ستيفاني حداد .
خاص رأي سياسي…
تشهد إسرائيل أكبر خطر منذ حرب 1973 ، ليلة الأحد 26 أذار كانت من أحلك الليالي في تاريخ إسرائيل، فقدت السلطات الإسرائيلية السيطرة على المتظاهرين عقب إقالة وزير الدفاع الإٍسرائيلي يواف غالانت على خلفية أزمة التعديلات القضائية التي عكرت صفو تل أبيب منذ أن أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتناهو عنها.
بعد إنتخابات 2022 نجح بنيامين نتنياهو بتشكيل تحالف من الأحزاب الأكثر تشددا في إسرائيل، حينها أعربت حكومته عن نيتها ورغبتها في إحداث تعديلات على السلطات القضائية وخاصة المحكمة العليا. إذا نظرنا إلى وجهات نظر التيارات السياسية واللاعبين في الساحة السياسية داخل إسرائيل نرى أن أزمة التعديلات كانت متوقعة فقوى اليمين تعتبر أن المحكمة العليا جزء من اليسار ولا تتمثل فيها شرائح المجتمع بشكل عادل ومتوازي. في المقلب اليساري الأمور تختلف فهم يعتبرون المحكمة العليا والقضاء رمز لديموقراطية .
تمسكت حكومة بنيامين نتنياهو بالإصلاحات القضائية بالرغم من أصوات المعارضة التي لطالما اتهمتها بالتشدد والديكتاتورية. فالمعارضة وبالإضافة إلى تمسكها بما هو مصدر قوة لها، ترى في التعديلات القضائية مخرجا لنتنياهو الذي يواجه تهم فساد أمام القضاء، بالإضافة إلى ما يعتبره اليسار تقليسا لدور القضاء ما يتيح لرئيس الحكومة قدرة التحكم بالسلطة وهو ما يحول النظام من ديموقراطي إلى ديكتاتوري بحسب المعارضين.
الجيش الإسرائيلي رفع حال التأهب إلى أقصى الدرجات بعد خروج أكثر من 600 ألف إسرائيلي للتظاهر ضد حكومة نتنياهو من كريات شمونا شمالا إلى إيلات جنوبا في مشهدية أذهلت حتى المعارضة فالساحة الإسرائيلية اعتادت على التظاهرات ولكن عدد المحتجين فاق التوقعات ووتيرة العنف التصاعدية أنذرت بصراع قد يصعب السيطرة عليه في المراحل اللاحقة بعدما احتشد المتظاهرين مقابل منزل نتنياهو واستطاعوا خرق عدد كبير من الحواجز ما استدعى نقل عائلة نتنياهو إلى أماكن أكثر أمانا.
وظهرالتخبط السياسي جليا” داخل الائتلاف الحكومي الذي شهد إنقساما حادا في الآراء و توتر إذ إن قرار نتنياهو بإقالة وزير الدفاع لم يكن في الحسبان واعتبر خطأ استراتيجيا دفع بإتجه تصعيد عمودي ما أعاد ساعة اليمين إلى الوراء وصعب موقفهم. مارس الإتحاد العام دورا فعالا في فرملة مخططات اليمين فبعدما دعا رئيس الاتحاد العام نقابات العمّال في إسرائيل لإضراب عام لبت معظم القطاعات الدعوة بدون تردد ما شل البلاد بالكامل وصولا إلى شل حركة الملاحة في مطار بن غوريون وتأجيل كافة الرحلات ما أدى إلى فوضى عارمة فضلا عن الخسائر الإقتصادية التي منيت بها البلاد في المرحلة الأخيرة جراء التظاهرات والإضرابات المستمرة .
الرئيس الإسرائيلي ذات الصلاحيات البسيطة لم يلعب دورا مؤثرا أو فعالا إلا من خلال تغريدات ومناشدات مستمرة لحكومة بينيامين نتنياهو لوقف التعديلات القضائية والتراجع عنها.
صحيح أن باخرة المفاوضات والإبتزاز بين اليمين واليسار رست على تأجيل نتنياهو وبن غفيرالتعديلات القضائية مقابل التصديق على إقامة “الحرس الوطني “، الأمر الذي تعتبره المعارضة ميليشيا خاصة لبن غفير لتلبية احتياجاته السياسية ما يعرض أمن إسرائيل للخطر وبالتالي لن تصدق على “الحرس الوطني” ما يعني أن الأزمة همدت ولكنها ما زالت متأججة خاصة وأن مطالب المتظاهرين لم تلب فالمتحدث بإسم المعارضة أعلن بوضوح أن التأجيل والتراجع ليس هدفهم وانسحابهم من الساحات مشروط بإلغاء التعديلات القضائية . الحكومة والمعارضة اتجهت إلى الحوار للتشاور والبحث عن خيارات بديلة بعيدا عن الحرب الأهلية التي باتت على مقربة كبيرة من الواقع لو استمر التصعيد بالوتيرة نفسها.
ونعى محللون حياة بنيامين نتنياهو السياسية بعد ليل 26 أذار 2023 بإعتبار أنه لم يستطع لجم التظاهرات ولم يحقق الهدف المرجو. فحنكته السياسية التي يتغنّى بها لم تستطع أن تلبي رغبة داعميه واللذين نصبوه رئيس حكومة ولم يستطع أن يظهر بصورة ديبلوماسية تخفف الاضرار وتسيطر على الوضع.
أما دوليا، فنتنياهو لم يلق الدعم المطلوب من حليفته الولايات المتحدة ، والأمر ليس غريبا فالعلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن وبنيامين نتنياهو متوترة أساساّ باختلاف العلاقة المتناغمة التي جمعت بين نتنياهو وترامب. التوتر بين إدارة بايدن ونتنياهو ظهرت إلى العلن على خلفية إحياء المفاوضات مع إيران حول الإتفاق النووي والمواقف اللينة لبايدن تجاه حلفاء إيران في الشرق الأوسط.