رأي

مواجهة القرن… ومرحلة اللاعودة

كتب د. حمد الجدعي في صحيفة الراي.

الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين دائماً ما يوصف بأنه المواجهة الأهم في القرن الحادي والعشرين.

هذا الصراع الذي بدأ بحرب تجارية في فترة الرئاسة الأولى لدونالد ترامب، لم يعد مقتصراً على التبادل التجاري أو الرسوم الجمركية، بل تحول إلى صراع هيكلي متعدد الأبعاد يمتد من التكنولوجيا وسلاسل التوريد إلى النفوذ العسكري والتحالفات الجيوسياسية، غير أنه رسمياً دخل مرحلة اللاعودة.
على الرغم من أن الصين تأثرت اقتصادياً بسبب العقوبات والقيود التكنولوجية الأميركية إلا أنها عملت على تنويع أسواقها وتعزيز صناعاتها الوطنية، خصوصاً في مجال الرقائق والإنتاج المحلي. في المقابل فإن الولايات المتحدة تحملت بعض الخسائر،

لا سيما في قطاعات الزراعة والصناعات المرتبطة بالصين، لكنها استفادت من إعادة توطين صناعات إستراتيجية واستقطاب استثمارات تقنية.

أخطر مظاهر التصعيد يتمثل في ملف تايوان، التي تراها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، والتي تدعمها واشنطن عسكرياً وتقنياً ورغم أن احتمالات الحرب المباشرة لا تزال محدودة إلا أن أي خطأ في الحسابات قد يفجّر صراعاً إقليمياً واسعاً له آثار كارثية.

الصراع بين العملاقين ساهم في تسريع التحول نحو عالم متعدد الأقطاب وتشكيل تكتلات جديدة تحاول الموازنة بين النفوذين الأميركي والصيني، في قلب هذا الصراع تقف دول الخليج والكويت تحديداً أمام خيار صعب لكنه حاسم، فعلى الصعيد الأمني تظل الولايات المتحدة الحليف الرئيسي أما على المستوى الاقتصادي فإن الصين تمثل الشريك التجاري الأكبر وفرصة استثمارية هائلة.

ووسط هذا المشهد تحتضن الكويت حالياً مشاريع صينية إستراتيجية مثل ميناء مبارك الكبير ومدينة الحرير، ما يجعلها تسير على خيط رقيق بين العملاقين لكن هذا التوازن الذكي يتطلب عدم الوقوع في فخ الاختيار القسري بين الطرفين وتجنب الاعتماد على الديون الصينية، وإنما بناء اقتصاد متنوع ومستقل قادر على الاستفادة من الفرص دون الانجراف نحو الهيمنة.

الخلاصة: إن الصراع الأميركي – الصيني ليس عابراً بل هو معركة قرن دخلت مرحلة اللا عودة ولن يُحسم بالقوة العسكرية فقط بل عبر التفوق في التكنولوجيا والتحكم في سلاسل الإمداد وبناء النفوذ الناعم.

أما الدول الصغيرة، فمستقبلها مرهون بقدرتها على صياغة إستراتيجيات مستقلة تستثمر في المعرفة وتوازن بين القوى الكبرى، والكويت تمتلك من المقومات ما يجعلها لاعباً ذكياً في هذا المشهد العالمي الجديد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى