من كييف إلى بيروت .. هل تطير الإنتخابات؟
كتب صلاح سلام في صحيفة “اللواء”:
على إيقاع الحرب المستعرة في أوكرانيا التي دوى صداها في بيان وزارة الخارجية، يحبس اللبنانيون أنفاسهم توجساً من تداعيات هذه الحرب على ملفات الشرق الأوسط عامة، وعلى الوضع اللبناني المتداعي أصلاً، ومساعي وقف التدهور المستمر خاصة، في حال انشغال الدول الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية في توفير الدعم الموعود لكييف.
الإرباك اللبناني ظهر باكراً في ردود الفعل السريعة على بيان وزير الخارجية، الذي تضمن عبارات قوية ضد الحرب الروسية على الجارة الأوكرانية، وأدّى إلى إشعال فتيل الإنقسامات التقليدية بين الأطراف السياسية، المنشطرة أساساً بين الشرق والغرب.
ورغم أن وزير الخارجية ليس بعيداً عن فريق ٨ آذار، فقد شن نواب حزب الله حملة شعواء على بوحبيب، معتبرين أن بيانه «لا يُعبر عن موقف الدولة والشعب اللبناني». فيما بقي الوزير وحيداً في ساحة الوغى، يتلقى الرشق تلو الآخر بـ«صدر رحب»، على اعتبار أنه «متسلحاً بدرع ضد الرصاص»، دون أن يُفصح عن مصدر هذا الدرع، هل هو رئيس الجمهورية أم رئيس الحكومة، أم الإثنان معاً، لأن مصادره تقول أنه تشاور معهما قبل إصدار البيان.
يبدو أن الموقف اللبناني، غير المسبوق بسرعته وحسمه، لم يكن بعيداً عن الأجواء الأميركية والأوروبية، المؤيدة لأوكرانيا، ويذهب البعض إلى حد القول أن بيان الخارجية كان تجاوباً مع رغبات، أو ضغوط غربية، وتوافق رئيسي الجمهورية والحكومة على حصر الموقف بالخارجية، وعدم عرضه على مجلس الوزراء تجنباً لتعريض الحكومة لهزة جديدة.
وظهرت مؤشرات الترحيب الغربي بالموقف اللبناني عبر زيارة السفيرة الفرنسية وزميلها الألماني إلى وزارة الخارجية وتهنئة الوزير على «موقفه الشجاع».
غير أن الرهان اللبناني الرسمي على نتائج هذا الموقف الكبير يتركز على خطوات أكثر عملية من اللغة الديبلوماسية، ويتركز على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لدعم خطة التعافي الإقتصادي، ومع البنك الدولي لتمويل عمليات شراء الغاز المصري، ومشاريع إجتماعية أخرى، ولإستعجال القرار الأميركي بإستثناء نقل الغاز من مصر واستجرار الكهرباء من الأردن من بنود «قانون قيصر»، لأن سوريا مستفيدة من هذه العملية.
فهل يكون الرهان اللبناني على الغرب أفضل حظاً من رهان الرئيس الأوكراني الذي تركه الغرب يواجه ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم وحيداً، والإكتفاء بتزويده بإمدادات من الأسلحة والذخيرة، تشبه الفتات بالمقارنة مع قدرات الجيش الروسي بالسلاح والعتاد! في حين استعجلت واشنطن طرح إمكانية إرسال طائرة لإجلاء رئيس أوكرانيا في اليوم الثاني لإندلاع الحرب، عوض تأمين الغطاء الجوي اللازم لتخفيف الضغط عن العاصمة كييف.
غير أن الهاجس اللبناني الأكبر للحرب الروسية ــ الأوكرانية يتعلق بإنعكاساتها المتوقعة على مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا، واحتمالات تجميد الدور الروسي فيها، والذي كان يلعب دور الوسيط بين الدول الغربية وإيران، ويقدم بعض الضمانات للطرفين.
لم يعد خافياً أن ملفات المنطقة الساخنة، من لبنان إلى اليمن مروراً بالأزمة السياسية في العراق، تنتظر نتائج فيينا، وأن أي عرقلة أو تأخير في حسم المفاوضات، سينعكس سلباً على هذه الملفات: العراق قد يبقى بلا حكومة أشهراً أخرى. لبنان يستمر بتقلباته المتزايدة في انهياراته المدمرة. ونار الحرب في اليمن تبقى مستعرة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً في المحادثات السعودية ــ الإيرانية.
الإنعكاسات السلبية في لبنان قد لا تقتصر على الوضع الإقتصادي، لأن الوضع السياسي الهش مُعرّض لمزيد من النكسات، في مقدمتها تأجيل الإنتخابات النيابية، التي لم تظهر بوادرها الساخنة بعد، مما يرجح إحتمالات تطيير هذا الإستحقاق الدستوري في اللحظة المناسبة، والحفاظ على الأكثرية الحالية لإنتخاب رئيس الجمهورية العتيد.
إعتاد اللبنانيون أنه كلما غيّمت في الخارج القريب والبعيد، سرعان ما تمطر الأزمات في هذا البلد المنكوب بمنظومته السياسية، التي جعلت منه مسرحاً لعرض العضلات، وساحة لتصفية الحسابات!