، وصار لقلق الزوال منظرون وكتاب وفلاسفة”.
وتابع:”أنيس صديق الغياب الموحش، وقد ترافقنا وتزاملنا منذ العام 2006، وفي بدايات الحرب، وعندما اتصلت به أدعوه الى شراكة في تشكيل غرفة عمليات إعلامية تواكب الحرب في يومها الأول، كان ملك النقاش أنيس النقاش يجيب بكلمة، متى وأين، ليكون أول الواصلين، ويبقى على مدى أيام الحرب ركنا مؤسسا لا يكل ولا يمل في صناعة الخطاب وتقدير الموقف وإبداع الأفكار، وفي حرب سوريا كنا على اتصال دائم، وقد اتخذناها مقر إقامة مستدام أغلب أيام الحرب”.
وختم:”غيابك موحش أيها الأنيس، فارس لا يكبو، بل فارس بدون موعد يترجل. ومثلنا يفتقد كل منا بعضه المغادر، فكرك باق وأنت تسافر، ونحن حراسه فهل تقبل؟ وما عاد في العمر ما يكفي لصناعة صداقات جديدة، وحزمة الأصدقاء تحزم حقائبها وترحل. تبقى الأنيس وتبقى المثال وتبقى نموذج المفكر ببدلة القتال، حضورك جميل في الغياب بحضور الأصدقاء والأصحاب، لكن حضورك في الحضور يبقى هو الأجمل”.