من يخدع من؟ وهل ينوي ترامب التخلي عن أوكرانيا؟

كتب جاكوب هايلبرون* مقالا في “ذا ناشيونال إنترست”:
لماذا نوافق على صفقة بينما ترامب سيتخلى ببساطة عن أوكرانيا؟
تتصاعد التوترات بشأن مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا. وقد أوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ لقائه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، أنه يراه عقبة في طريق التوصل إلى تسوية. بل حمّل ترامب زيلينسكي، أبريل الجاري، مسؤولية بدء الحرب. والآن، وبينما تعقد مفاوضات السلام في لندن (التي ألغى المسؤولون الأمريكيون خطط حضورها)، ينتقد ترامب زيلينسكي بشدة لرفضه الاعتراف بالسيادة الروسية على الأراضي الأوكرانية “المحتلة”، ومطالبته بالوقف الكامل لإطلاق النار.
هل أوكرانيا هي التي تتشدد في موقفها، ولم توقع بعد أي اتفاقية بشأن الموارد المعدنية، رغم موافقتها على بدء العمل على منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة؟
صرح زيلينسكي يوم أمس الأربعاء: “نحن في أوكرانيا نصرّ على الوقف الكامل والفوري وغير المشروط لإطلاق النار. نحن أيضا مستعدون لوقف فوري لإطلاق النار، على الأقل ضد الأهداف المدنية، وقد أعلنّا عن ذلك بالفعل. يجب أن تكون الأولوية القصوى المشتركة مع جميع الشركاء: إنقاذ الأرواح”.
من جهته كان ترامب ساخطا، وكتب على موقع “تروث سوشيال”: “إما أن يحصل على السلام، أو أن يقاتل لثلاث سنوات أخرى قبل أن يخسر البلاد بأكملها”، وأضاف: “إننا قريبون جدا من التوصل لاتفاق، لكن على الرجل الذي لا يملك أوراق تفاوض أن ينجز المهمة في نهاية المطاف”. وتقول كارولين ليفيت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض إن ترامب “محبط” و”صبره ينفد”. ولا شك في ذلك، فترامب، الذي يتمتع بصبر طفل صغير، وعد خلال حملته الانتخابية بقدرته على تحقيق السلام خلال أربع وعشرين ساعة، وقد طال الأمر الآن ليصل إلى أشهر.
يمنح اقتراح ترامب روسيا تقريبا كل ما كانت تطلبه: عدم انضمام أوكرانيا إلى “الناتو”، رفع العقوبات بالكامل، والاعتراف القانوني بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والسيطرة على الأراضي التي “تحتلها” حاليا في شرق أوكرانيا.
تكمن مشكلة بوتين، إن وجدت، في ضعف الحافز للموافقة على أي اتفاق. ففي الوقت الحالي، تواصل القوات الروسية تقدمها في أوكرانيا، ويصب الخلاف الراهن بين كييف وواشنطن في مصلحة موسكو. يقول نائب الرئيس جي دي فانس إن الإدارة مستعدة “للانسحاب”. فلماذا إذن يوافق بوتين على اتفاق بينما قد يتخلى ترامب ببساطة عن أوكرانيا؟
تكمن مشكلة ترامب في أن تهديداته لحلفاء “الناتو” كانت ناجحة للغاية بالنسبة لمخططاته الخاصة. بل يمكن القول إن ترامب قد تفوّق في الأداء، بإرهاب الأوروبيين ودفعهم إلى التحرك. تعمل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا الآن على زيادة إنفاقها الدفاعي وتعاونها، حيث أعلن المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس عن إنفاق إضافي بقيمة تريليون يورو على الدفاع والبنية التحتية. والأكثر من ذلك، أنهم لا يظهرون أي علامة على تخفيف دعمهم لأوكرانيا، بل على العكس يزيدونه. ربما يراهن زيلينسكي على أنه يستطيع، إلى حد ما، المضي قدما بمفرده، أو على الأقل بدون دعم أمريكي طالما كانت أوروبا بجانبه. في هذا الصدد، قام ترامب بتخريب نفوذه التفاوضي مع أوكرانيا من خلال إلحاحه على الأوروبيين لزيادة مساعداتهم. ويبدو من المشكوك فيه أنه كان يعتقد أنهم سيستجيبون لتحذيراته. ووفقا لميليندا هارينغ من المجلس الأطلسي، “تتجه جميع الأنظار نحو أوروبا. فهل تستطيع أوروبا توفير ما يكفي من المعدات والضمانات الأمنية لإبقاء أوكرانيا صامدة حتى نهاية عام 2025؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.
تبقى الحقيقة المجردة أن النفوذ الأمريكي حول العالم آخذ في التآكل. ربما يعتقد ترامب أنه يمسك بزمام الأمور، لكن من المرجح أن ترى أوروبا وروسيا والصين الأمور من منظور مختلف. وقد تكون أوكرانيا ببساطة هي الحالة الأولى التي تعجز فيها إدارة ترامب عن تحقيق الأهداف التي حددتها لنفسها.