رأي

ميدل إيست آي: التدخل الفاشل في ليبيا وهوس ماكرون بتركيا وراء تراجع التأثير الفرنسي بالمنطقة المغاربية

دعا فرانسيس غيلي، الخبير بشؤون المنطقة المغاربية، والباحث الأبرز في مركز برشلونة للشؤون الدولية، دعا فرنسا إلى مراجعة سياستها في المنطقة المغاربية بعد السياسة التوسعية في ليبيا وإثارة التوتر مع الجزائر.

وقدم الباحث رؤيته بمقال تحت عنوان: “كيف تخسر فرنسا التأثير في شمال أفريقيا” نشره موقع “ميدل إيست آي” في لندن، جاء فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكنه النظر إلى عام 2021 برضا تام، لمعرفته أن موسكو قوّت يدها في الشرق الأوسط وشمال- غرب أفريقيا.

من جانبه، سيكتشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بلاده تخسر نفوذها في المنطقة ذاتها، وخاصة الدول التي كانت تحكمها سابقا. وأشار إلى عاملين أضعفا يد فرنسا، الأول، هو فك الارتباط الانتقائي الذي قامت به حكومة الولايات المتحدة من شؤون المنطقة، والذي أضعف النفوذ الأوروبي في شؤون شمال أفريقيا ومنطقة الساحل. أما العامل الثاني، فهي الانقسامات الأوروبية النابعة من المواقف المتعددة بشأن السياسات التي اتُبعت في شمال أفريقيا، وبالذات تلك التي اتبعتها كل من فرنسا وإيطاليا في ليبيا.

سيكتشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بلاده تخسر نفوذها في الشرق الأوسط وشمال غرب أفريقيا، وخاصة الدول التي كانت تحكمها سابقا

في الوقت نفسه، تقوم جارات أوروبا الجنوبية بتنويع شركائها الأمنيين والاقتصاديين، وتعيش عملية بطيئة لتقوية سيادتها على أراضيها. وقال الخبير، إن انهيار السياسة الفرنسية في كل من ليبيا ومالي، والطريقة السيئة التي تعاملت فيها مع الجزائر، التي تعتبر لاعبا عسكريا مهما بالمنطقة، هي بمثابة تلخيص لفشل الخيال الأوروبي بشكل واسع وغياب التفكير الاستراتيجي بشأن ليبيا.

وأضاف أن إعادة فرنسا التفكير بمصالحها الإستراتيجية في المنطقة ضروري، وبالذات وسط النمطيات الاستعمارية الجديدة التي تعلم السياسات الفرنسية، في وقت أظهرت روسيا وتركيا والصين، التي لم تكن مهتمة في الماضي بالمنطقة، نشاطا ومصالح اقتصادية وتجارية وأمنية. وباختصار، فالخورازميات الفرنسية عفا عليها الزمن.

وأول مظهر للفشل الفرنسي هو دور باريس القيادي في العملية التي قادها الناتو عام 2011 للإطاحة بنظام معمر القذافي وأدى إلى تقسيم أوروبا الغربية. ولم تكن إيطاليا، المستعمر السابق لليبيا، سعيدة بدور فرنسا كمطبل للحرب وإسقاط القذافي. وساهم الدعم الفرنسي لأمير الحرب، خليفة حفتر بزيادة النزاع، وشجع الجنرال المتمرد على حصار طرابلس ومحاولة السيطرة عليها. وأدى الدور الفرنسي لتشجيع كل من الإمارات وروسيا للدخول في المعمعمة. كل هذا قاد تركيا لكي تتدخل بشكل مفتوح في النزاع، بدءا من 2020، وهو ما أدى لجلب روسيا. وكانت فرنسا سريعة لشجب التدخل التركي، في وقت ظلت صامتة بشأن حلفائها العرب.

وأدت سياسة ماكرون لإثارة سخط الجزائر التي يعارض قادتها تدخل قوى خارج المنطقة بشؤونها. وعليه، فقد أدى فشل الخطة الفرنسية لدعم حفتر في سيطرته على السلطة لإضعاف دورها في النزاع، بحيث ترك كلا من تركيا وروسيا والإمارات في مركز التأثير.

وأضاف الكاتب، أن هوس ماكرون بتركيا أثّر على مجالات سياسية، حيث قارن الحكم العثماني للجزائر، وقال إنه (استعمار) بالحكم الاستعماري الفرنسي الذي استمر ما بين 1830 – 1962. وفي الحقيقة لم يأت العثمانيون كمحتلين، بل بناء على دعوة من الحكام المحليين للجزائر الذي طلبوا مساعدتهم لوقف التمدد الإسباني. وأثارت عملية إعادة كتابة التاريخ التي قام بها ماكرون سخط الرئيس الجزائري وقادة المعارضة. وبتوحيده لكل الفصائل السياسية وبهذه الطريقة، فقد زاد ماكرون من تعقيد الترتيبات الأمنية الثنائية.

ومقارنة مع فرنسا، فقد احتفظت الجزائر بعلاقات جيدة مع دول الاتحاد الأوروبي الواقعة على البحر المتوسط. ووقّعت شركة النفط “سوناطراك” اتفاقا بقيمة 1.4 مليار دولار مع الشركة الإيطالية “إيني” للتنقيب عن النفط والغاز، بشكل عزز العلاقات الأمنية والاقتصادية الطويلة بين البلدين. ولا تزال علاقة الجزائر مع إسبانيا متساوية حتى بعد إغلاق خط المغرب- أوروبا لنقل الغاز؛ بسبب الخلاف مع المغرب.

ويرى الكاتب أن التناقضات في السياسة الفرنسية بالمنطقة، لن تساعد باريس كي توسع من مصالحها طويلة الأمد. وتشعر الجزائر بالحيرة من تساهل ماكرون مع المرتزقة الروس في ليبيا وربما مستقبلا في مالي. وعارضت روسيا التي تعتبر المزود الرئيسي للسلاح إلى الجزائر، حركةَ الاحتجاجات التي عُرفت بالحراك الشعبي قبل ثلاثة أعوام، وهي سياسة قد لا تعمل في صالح المصالح الفرنسية طويلة الأمد.

يعتقد العديد من قادة غرب أفريقيا أن سياسة التدخل الفرنسية أدت لتدهور الكثير من النزاعات والتي تقدم في الغرب على أنها صراعات “الجهاديين ضد أي طرف”، وهو تبسيط للنزاعات

بالإضافة إلى ذلك، فتساهل ماكرون مع الإمارات التي وقّعت فرنسا معها صفقات أسلحة، لا يدعو للارتياح، في وقت تثير أبو ظبي وبفرح، نار الخلافات الجزائرية- المغربية ورغبتها الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

ويعتقد العديد من قادة غرب أفريقيا أن سياسة التدخل الفرنسية أدت لتدهور الكثير من النزاعات والتي تقدم في الغرب على أنها صراعات “الجهاديين ضد أي طرف”، وهو تبسيط للنزاعات يجعل من الصعوبة بمكان فهم الطبيعة المتعددة الطبقات للأزمات المستعرة في منطقة الساحل الواسعة.

ففي مالي، من الواضح أن النزاع لن يحسم عبر العمل العسكري، فهو معقد بشكل كبير. وفي الوقت الذي دعا بعض الماليين للحوار مع الجماعات المسلحة التي عادة ما ترتبط أهدافها بمصالح محلية وإجرامية أكثر من كونها مدفوعة بالدين أو الأيديولوجيا، لكن فرنسا ترفض الحوار. وهذا هو سبب تردد حلفاء فرنسا الغربيين في المشاركة عسكريا. ومع سحب فرنسا قواتها من مالي، فقد يتوصل قادة البلد إلى نتيجة مفادها أن المرتزقة الروس، قوة قد تحقق الاستقرار. وبالمحصلة، ففرنسا تحتاج لإعادة تعديل “الخورازميات” لكي تتواءم مع القرن الحادي والعشرين.

ومن الصعب تأطير إستراتيجية قوية صالح لشمال- غرب أفريقيا، وبالذات في وقت انتقلت التحالفات القديمة ومصالح مرحلة ما بعد الاستعمار إلى ترتيب يقوم على الدبلوماسية التعاقدية. ولم يعد لدى فرنسا أوراق للعب كما كان لديها في 2011، ولا يمكنها إبعاد التأثير التركي والروسي. ولم تكن هناك حاجة للنقاش بين فرنسا والاتحاد الأوروبي والجزائر كما هي الآن.

وراقب ماكرون تراجع التأثير الفرنسي في ليبيا. وما يحتاج إليه، هو إعادة تفكير جدي باستراتيجية فرنسية تجاه المنطقة تقوم على التاريخ المشترك والأمن والثقافة والاقتصاد. ويجب أن يتم هذا بالتنسيق مع القوى الأوروبية الأخرى، مثل إيطاليا وإسبانيا وألمانيا حتى يكون لها حظ من النجاح.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى