أعرب الدبلوماسي الأمريكي السابق زالماي خليل زاد عن اعتقاده أنه من بين التحديات التي تواجه السياسة الخارجية لبلاده في الوقت الحالي، هناك تحديان يشكلان الخطر الأكبر المحتمل لأمن البلاد ولمستقبل النظام العالمي.
وقال السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة، في تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن الخطر الأول هو التحدي الذي تفرضه الصين كقوة صاعدة تسعى لتجاوز أمريكا كأبرز قوة في العالم. أما الثاني، فهو روسيا التي تشكل قوة آخذة في الانحسار ترتكب عملا عدوانيا صادما ضد أوكرانيا في محاولة غير ذات جدوى لاستعادة مجد إمبراطوري.
ويرى خليل زاد، الذي عمل أيضا سفيرا لبلاده في العراق وأفغانستان، أنه في حين أن التحدي الذي تفرضه الحرب الروسية على أوكرانيا يعتبر أمرا عاجلا، من منظور الأمن القومي، تشكل الصين تهديدا أكثر شمولا وخطورة، ذي أبعاد اقتصادية وسياسية وتكنولوجية وعسكرية. وحتى في الوقت الذي تتعامل فيه أمريكا مع مسألة أوكرانيا، يتعين أن “يظل التهديد الصيني هو التركيز الأساسي… ولم يكن الحال كذلك خلال معظم فترة ما بعد الحرب الباردة، وهو ما سمح بالصعود المستمر للصين، والذي تواصل أمريكا الإسهام فيه.
وركزت الولايات المتحدة في أعقاب تفكك حلف وارسو والاتحاد السوفيتي على أوروبا، وتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا، وحملت على عاتقها مسؤولية غير متناسبة تتعلق بأمن أوروبا، مثل مواجهة التحديات في منطقة البلقان.
وبدلا من أن تركز أمريكا بشكل جاد على التهديد الصيني المتنامي، واصلت بشكل أساسي سياستها إزاء بكين، كما كان الحال خلال الحرب الباردة، فقط مع تغيير المنطق المصاحب لذلك. لقد احتضنت أمريكا الصين خلال الفترة الأخيرة من الحرب الباردة بسبب إيمانها أن السوفيت أقوى من الولايات المتحدة، وذلك اعتقادا من واشنطن بأنه في ظل العداء الصيني- السوفيتي، سيخدم وجود صين قوية المصالح الأمريكية.ولكن حتى بعد أن اتضح أن الاتحاد السوفيتي أضعف كثيرا مما كانت تعتقد الولايات المتحدة وحتى بعد تفككه ظلت تحتفي باحتضان الصين بدلا من التشكك فيها.
وواصلت أمريكا بعد نهاية الحرب الباردة اتباع نفس السياسات التي دعمت الصين، واعتقدت أن التقدم الاقتصادي سيحول الصين إلى دولة ديمقراطية وسيقوض سلطة الحزب الشيوعي الصيني. ولكن هذا لم يحدث.
ويوضح خليل زاد أن الصين تتحرك على جبهات مختلفة لتصبح القوة الأبرز في العالم. وفيما يتعلق بالتكنولوجيا، سبقت الصين أمريكا في بعض المجالات، كما أن قوتها العسكرية تتزايد. وأنجزت الصين تقدما واسعا في المجال الاقتصادي. وفي معظم هذه المجالات، حققت بكين مكاسب مهمة “عبر مشاركتنا الخاطئة في ذلك، وتوظيفهم الحاذق للفرص التي يوفرها القطاع الخاص الأمريكي”.
وكانت العمالة الرخيصة ومنشآت الإنتاج السريعة ذات التكلفة المنخفضة والسوق الضخمة في الصين، وراء انجذاب الشركات الأمريكية لنقل عمليات تصنيع رئيسية إلى الصين. ونتيجة لذلك، ازدهرت الصين وصارت أمريكا تعتمد عليها في مجالات أساسية.
وقال خليل زاد إن الحزب الشيوعي الصيني استخدم القوة الاقتصادية لمد مخالب النفوذ الصيني في أنحاء العالم، فقد صارت العديد من دول العالم مديونة بشكل كبير للصين. كما أن بكين تستفيد من علاقاتها الاقتصادية ومبادرة الحزام والطريق لتحقيق مميزات جيوسياسية.
وتسعى بكين إلى إنهاك أمريكا خارجيا عبر دعم أعداء واشنطن مثل إيران وكوريا الشمالية، كما تعمل على تقويض الداخل الأمريكي بدعم روح الانقسام ، والنيل من ثقة الشعب الأمريكي في مؤسسات بلاده من خلال أدوات تشمل تطبيق “تيك توك”، وإدمان الشباب للمخدرات المنتجة في الصين مثل الفنتانيل، وهذه نقاط ضعف يتعين على الأمريكيين أن يقروها وأن يتعاملوا معها.
وفي خضم ذلك تأتي حرب أوكرانيا، ويعتمد الأمر على أمريكا فيما إذا كانت هذه القضية ستصب في صالح الصين، أو في تنشيط الغرب. وينطوي غزو بوتين على مخاطر جمة، ولكنه يقدم أيضا فرصا مهمة.
ويقول خليل زاد إنه يبدو أن “حلفاءنا الأوروبيين صاروا يدركون أخيرا أنهم يواجهون مخاطر أمنية حقيقية، وأنه يتعين عليهم أخذها على محمل الجد، من خلال وضع ميزانية واقعية للدفاع، وخفض الاعتماد على إمدادات الطاقة من روسيا.
ويرى الدبلوماسي الأمريكي أن الأداء السيئ لروسيا في أوكرانيا قد خلق فرصا لمزيد من التعاون الدفاعي مع دول مثل الهند، وآخرين اعتمدوا بشكل كبير على المعدات العسكرية الروسية. وقال إن تطويل أمد الصراع وكلفته في أوروباـ مع امتصاص القوة العسكرية الأمريكية والاهتمام الدبلوماسي، من شأنه أن يجعل روسيا أكثر اعتمادا على الصين، وهو ما يخدم أغراض بكين على غرار ما جرى في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، ولذلك يتعين التصول تكون لنهاية سريعة للصراع في أوكرانيا من خلال تسوية تفاوضية مقبولة لموسكو وكييف.
كما أنه من المهم لأمريكا أن تعطي مزيدا من الاهتمام للشرق الأوسط، للحيلولة دون وجود هيمنة إيرانية في المنطقة ، والحد من تزايد نفوذ الصين، والبحث عن فرص. وأكد أن البناء على “الاتفاقات الإبراهيمية”، على سبيل المثال، يخدم الاستقرار العالمي عبر إقامة علاقات تعاون بين دول تركز على السلام والنمو.
وبالنسبة للصين، يقول زالماي زاد إن على أمريكا اتباع استراتيجية احتواء شاملة، يشارك فيها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، “حيث نواجه تهديدا خطيرا يدفعنا إلى تركز اهتمامنا ويوحد بيننا.”
وتشمل العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية تعزيز أمريكا لقوتها في مواجهة التحديات التي تفرضها الصين، وضمان الريادة التكنولوجية، وتفحص أوجه القصور ونقاط الضعف في سلاسل التوريد الأمريكية، ومعالجتها، ومواجهة توظيف الصين للتجارة والعلاقات الاقتصادية لتغيير ميزان المصالح في المناطق الحيوية وخاصة في أسيا. وأخيرا، على واشنطن الالتفات لنقاط الضعف الصينية، وتقرير أفضل الطرق لزيادتها ، وبشكل خاص ما يتعلق بإجراءات بكين الفعالة لتقويض أمريكا من الداخل.
وفي ختام تحليله، يؤكد خليل زاد أن إتباع هذا النوع من الاستراتيجية لا يعني عدم الإنخراط مع الصين أو تجنبها في قضايا حيوية للأمن الإقليمي والدولي، أو تحاشي التعاون في مجال مكافحة التغير المناخي، “ولكن هذا التفاعل يجب أن يتم من مركز قوة، مع تقدير للحقائق المفزعة التي التي نواجهها”.