من غزة إلى أوكرانيا.. أين تكمن قوة قطر كوسيط في أزمات معقدة؟
كتبت كاثرين شير, في “DW”:
في الوقت الذي تواجه محادثات وقف إطلاق النار في غزة تحديات كبيرة، يواصل القطريون دور الوساطة أيضا في حل صراعات أخرى حول العالم. ما الذي يميز هذه الدولة الخليجية الصغيرة ويجعلها لاعبا محوريا في حل النزاعات؟
لم يجتمع مسؤولون من روسيا وأوكرانيا منذ وقت قصير بعد اندلاع الحرب بين البلدين في أوائل عام 2022 عندما غزت القوات الروسية أوكرانيا. لكن في نهاية الأسبوع الماضي، ظهرت تقارير عن محادثات محتملة كانت قطر ، الدولة الشرق أوسطية، ستتوسط فيها.
ووفقًا لما نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، وهي أول من كشف عن هذه المحادثات المخطط لها، فقد كانت تلك المحادثات تهدف إلى “تحقيق وقف جزئي لإطلاق النار وتوفير فترة هدنة لكلا البلدين”. ولكن تم إلغاء هذه المحادثات بسبب تحركات القوات الأوكرانية نحو مدينة كورسك الروسية. ومع ذلك، يُنظر إلى هذا التطور على أنه إنجاز جديد للدولة الخليجية الصغيرة والغنية بالغاز، قطر.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تلعب فيها قطر دور الوسيط في حل الصراعات خارج حدود الشرق الأوسط. فقد ساعدت قطر في إبرام صفقات للإفراج عن مواطنين أمريكيين محتجزين في دول مثل إيران وأفغانستان وفنزويلا، كما ساهمت في إعادة أطفال أأوكرانيين إلى أسرهم بعد أن كان قد تم نقلهم إلى روسيا. إضافة إلى ذلك، أشرفت قطر على تحقيق تقدم دبلوماسي بين السودان وتشاد، وبين إريتريا وجيبوتي، ونجحت في التوسط لاتفاق سلام دارفور في عام 2011.
وفي عام 2020، ساعدت قطر في التفاوض على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بالتعاون مع جماعة طالبان. وفي نوفمبر 2023، تمكن المفاوضون القطريون من التوصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت في الصراع بين إسرائيل وحركة حماس ، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
قطر ـ المفاوض المفضل
“إن ظهور قطر كوسيط رئيسي قد رفع مكانتها الدبلوماسية، وحولها من دولة إقليمية معزولة إلى لاعب بارز على المسرح العالمي”، كما قال بوركو أوزجيليك ، وهو باحث بارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني لـ DW. “هذا الدور المكتشف حديثا يعزز نفوذ الدوحة … ويضعها كشريك لا غنى عنه للسلام ضمن المجتمع العالمي.”
والأسباب التي جعلت قطر تضع نفسها كمفاوض ووسيط عالمي، باتت معروفة. ويوضح محللون أن قطر، من خلال استغلال نفوذها الدبلوماسي، تريد أن تؤسس بشكل مستقل أمنها في منطقة غير مستقرة.
وتطوير قطر لسياسة خارجية خاصة بها – مثل إيواء المعارضين ودعم الجماعات الثورية والمسلحة – هو أيضًا وسيلة للتنافس مع منافستها التقليدية، الإمارات العربية المتحدة، ورفض الانصياع للأوامر من جارتها الأكبر، المملكة العربية السعودية، كما أوضح الباحث علي أبو رزق في ورقة بحثية نُشرت في مجلة Insight Turkey الأكاديمية عام 2021.
لماذا يجيد القطريون الوساطة؟
تعد العلاقات أمرًا أساسيًا، وتشتهر قطر بشبكة واسعة ومتنوعة من الاتصالات، حيث دعمت عددًا من الجماعات المختلفة من خلال توفير قاعدة أو أسلحة أو تمويل. ويشمل ذلك طالبان، والإخوان المسلمين في مصر، والمليشيات الليبية، والثوار المعارضين للحكومة في سوريا وتونس واليمن خلال ما يسمى “الربيع العربي”.
في عام 2012، طلبت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما من قطر استضافة الجناح السياسي لحركة حماس، بدلا من تركها تنتقل من سوريا إلى إيران، حيث كان من الصعب الوصول إليها.
كما تحتفظ قطر بعلاقات أفضل، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية، مع إيران مقارنة بجيرانها، الذين يعتبر الكثير منهم الإيرانيين أعداءً لهم.
وقد استضافت قطر الولايات المتحدة في قاعدة العديد الجوية منذ عام 2001. وهذه الآن هي أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، حيث تضم حوالي 10,000 جندي.
قالت تشينزيا بيانكو، خبيرة في شؤون الخليج لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “من المؤكد أن قطر تستفيد من هذا الدور، حيث تُعتبر حكومة قطر شريكًا مفيدًا للغاية من قبل الحكومات الغربية، وكذلك في الشرق إلى حد ما.” على سبيل المثال، في بداية عام 2022، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن قطر بأنها “حليف رئيسي من خارج الناتو” بفضل دورها في التفاوض على الانسحاب من أفغانستان.
كما أن قدرة قطر على التعاطف مع جميع الأطراف تسهم في تعزيز مكانتها. يشير المحللون إلى أنه حتى مع تعاونها الوثيق مع الأمريكيين، كانت قطر تتعامل بواقعية أكبر مع الجماعات الإسلامية في المنطقة، إذ تعتبرها جزءًا من الحركات السياسية الشعبية التي لا يمكن تجاهلها أو القضاء عليها. في بعض الحالات، ساعد هذا النهج، حيث أشار أعضاء طالبان إلى أنهم شعروا براحة أكبر في قطر، لأنها كانت تبدو لهم كدولة تفهم جميع الأطراف.
الحياد أولوية
تقول بيانكو إن المفاوضين القطريين لا يمتلكون بالضرورة مهارات خاصة. هم أيضًا يتدربون على الوظيفة، ولا يختلف الأمر عما يفعله الدبلوماسيون العاملون لحكومات أخرى، بما في ذلك في أوروبا. وتضيف “لذلك أعتقد أن الأمر يتعلق أكثر بموقفهم من محاولة أن يكونوا محايدين قدر الإمكان. بالنسبة لهم، من المهم للغاية أن يلعبوا هذا الدور كوسطاء، وهذا يعني أنهم يضعونه فوق كل شيء آخر، بما في ذلك السياسة الداخلية والإقليمية.”
وتضيف بيانكو أن الأمر يتعلق أيضًا بالثروة القطرية. تتيح لهم مواردهم استضافة المشاركين والعمل على عدة أزمات في وقت واحد.
وقد يتعلق الأمر أيضا بتسلسل قيادي أقصر. “إن قدرة وزارة الخارجية القطرية على اتخاذ القرارات دون استجوابها أو فحصها من قبل الجمهور تعني أنها يمكن أن تتصرف بشكل حاسم”، كما أكد سلطان بركات، أستاذ السياسة العامة في جامعة حمد بن خليفة في قطر، في تحليل نشر في شباط/فبراير في مجلة أكورد، وهي نشرة تستعرض بانتظام مبادرات السلام الدولية.
ومع ذلك، فإن كونك “المفاوض المفضل للعالم” يمكن أن يكون أيضًا غير مريح. يجادل المراقبون بأن المحادثات الحالية بين حماس وإسرائيل التي تشارك فيها قطر هي من “أعلى المخاطر” التي خاضتها على الإطلاق.
واتهم سياسيون إسرائيليون قطر بأنها “ذئب في ثياب حمل” وبـ “تمول الإرهاب”. كما دعا سياسيون أمريكيون إلى “إعادة تقييم” العلاقة مع قطر إذا لم تمارس الدوحة مزيدًا من الضغط على حماس. في أبريل، قدم آخرون مشروع قانون يمكن أن يلغي وضع قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو. رفضت قطر جميع الاتهامات، قائلة إنه ليس لديها سلطة على حماس.
وتوضح بيانكو: “عندما تتعامل مع ميليشيات مسلحة غير تابعة للدولة تقوم بأفعال سيئة، فإنك تخاطر بطبيعة الحال بأن يشير إليك البعض بأصابع الاتهام ويقولون إنك في بعض النواحي تضفي الشرعية على هذه الجماعات ومنحتهم المزيد من الموارد.” وتقول إن حجة القطريين هي “نعم، لدينا هذه الروابط، لكننا نستخدمها من أجل الخير”.
بغض النظر عن مدى كون البلاد مثالية أم لا، يجادل الخبراء بأن العالم بحاجة إلى قطر في هذا الدور في الوقت الحالي.
ويقول ربيع الحداد، مدير قسم الدبلوماسية المتعددة الأطراف في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث في سويسرا، لـ DW: “لقد دفعت البشرية ثمناً باهظاً لعدم الجلوس والتحدث مع بعضهم البعض من قبل، خلال الحربين العالميتين”. وأضاف: “اليوم نحتاج إلى أطراف تمكن المتنازعين من التحدث مع بعضهم البعض وحل خلافاتهم من خلال المفاوضات والدبلوماسية ووفقاً للقانون الدولي.”