نتانياهو ومصير اتفاق الهدنة في غزة

كتبت د. نورة صالح المجيم في صحيفة القبس.
قبل أيام عدة، ألمحت إدارة بايدن إلى فشلها في إبرام اتفاق الهدنة في غزة، الذي ترعاه مع كل من مصر وقطر، كما أشارت إلى الكم الهائل من التحديات التي تواجه التوصل إلى اتفاق. ومع ذلك، نقلت الصحف الأمريكية عن إدارة بايدن عن عزم إدارة بايدن تقديم لائحة مقترحات جديدة للتقدم في اتفاق الهدنة، وإصرار بايدن شخصياً على إنهاء الحرب في غزة قبل انتهاء فترة ولايته.
وبدأت مفاوضات الهدنة منذ شهرين تقريباً، وهي بالأساس خطة طرحها بايدن في مايو الماضي، مكونة من ثلاثة بنود أساسية تنفذ على مراحل، ووصلت جولات التفاوض إلى حوالي 19 جولة، ولم تسفر عن أي تقدم بالنسبة لموضوعاتها الأساسية، وهي تبادل الأسرى، وإنهاء العنف، والانسحاب الإسرائيلي من غزة.
بل والأدهى من ذلك، هو انحراف الاتفاق عن موضوعاته الأساسية، إلى تحديات أكثر تعقيداً، وعلى رأسها الخلاف المصري الإسرائيلي حول محور فيلادلفيا. وفي وسط كل ذلك، افتعال إسرائيل الكثير من المشكلات المعرقلة لإبرام اتفاق الهدنة، ومن أهمها التصعيد في الضفة الغربية، وعلى جبهة «حزب الله» وإيران.
ويشير ما سبق إلى استنتاج بديهي مفاده تعمّد إدارة نتانياهو إلى إفشال هذا الاتفاق، وبالتبعية إحراج بايدن الذي يريد تحقيق أي انتصار تاريخي قبل اعتزاله العمل السياسي نهائياً، كما تدعم بقوة اتفاق الهدنة كامالا هاريس، خاصة لدى تحالف الأقليات الداعم للديموقراطيين. وفي المحصلة الأخيرة، يتبدى من تعقد وتشعب تحديات اتفاق الهدنة، التي تفتعلها إسرائيل، أن التوصل إلى اتفاق هدنة خلال إدارة بايدن أصبح شبه مستحيل.
وفي تقديرنا الخاص، أن أي اتفاق هدنة، حتى ولو كان أمريكياً أو بضغط أمريكي في ظل حكومة نتانياهو، مصيره محتوم بالفشل. ويعزو ذلك إلى جملة أسباب مترابطة، يأتي في مقدمتها فشل إسرائيل في تحقيق الهدف الرئيسي لها، الذي أعلنته بوضوح بعد طوفان الأقصى، وهو القضاء على حركة حماس نهائياً. وخلف هذا الهدف هو إعادة السيطرة على قطاع غزة، حتى ولو بتمركزات عسكرية محدودة، وتنصيب حكومة مدنية موالية لإسرائيل. في حين أن خطة بايدن التي يقوم عليها اتفاق الهدنة، قد شملت انسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة بعد إطلاق جميع الأسرى اليهود.
ومن ضمن الأسباب الرئيسية أيضاً هو تعمّد نتانياهو لكسب الوقت، أو البقاء أطول فترة ممكنة في السلطة، على أمل تحقيق بعض النجاحات التي ستشفع له في المحاكمة المرتقبة له إثر هزيمة طوفان الأقصى. وتصب سياسة الاغتيالات لكبار قادة المقاومة، كإسماعيل هنية وفؤاد شكر، في خانة بند نجاحات نتانياهو بلا أية مواربة. ويتبدى كسب نتانياهو للوقت – بذكاء صراحة – في تسخين جبهة الشمال مع «حزب الله»، واستفزاز إيران، وأخيراً افتعال أزمة محور فيلادلفيا مع مصر، بحجة تهريب السلاح عبره، رغم دحض مصر ذلك بالعديد من الدلائل، خاصة قيام مصر بتدمير ما يقرب من %90 من الأنفاق الموصلة لمحور فيلادلفيا منذ تولي الرئيس السيسي.
يجب أن يكون من المعلوم أيضاً أن نتانياهو يترقب، بعد شهور قليلة، عودة شبه مؤكدة لترامب، أكبر داعم لإسرائيل، إلى البيت الأبيض. وربما لا يتماهى ترامب مع رغبة نتانياهو الحثيثة في إشعال حرب مع إيران. لكن من المؤكد انه سيكون داعماً لخططه في البقاء في غزة، واستمرار سياسة الاغتيالات والتصعيد في الضفة.
ملخص القول، تسود حالة شديدة من التشاؤم بشأن إبرام اتفاق هدنة ينهي الحرب في غزة بصورة مطلقة خلال إدارة بايدن، إثر تعمد نتانياهو لعرقلة الهدنة، رغم الضغوط الشعبية المتصاعدة، التي تطالبه بالهدنة للإفراج عن الأسرى، كذلك ضغوط الإدارة الأمريكية.