ميقاتي يفرض إيقاعه في تشكيل الحكومة بأوراق داخليّة وخارجيّة وعون بين التعايش مع حكومة تصريف الأعمال وتعديل صيغة الأمر الواقع
كتب محمد بلوط في “الديار”:
تجربة الرئيس ميقاتي مع تشكيل حكوماته وادارتها ليست سهلة، ان لم نقل انها كانت بطعم المرارة. لكنه هذه المرة لم يكن قبل وبعد تكليفه قلقا او حذرا في اتخاذ مواقفه وتظهيرها، لا بل تعامل مع هذا الاستحقاق بشيء من الراحة والاطمئنان. وبدا اكثر امساكا بزمام الامور في التعاطي مع رئيس الجمهورية، طالما ان ظهره يستند لحائط الثقة وامر الواقع في هذه العملية.
ولعل ابرز اسباب اطمئنانه شعوره بحجم وتأثير الدعم الذي يحظى به في الداخل والخارج، واستناده الى رصيد ليس بمستطاع احد ان يتجاهله او يتجاوزه، الا وهو ترؤسه لحكومة تصريف الاعمال.
ولا يمكن ايضا تجاهل تأييد ثنائي “امل” وحزب الله وحلفائهما له في التكليف، واعادة تسميته مع تسهيل مهمته في تشكيل الحكومة، هذا بالاضافة الى الغطاء السني من نواب الظل ل “تيار المستقبل” وآخرين “مستقلين”.
صحيح ان ميقاتي لم يفز بغطاء مسيحي كبير، بسبب امتناع “التيار الوطني الحر” و “القوات اللبنانية” عن تسميته، لكن هذا الموقف من الثنائي المسيحي بقي بحجم الحالة الاعتراضية العادية، لغياب حظوظ اي بديل عنه من هذا الجانب او ذاك.
يرى مصدر سياسي بارز ان قرار اعادة تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة، اتخذ منذ اللحظة الاولى لصدور نتائج الانتخابات النيابية وربما قبلها، خصوصا بعد انسحاب الرئيس الحريري من المسرح الانتخابي والسياسي. وبغض النظر عن الرقم الضعيف الذي حاز عليه في استشارات التكليف، انطلق ميقاتي بثقة في مهمته منذ اللحظة الاولى من تبلغه رسميا تكليفه تشكيل الحكومة من رئيس الجمهورية بناء لهذه الاستشارات.
ووفقا للمعلومات، فان الرئيس عون لم يكن متقبلا تكليفه كما في المرة السابقة، ما جعله يسأل ميقاتي ان كان يرضى بالتكليف بهذا الرقم القليل، وجاءه الجواب فورا بالقبول وفقا لارادة النواب.
ولعل ابرز عناصر القوة والثقة عند ميقاتي هي:
- الدعم الفرنسي الممهور بقبول اميركي وتراجع سعودي، عكسه فرملة السفير البخاري لحركته باتجاه تشجيع تسمية مرشح آخر.
- قناعة دولية بدعم استمرار ميقاتي بالمهمة التي بدأها في حكومته المنصرفة، لا سيما بعد نجاحه في اجراء الانتخابات النيابية، وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين.
- بروزه كمرشح قوي دون منافسة جدية مؤثرة، والقناعة حتى عند بعض الكتل التي لم تشارك في تسميته بان لا بديل عنه حتى نهاية ولاية الرئيس عون على الاقل.
- الدعم القوي من الثنائي الشيعي والاغلبية النيابية السنية، بالاضافة الى حصوله على عدد من الاصوات المسيحية، لا سيما من كتلتي “المردة” و”الطاشناق” وبعض المنفردين، هذا عدا عن ان تسمية الحزب “التقدمي الاشتراكي” للسفير نواف سلام الذي جاء من باب تسجيل الموقف بحسابات سياسيه داخلية وخارجية.
- ترؤسه حكومة تصريف الاعمال، وبالتالي امساكه بهذه الورقة القوية في فرض ايقاعه بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، فاذا لم يوقع الرئيس عون على تشكيلته، يبقى هو رئيسا لهذه الحكومة في الاشهر الاربعة المتبقية من عمر العهد، وربما بعدها اذا حصل فراغ رئاسي.
وللتوضيح، لا بد من التوقف عند كلام ميقاتي قبل ايام من تكيفه، عندما اكد انه لن يخضع للمساومة باي شكل من الاشكال، وهذا لا يعني انه يقفل طريق التعاون مع الرئيس عون، وانما المقصود رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالدرجة الاولى واي طرف سياسي آخر بالدرجة الثانية.
اما الرئيس عون الذي يعيش ضغطا قويا مع اقتراب نهاية ولايته، فانه يفضل حكومة جديدة فاعلة يحقق من خلالها انجازا او اكثر في نهاية عهده، لكن من يعرفه ويعرف الاجواء المحيطة به، يدرك انه لن يقبل بحكومة امر واقع او تشكيلة تضعف دور باسيل، وتحشره في موقع اضعف من السابق.
لذلك، يعتقد المصدر السياسي، ان الرئيس عون يفضل التعايش مع حكومة تصريف الاعمال الحالية، على حكومة معدلة وفقا للتشكيلة التي قدمها ميقاتي، لا سيما انها تتضمن خطف وزارة الطاقة من حصة التيار لحصة رئيس الحكومة من دون مقابل يذكر، ومردود هذه الخطوة سلبا على التيار العوني عموما.
والسؤال المطروح: هل يمكن تسوية هذه العقدة التي تكاد تكون الوحيدة في وجه ولادة الحكومة الجديدة؟ الاجواء تميل الى السلبية. فميقاتي لن يتخلى عن وزارة الطاقة في الحكومة الجديدة، اولا لقناعته بضرورة انتقالها من يد التيار، وثانيا لان النواب السنّة يعوّلون على هذه الخطوة كمعيار لمنح الثقة للحكومة.
اما الرئيس عون فيعتبر ان الطريقة التي اتبعها والصيغة المعدلة التي سلمها له تستهدف التيار دون غيره، خصوصا ان التعديل لم يطاول وزراء سنّة كانوا على لائحة “التغيير” هم وزير الداخلية بسام مولوي ووزير الصحة فراس الابيض.
وما لم تحصل مبادلة مرضية لرئيس الجمهورية، فانه من الصعب ان يوقع على التشكيلة كما هي، ويفضل البقاء على حكومة تصريف الاعمال.