رأي

ميغ 1990 – ميغ ـاسنتر 2022

كتب احمد عياش في “اساس ميديا”:

تردّد كثيراً في الآونة الأخيرة أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لن يترك بعبدا في نهاية ولايته الدستورية في 31 تشرين الأول المقبل. ويراهن البعض على أنّ الرئيس عون في ذلك التاريخ لن يختلف كثيراً عن الجنرال ميشال عون رئيس الحكومة العسكرية عام 1989 عندما قرّر البقاء في قصر بعبدا رئيساً للحكومة العسكرية رافضاً إخلاءه لرئيس الجمهورية آنذاك رينيه معوّض، ثمّ لخلفه الياس الهراوي.

يمضي وزير سابق عايش زمن الجنرال عن قرب في المقارنة بين نهاية الثمانينيّات من القرن الماضي وبين الزمن الحاضر، فيقول: بقي عون في قصر بعبدا، رافضاً كلّ ما انتهى إليه اتفاق الطائف منذ 30 أيلول 1989، إلى أن أخرجته طائرات الميغ السورية الروسية الصنع، من القصر إلى السفارة الفرنسية في 13 تشرين الأول 1990 أوّلاً، ثمّ إلى منفاه الباريسي ثانياً حتى العام 2005.

من البديهي القول إنّه بعد 32 عاماً لم تعد بيد نظام الأسد طائرات “ميغ” كي تطير فوق قصر بعبدا، بل هناك طائرات إسرائيلية من سلالة “إف” الأميركية التي تحلّق من دون اعتراض فوق “قصر الشعب” السوري، المقرّ الرئاسي لبشار الأسد

أمّا اليوم، بحسب الوزير السابق، فقد دنا موعد نهاية الولاية الرئاسية، وعلى ما يبدو فإنّ التاريخ سيعيد نفسه جزئياً، لكن هذه المرّة سيسعى الرئيس عون إلى استباق موعد نهاية الولاية في 31 تشرين الأول، بأن يلجأ إلى “الميغاسنتر” على أمل أن يُخلي الساحة من أيّ تهديد لبقائه في القصر بعد انتهاء الولاية، وذلك بتطيير الانتخابات أوّلاً، ثمّ بتمديد ولاية المجلس النيابي ثانياً، وصولاً إلى تمديد الولاية الرئاسية ثالثاً.

هل يعني ما سلف أنّ طائرات “الميغ” التي أرسلها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وأقنعت الجنرال عون بأن يغادر “قصر الشعب”، كما كان يسمّيه ساكنه وقتذاك، سيكون اليوم ما يعادلها، مثل الـ”ميغاسنتر”، كي يغيّر الاتجاهات فيبقى الرئيس عون في قصر بعبدا بعد أن تنتهي ولايته؟

طائرات إسرائيل فوق الأسد

من البديهي القول إنّه بعد 32 عاماً لم تعد بيد نظام الأسد طائرات “ميغ” كي تطير فوق قصر بعبدا، بل هناك طائرات إسرائيلية من سلالة “إف” الأميركية التي تحلّق من دون اعتراض فوق “قصر الشعب” السوري، المقرّ الرئاسي لبشار الأسد.

قبل 32 عاماً، كانت عاصفة الصحراء الأميركية التي أخرجت صدام حسين من الكويت، والتي كوفئ الرئيس حافظ الأسد بسبب مشاركته فيها بإخراج الجنرال المتمرّد من عرينه في لبنان.

أمّا اليوم، وبانتظار أن ينجلي غبار العاصفة الجديدة، عاصفة الغزو الروسي لأوكرانيا، التي لا نعرف هل تنتهي بإخراج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من قصره بكييف، أم بعودة قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حيث أتت، فليس في الميدان سوى مسيَّرات الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، التي لا يتخيّل أحد أنّها ستكون غير مظلّة حماية لشريك “تفاهم مار مخايل”.

كي لا يبدو أنّ التوغّل في الحديث عن احتمال بقاء الرئيس عون في قصر بعبدا بعد 31 تشرين الأول المقبل، أو عدم بقائه، ضرباً من قراءة الكفّ أو التنجيم، ثمّة ما يوحي في أروقة قصر بعبدا أنّ “الميغاسنتر” سيكون وصفة سحرية قد تصيب أكثر من عصفور بحجر واحد. فمن ناحية، تمنح الرئيس عون فرصة أخيرة كي يظهر في مظهر مَن يريد توفير الشروط الملائمة لأكبر عدد من المقترعين كي يمارسوا حقّهم الدستوري في ظلّ ضائقة زادت مع الارتفاع غير المسبوق في أسعار المحروقات بسبب الحرب في أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، ستدفع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رفض المناورة الجديدة لزميله في الترويكا الرئاسية، كي لا يُعدَّل قانون الانتخابات، الأمر الذي يعتبره رئيس البرلمان بحسب أوساطه “خطاً أحمر”، ونقطة على السطر.

يثابر وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي على مقارعة حجج العهد بحجج لا يُستهان بوضوحها، فيشير إلى أنّ “النص القانوني الحالي لا يحدّد إنشاء أقلام اقتراع خارج الدائرة الانتخابية”

التمديد لسنتين

وسط شدّ الحبال بين قصر بعبدا وقصر عين التينة، تتصاعد الأصوات لإجراء الانتخابات في موعدها مهما كانت الاعتبارات.

في الخلاصة، فإنّ الواقع أشبه ما يكون ببرج بابل، حيث لا أحد يفهم على أحد، ولعلّ ذلك يؤدّي، وهذا ما يرجوه العهد، إلى أن تهبط “كلمة سرّ” تدعو إلى إرجاء الانتخابات، سواء لـ3 أشهر أو لمدّة عامين، كما يتردّد الآن على ألسنة أهل العهد وتيّاره البرتقالي.

في هذا الوقت، يثابر وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي على مقارعة حجج العهد بحجج لا يُستهان بوضوحها، فيشير إلى أنّ “النص القانوني الحالي لا يحدّد إنشاء أقلام اقتراع خارج الدائرة الانتخابية”، مستنداً إلى سابقتين إبّان الاحتلال الإسرائيلي عاميْ 1996 و2000 عندما وُضعت أقلام اقتراع خارج الدوائر وأجريت وقتها تعديلات على القانون.

بالعودة إلى الأيام الأخيرة التي سبقت تحليق طائرات “الميغ” في سماء بعبدا عام 1990، يروي الوزير السابق المشار إليه آنفاً أنّ الجنرال عون كان يتلقّى “تطمينات” من شخصيات قريبة من دمشق إلى أنّ باب الحوار بينه وبين النظام السوري ما زال مفتوحاً. لكن تبيّن لاحقاً أنّ ناقلي “التطمينات” كانت مهمّتهم تخدير الجنرال قبل الجراحة التي أدّت إلى اقتلاعه من القصر.

أمّا اليوم فلا شكّ أنّ أحدهم قد أقنع رئيس الجمهورية بأنّ حرب “الميغاسنتر” ستكون مضمونة هذه المرّة، وليست كـ”حرب التحرير” التي شنّها ضدّ جيش حافظ الأسد، في وقت كان الأخير يقاتل جنباً إلى جنب مع الأميركيين في الكويت.

هل من أحد يقول، لمرّة أخيرة، للرئيس عون، إنّ الأوهام لن تصبح حقائق مهما توهّم صاحبها، وأنّ الميغاسنتر عام 2022 لن يبقيه في قصر بعبدا، فلا يعتقدنّ أنّه سيكون لمصلحة بقائه في القصر، على عكس الميغ التي كانت عام 1990 نذيراً بنهاية سلطته؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى