رأي

“ميدل إيست آي”: هذه نهاية القرن الأميركي

قال الكاتب البريطاني، ورئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، دافيد هيرست، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، جنت في العام الذي شارف على الانتهاء، حصادا مرا من أخطاء ارتكبتها أسلافه على صعيد السياسة الخارجية.

ولفت إلى أن على واشنطن أن تفكر جيدا في خطواتها المقبلة.
وتابع في مقاله المنشور على الموقع بالقول إن الولايات المتحدة دخلت حقبة جديدة حيث إنه لم يعد بإمكانها تغيير الأنظمة الحاكمة، لا بقوة السلاح ولا بفعل العقوبات.
وأشار إلى أن واشنطن اكتشفت عدم جدوى القوة، وعليها الآن أن تسقط العصا من يدها وأن تبدأ بتوزيع الجزر، عليها أن تتولى مهمة حل النزاعات حول العالم، ولا ريب في أنها مهمة مستعجلة، بحسب تعبيره.

وتاليا المقال كاملا:

وتعليقاً على سقوط أفغانستان في يد الطالبان، قال أحد أعضاء الوفد الإيراني إلى محادثات النووي في فيينا: “لقد حظيت أمريكا للتو بلحظة السويس الخاصة بها، ولكنها لا ترى ذلك بعد”.

ولكن لا يقتصر الأمر على سقوط كابول.

في عام 2021، جنى الرئيس جو بايدن بحق حصاداً مراً من أخطاء استراتيجية في السياسة الخارجية ارتكبها أربعة من أسلافه. ولكن نظراً لأنه كان نائباً لأحدهم، هو الرئيس باراك أوباما، فإنه يجد صعوبة في رؤية ذلك هو الآخر. كانت بذور كل واحدة من الصراعات الدولية الرئيسية ما بعد أفغانستان وأوكرانيا وتايوان وإيران قد وضعت في تلك المناطق منذ زمن طويل.

ما تجلى هذا العام لم يكن أقل من ثلاثة عقود من الإدارة الأمريكية السيئة للعالم.

ما من رئيس من رؤساء الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي إلا واعتقد أنه وحده يحظى بالملف لنفسه. ولم يكن ذلك مما يرى من حق مجلس الأمن الدولي أن يشترك معه فيه. فقد كان القائد الأعلى لأضخم جيوش العالم وأفضلها تسليحاً وأكثرها قدرة على الحركة، وأكثرها تمكناً من شن هجمات عبر الأفق بدقة مدمرة. ويتحكم الرئيس الأمريكي بما يقرب من 750 قاعدة مختلفة في ثمانين دولة مختلفة. كما أنه يحظى بأضخم جيب، عملة الاحتياط في العالم، وبالتالي بإمكانه الآن أن يضع قواعد السلوك.

ما الذي يمكن أن يسبب خللاً من بعد ذلك؟

رافق ذلك الاعتقاد فرضيتان ثبت أن كلاً منهما كانت خطأ فادحاً: أما الأولى فهي افتراض أن احتكار الولايات المتحدة لاستخدام القوة سيستمر إلى الأبد – إذ انتهت بمجرد أن تدخلت روسيا في سوريا. وأما الفرضية الثانية فهي الظن بأن الولايات المتحدة بإمكانها الاستمرار في فرض نظام دولي “قائم على القواعد” – طالما أنها استمرت في سن تلك القواعد. لقد دفن بايدن كلا الفرضيتين من خلال الاعتراف بأن القوى العظمى ستجبر على “إدارة” التنافس فيما بينها لتجنب صراع لا يمكن لأحد أن يفوز فيه.

ولكن تمهل قليلاً. ثمة ما لا ليس صواباً هنا.

نظرية السبب والأثر

فالصدامات الكبرى، والتي لديها القابلية لأن تنتج معارك دبابات لم تشاهد منذ الحرب العالمية الثانية، مثل أوكرانيا، لا تحدث عرضاً.

بل إن هناك سببا وهناك أثر. والسبب هو ما اتخذ حينذاك من قرار أحادي، ولكنه غير مثير للجدل، بتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً في تسعينيات القرن الماضي، والتخلي بذلك عن نموذج أوروبا شرقية حرة منزوعة السلاح إلى حد كبير، وهو النموذج الذي تمت مناقشته مع الرئيس ميخائيل غورباتشوف قبل ذلك بعقد من الزمن.

اقرأ أيضا: لربما يكون المستبدون العرب قد ربحوا المعركة ولكن النضال لم ينته بعد

حصل ذلك من أجل إعطاء معنى جديداً للناتو، ذلك التحالف العسكري الذي مات عندما مات غريمه. كان الحديث حينها عن كلام فارغ يتعلق بترسيخ الناتو للديمقراطية في أوروبا الشرقية من خلال ضمان استقلالها عن موسكو. ولكن تذكروا المزاج العام حينذاك. كان مزاج النشوة بالنصر. فلم يقتصر الأمر على كون الرأسمالية النظام الوحيد المتبقي، بل كانت ماركتها النيوليبرالية هي الماركة الوحيدة التي تستحق الترويج.

للحظة قصيرة غدت موسكو أشبه بنهر كلوندايك تغشاه مشاريع الرأسمالية مثل آيكيا وكارفور والحانات الإيرلندية والمبشرين حملة الأناجيل بحثاً عن الذهب. في تلك الفترة كان الروس مهووسين بماركات التصاميم العالمية الشهيرة بدلاً من السياسة.

في ذلك الوقت لم يعبأ الأمريكيون في موسكو كثيراً بما كان يفكر به أو يفعله مضيفوهم. فقد باتت موسكو غير مهمة على الساحة الدولية. وتفاخر المستشارون في الولايات المتحدة بأنهم كانوا يكتبون المراسيم التي تصدر عن الرئيس الروسي بوريس يلتسين. رد لهم يلتسين المعروف من خلال تسليمهم تصاميم أحدث دبابة روسية ورسومات أسلاك أجهزة التجسس التي غرستها المخابرات الروسية (الكيه جي بي) في القواعد الخراسانية للتوسعة التي كان يجري إنشاؤها لسفارة الولايات المتحدة في موسكو.

بالنسبة للمواطنين الروس لم يكن ذلك أقل من خيانة. ولكن الأبواب كانت مشرعة تجاه الغرب لدرجة أن كل شيء لم يكن مثبتاً بالأرض.. كان قابلاً لأن يطير عبرها – علماء الذرة، ومهندسو الصواريخ، ونخبة عملاء المخابرات الروسية، وحقائب مملوءة بالأوراق النقدية. وإلا فمن أين تظنون أن الروس الذين استقروا في هايغيت شمال لندن أو في هامبتونز في لونغ آيلاند أو في قبرص أو في إسرائيل أتوا بأموالهم؟

ولبعض الوقت سقطت مفردة “الغرب” من القاموس السياسي الروسي لأن الروس الجدد ظنوا أنهم انضموا إليه وباتوا جزءاً منه.

أوكرانيا.. ضحية الغرب

قضى أول سفير أمريكي لدى روسيا الفيدرالية التي تشكلت حديثاً وقتاً أطول في الدفاع عما كان يجري داخل الكرملين مما قضاه في الدفاع عما كان يجري داخل البيت الأبيض. وغدت السفارات الغربية ناطقة باسم روسيا التي ظنوا أنهم باتوا الآن يملكونها.

قلل شتراوس من أهمية أول تقارير حول ظهور دولة المافيا الروسية باعتبار تلك المزاعم باطلة، وقال لي: “هكذا كانت شيكاغو في العشرينيات من القرن الماضي.” تبع ذلك سفاهات حول البراعم الخضراء للديمقراطية والوقت الذي استغرق لقص العشب الإنجليزي. وكأنه كان يعلم.

وكذلك كان كل من بيل كلينتون وطوني بلير لا يباليان بعواقب ما كانا يصنعان في روسيا.

كان الجيش الروسي عبارة عن “نكتة”. عندما دفع الروس بكتائبهم المسلحة إلى داخل غروزني في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1994، ظن الغرب أن بإمكانه إيقافها بواسطة مجموعات صغيرة من المقاتلين المتحمسين من الشيشان، فطياروهم لم يكن يتسنى للواحد منهم أكثر من ثلاث ساعات من الطيران شهرياً، وقطعهم البحرية كانت تنطلق يرافق كل واحدة منها قطعة أخرى – الأولى في مهمة الدورية والثانية لكي تسحب الأولى عندما تتعطل، وغواصاتهم تغرق.

وبناء على ذلك توجه الناتو شرقاً.

لم يصدق أحد حينها الزعم بأن كل ما كان سيفعله الناتو هو دفع خطوط المواجهة قليلاً نحو الشرق. وكانت مناشدات روسيا بالتفاوض على البنية الأمنية لشرق أوروبا تقع على آذان صماء. أما الآن فلم تعد تقع على آذان صماء وقد حشد الروس تسعين ألف مقاتل على الحدود مع أوكرانيا.
ضحية هذا الفعل الغربي السافر في الغباء هو أوكرانيا، والتي بقيت على الأقل حتى عقد من الزمن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تعيش في حالة من التماسك والسلام والوئام. فبينما كانت الحروب الأهلية تشتعل فيما حولها حافظت أوكرانيا نفسها على وحدتها السياسية والاجتماعية على الرغم من تعرضها للتآمر من قبل مجتمعات مختلفة. وفيما عدا غرب أوكرانيا، التي لم تنس أبداً أنها كانت من أطلال الإمبراطورية النمساوية المجرية فوقعت في براثن البلشفية، فقد عاش الروس والأكرانيون معاً في سلام.
أما الآن فقد انقسمت إلى الأبد، وتعيش في رعب من احتمال اندلاع حرب أهلية قد لا تتعافى منها أبداً. لن تستعيد أوكرانيا أبداً وحدتها المفقودة، ويعود الفضل في ذلك إلى بروكسيل بقدر ما يعود إلى غلمان التنمر في موسكو.

الحرب الباردة الجديدة
ثم هناك الصين. من المؤكد أن التوجه شرقاً لم يكن يُقصد منه إنهاء حرب باردة واحدة وإشعال حرب باردة أخرى مع الصين، إلا أن ذلك ما هو حادث بالفعل. ليس بوسع بايدن أن يقرر ما إذا كان يرغب في تهدئة الرئيس الصيني أم في مواجهته، ولكن من المؤكد أن فعل الأمرين معاً بالتعاقب لن يجدي نفعاً.
إذا أراد المرء تلمس كيف تشعر الصين عندما ترى السفن الحربية البريطانية وهي تجوب مضائق تايوان فليتصور كيف سيكون رد فعل بريطانيا في ما لو ظهرت السفن الحربية الصينية في البحر الإيرلندي وجابت المياه الفاصلة بين أسكتلندا وشمال إيرلندا.
ما من شك في أن للعبة “إدارة” التنافس عواقب بشرية لا تقل دماراً عن نشوة القوى العظمى بالنصر خلال التسعينيات من القرن الماضي، ويمكن للمرء أن يرى تلك العواقب في أفغانستان اليوم. فأفغانستان بعد الإطاحة بالرئيس الأفغاني أشرف غني كانت بحق قرية بوتمكن، التي توهم بأن الدولة مستقلة وبأنها في وضع جيد.
كم كان مذهلاً أن يكتشف العالم أن ثلاثمائة ألف جندي كانوا مسجلين في دفاتر الحكومة لم يكن لهم وجود. أضيف هؤلاء “الجنود الأشباح” إلى القوائم الرسمية حتى يتسنى للجنرالات استلام رواتبهم ووضعها في جيوبهم، كما صرح بذلك وزير المالية الأفغاني السابق خالد بايندا في لقاء مع البي بي سي. كان الثقب الأسود في الوضع المالي للنظام السابق المغرق في الفساد سراً مكشوفاً عرفه الناس حتى قبل أن يحدد بايدن موعداً للانسحاب من البلد.
وكان تقرير صادر عن المفتش الأمريكي العام لأفغانستان (سيغار) قد حذر في 2016 من أنه “لا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها الأفغان يعرفون كم عدد الجنود وأفراد الشرطة في أفغانستان، ولا عدد من هم منهم على أهبة الاستعداد للخدمة، أو بناء على ذلك ما هي طبيعة قدراتهم العملياتية.”
أما وقد أغلق صنبور الدخل الأمريكي الآن، فها هي أفغانستان تقف على شفا هاوية مجاعة شاملة. والأغرب من كل ذلك أن تلوم الولايات المتحدة الطالبان على هذا الوضع، وتقرر حبس الأموال المودعة لديها لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، أو بحجة عمليات القتل الليلية التي ترتكب بحق الموظفين السابقين في الدولة، أو بحجة حظر تعليم الفتيات.
تتواجد معظم أموال المصرف المركزي الأفغاني البالغة عشرة مليارات دولار في الخارج، بما في ذلك 1.3 مليار دولار على شكل احتياطيات من الذهب في نيويورك. تستخدم وزارة الخزانة الأمريكية هذه الأموال ذريعة للضغط على الطالبان بشأن حقوق النساء وسيادة القانون. ومنح ذلك الحكومة الأمريكية وشركاءها رخصة لتنظيم المساعدات الإنسانية ومنح مؤسسة ويسترن يونيون الإذن باستئناف معالجة التحويلات الشخصية للمغتربين في الخارج.
إلا أن الولايات المتحدة لا تحاسب نفسها على ما قامت به من أجل تنشئة ورعاية دولة لا يمكنها أن تعمل بدون الأموال التي تفرض الولايات المتحدة نفسها حالياً حظراً عليها. تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية المباشرة عن المجاعة التي تضرب أفغانستان الآن، ولا يقبل منها تبرير الاستمرار في حبس الأموال والحيلولة دون وصولها إلى الطالبان بحجة أن الحركة استولت على السلطة عسكرياً بدلاً من أن تنجز ذلك عبر عملية تفاوضية مع أمراء الحرب الأفغان.

القصة ذاتها
دخل الطالبان إلى كابول دون إطلاق رصاصة واحدة تقريباً وذلك لأن كل شيء انهار قبل أن يدخلوها. لقد باغت انهيار القوات الأفغانية الجميع وأخذهم على حين غرة – بما في ذلك المخابرات الباكستانية، التي تتهمها الهند والحكومات الغربية بإدارة شبكة حقاني التابعة للطالبان. والبلد الوحيد الذي كان يعلم بما يجري على الأرض هو إيران، لأن ضباطاً من سلاح الحرس الثوري الإسلامي كانوا يرافقون الطالبان في زحفهم، وذلك بحسب ما صرحت به مصادر إيرانية مقربة من الحرس الثوري.
وحتى المخابرات الباكستانية فاجأتها السرعة التي وقع بها الانهيار. ولقد قال لي مصدر مطلع في إسلام آباد: “كنا نتوقع من مديرية الأمن الوطني أن تقاوم في مزار الشريف وفي هيرات وفي قندهار وفي قندز. فلو حصل ذلك لانتهى الأمر إلى حالة من الانغلاق ولأتاح ذلك الفرصة أمام التفاوض على تشكيل حكومة جامعة أكثر.”
ولكن ها نحن الآن حيث صرنا.. “حصلت بعض التحسينات خلال العشرين سنة الماضية. فقد تشكلت طبقة وسطى في كابول، وتعلمت النساء. ولكن إذا أردت أن تفقد كل شيء، فتلك هي الطريقة لفعل ذلك. سوف يزداد الطالبان تطرفاً فيما لو أمحل المكان من المال. إذا أردت أن تحمي العناصر الليبرالية، فعليك أن توفر الاستقرار لأفغانستان.
وأورد المصدر الباكستاني قائمة من عشر مجموعات جهادية، مقابل مجموعة جهادية واحدة، هي القاعدة، كانت موجودة في 2001. ولا تعلم المخابرات الباكستانية ماذا حل بالأسلحة التي تركها الأمريكان من خلفهم.
وقال: “ببساطة لا نعلم في أيدي من انتهى أمر هذه الأسلحة.” وعندما ضغطوا على الطالبان حتى يشكلوا حكومة جامعة، صرخ الطالبان في وجوههم: “وهل لديكم أنتم حكومة جامعة؟ هل لديكم حكومة تشارك فيها كل الأحزاب والجماعات؟ كيف تظنون أنه سيكون عليه الوضع في الباكستان إذا ما توجب عليكم عقد مصالحات بين مجموعات المقاتلين الذين أردى بعضهم أبناء وأقارب بعض.”
عندما تحرم من الأموال، فإن المجموعات الانفصالية لن تجد إلا سبيلاً واحداً لتسلكه، وهو الطريق المؤدي إلى أحضان الجهاديين الآخرين. أنهى المصدر المطلع تحليله بالفكرة التالية – هل من مصلحة الولايات المتحدة حقاً جلب الاستقرار إلى أفغانستان؟ لأنهم إذا ما سمحوا بدخول الأموال، فإن ذلك سيعني دعم محور الصين وروسيا والباكستان، وهو المحور الذي عقدوا العزم الآن على صده. وما تعطل المحادثات في فيينا، والأزمة على الحدود مع أوكرانيا، وتجدد التوتر والتموضع العسكري في تايوان إلا جزء من القصة ذاتها.

أخطاء استراتيجية
يحسن بواشنطن أن تتأمل في خارطة العالم وأن تفكر قبل أن تقدم على الخطوة التالية. ثمة حاجة إلى فترة طويلة من التدبر. حتى الآن لم يخل صراع انهمكت فيه الولايات المتحدة خلال قرن مضى من الزمن من خطأ فادح.
لقد بات محتملاً جداً أن يندلع صراع عالمي تشارك فيه جيوش حقيقية وتستخدم فيه أسلحة حقيقية، بل وتستخدم فيه أسلحة دمار شامل. ناهيك عن أننا في زمن غدت فيه القوى العسكرية في العالم أفضل وأحدث تجهيزاً من أي وقت مضى ولديها القابلية والاستعداد للمضي قدماً في إبداعاتها الخاصة في هذا المجال.
على بايدن أن يتذكر ذلك جيداً.
تقتضي المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة الآن الحيلولة دون المزيد من نزف الدماء في ميادين المعارك التي أوجدتها هذا القرن. وهذا يعني أنه يتوجب على الولايات المتحدة التوصل إلى صفقة مع إيران من خلال رفع العقوبات التي فرضتها على طهران منذ عام 2015. وإذا ما أرادت خلق توازن مقابل النفوذ المتنامي لكل من الصين وروسيا في الشرق الأوسط، فإنه لا يوجد سبيل أمامها أفضل من التفاهم مع إيران.
لن يكون استعداد إيران للتخلي عن صواريخها أكثر من استعداد إسرائيل لتجميد سلاحها الجوي. إلا أن التوصل إلى اتفاق في فيينا من شأنه أن يمهد الطريق لمفاوضات أمنية في منطقة الخليج، فالإماراتيون والقطريون والعمانيون والكويتيون كلهم متأهبون لذلك. إذا أرادت واشنطن تطبيق القواعد، فعليها أولاً أن تفعل ذلك مع حلفائها الذين يتمتعون بحصانة غير عادية تحول دون مساءلتهم أو محاسبتهم على ما يأتون من فظائع.
إذا كانت واشنطن بطلة حقوق الإنسان كما تدعي، فلتبدأ بالمملكة العربية السعودية أو بمصر. إذا كانت هي المنفذ للقانون الدولي، فدعونا نرى واشنطن تفرض على إسرائيل دفع ثمن استمرارها في سياساتها الاستيطانية، والتي تضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن الدولي وتسخر من سياسة الولايات المتحدة ذاتها المتعلقة بحل الصراع الفلسطيني.
لقد صممت اتفاقيات أبراهام لتجعل من إسرائيل المفوض الإقليمي المعلن للولايات المتحدة. فيما لو تمكن دونالد ترامب من ضمان فترة رئاسية أخرى، لكانت لتلك السياسة عواقب كارثية على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فها هي إسرائيل فعلياً تعتقد بأن لديها الحق في الاعتراض على القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة داخل المنطقة. إذن، فيما لو قيض لسياسة ترامب أن تتكرس لغدت إسرائيل بالفعل هي المفوضة بها والمسؤولة عنها، بما يعني استمرار الصراع الذي تشعل نيرانه قوة عسكرية لطالما كانت هي المبادرة بالعدوان.
تتصرف إسرائيل بناء على منطق لا يعرف الشفقة. ولن تتردد في استغلال أي فرصة لتوسيع حدودها حتى تحول دون إمكانية قيام دولة فلسطينية. ولربما تكون قد نجحت فعلاً في تحقيق تلك الغاية. وعلى الرغم من أن هذه ليس هي سياسة الولايات المتحدة، إلا أن ذلك التوسع مستمر أسبوعاً بعد آخر، ولا يوجد في واشنطن من يجرؤ على عمل شيء لوقفه. إن الامتناع عن عمل شيء لوقف أعمال السطو والقتل التي تقوم بها عصابات المستوطنين ضد الفلسطينيين العزل في قرى الضفة الغربية يرقى إلى الموافقة عليها.
إذا كنت تريد أن تعتبر بطلاً للقواعد فعليك أن تبدأ بتنفيذها عليك أولاً.
تلك هي الطريقة الوحيدة لاستعادة النفوذ العالمي المفقود. لقد دخلت الولايات المتحدة حقبة جديدة حيث لم يعد يمكنها تغيير الأنظمة الحاكمة لا بقوة السلاح ولا بفعل العقوبات. لقد اكتشفت عدم جدوى القوة، وعليها الآن أن تسقط العصا من يدها وأن تبدأ بتوزيع الجزر، عليها أن تتولى مهمة حل النزاعات حول العالم، ولا ريب في أنها مهمة مستعجلة.
لم يعد ذلك فقط مسـؤولية تناط بها بل وواجب يقع على عاتقها بعد كل الدمار الذي سببته الصراعات التي أمر بإشعالها أو ساندها رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون، من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا.
وأي خطأ استراتيجي أمريكي ترتكبه الولايات المتحدة سيكون خطأها الأخير، بل وخطأ أوروبا الغربية الأخير أيضاً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى