من سيذهب إلى البيت الأبيض؟
كتب فتحي أحمد, في “العرب” :
رغم أهمية ملفي الاقتصاد والهجرة فإن استطلاعات الرأي تشير إلى تقارب المرشحيْن ولا يوجد هناك فارق كبير بينهما. بالمختصر، لا أحد يستطيع التنبؤ بمصير الفائز ويبقى الصندوق الانتخابي هو الفيصل.
لطالما كان هناك تنافس قوي بين مرشحي الرئاسة الأميركية، والذي سوف تتحدد معالمه خلال أيام. وهذا التنافس يستدعي أن تكون هناك استطلاعات للرأي تحدد وجهة الناخب الأميركي التي تشير إلى تقارب المرشحيْن. هناك ولايات محسومة لمرشح الحزب الديمقراطي، وولايات تصب في صالح المترشح الجمهوري، بجانب ولايات يطلق عليها المتأرجحة، سكانها منقسمون سياسيًا بشكل كبير وتسمى أيضًا ولايات ساحة المعركة، والتي يستهدفها المرشحون بزيارات متكررة للحملات الانتخابية والإعلانات والتوظيف. تشمل القائمة أريزونا وجورجيا وميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، وفقًا لديفيد شولتز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هاملين وأستاذ القانون في جامعة مينيسوتا الذي يقول: “إن ما يحدث في هذه الولايات الخمس سيؤثر حقًا على الانتخابات”.
وفي ضوء هذه الإشارة الموجزة لمجريات الانتخابات الأميركية والحقائق التي يستند عليها المحللون حول ما يجول في نفس الناخب الأميركي، هناك جملة من الدوافع التي تؤثر عليه حتمًا، منها الاقتصاد، وهذا ركن مهم في توجهه. فعدم بلوغ الناخبين الصورة الواضحة حول اقتصادهم يجعلهم ينظرون إلى وضعهم الاقتصادي على أنه قاتم، بسبب التضخم المرتفع واستمرار ارتفاع تكاليف الإسكان في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة، ما أدى إلى انخفاض مبيعات المنازل في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من 30 عامًا. أما القضية الأخرى التي تستدعي الوقوف عندها فهي قضية الإجهاض، لهذا سوف يستغل الحزب الديمقراطي الحاكم اليوم التركيز عليها واستغلالها جيدًا. إذ ستحاول حملة بايدن إقناع الناخبين بأن ترامب مسؤول عن أن الإجهاض أصبح غير قانوني، وقد تم تقييده بشكل كبير في عشرات الولايات، حتى في الوقت الذي حاول فيه الرئيس السابق تخفيف موقفه بشأن هذه القضية.
وتبقى قضية الهجرة الورقة التي يعتبرها ترامب رابحة، بين يديه، لهذا يعمل على تثبيتها في أذهان الناخبين. إذ تجاوز عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا الولايات المتحدة من المكسيك في 2023 نحو 302 ألف شخص، مسجلًا رقمًا قياسيًا وقد تم ضبط 200 ألف مهاجر على الحدود في ديسمبر الماضي. فقد أدى هذا التدفق الهائل للمهاجرين وطالبي اللجوء غير الشرعيين في بعض الأحيان إلى إرباك مرافق المعالجة الحكومية وإرهاق برامج الخدمة الاجتماعية في المدن الكبرى التي تبعد آلاف الأميال.
◄ الاقتصاد يتصدر أولويات الناخب الأميركي بنسبة 41 في المئة متبوعًا بالهجرة 14 في المئة فالإجهاض 13 في المئة ثمّ الرعاية الصحية 8 في المئة فالديمقراطية وتوحيد البلاد 7 في المئة
لفهم خارطة التوجه الشعبي الأميركي، تُظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة السبع أن الاقتصاد يتصدر أولويات الناخب الأميركي واهتماماته بنسبة 41 في المئة، متبوعًا بالهجرة بنسبة 14 في المئة، فالإجهاض بنسبة 13 في المئة، ثمّ الرعاية الصحية بنسبة 8 في المئة، فالديمقراطية وتوحيد البلاد ونزاهة الانتخابات بنسبة 7 في المئة. وبحسب تلك الاستطلاعات، فإن ترامب يتقدم في ملف الاقتصاد والهجرة أمام قضية الإجهاض التي تشكل 13 في المئة فقط مقارنة مع الاقتصاد الذي يشكل 41 في المئة. ورغم أهمية ملفي الاقتصاد والهجرة عند الناخب الأميركي، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى تقارب المرشحين ولا يوجد هناك فارق كبير بينهما. بالمختصر، لا أحد يستطيع التنبؤ بمصير الفائز ويبقى الصندوق الانتخابي هو الفيصل.
لا يخلو الأمر من إبراز حقيقة ترقب العالم لنتائج الانتخابات الرئاسية في أميركا. لا تزال انتخابات الرئاسة الأميركية مؤثرة على الساحة الدولية بما فيها الشرق الأوسط، لما للرئيس الأميركي من صلاحيات واسعة في مجال رسم السياسة الخارجية، إضافةً إلى دور ومصالح أميركا في هذه المنطقة. تعتبر الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة القادرة على إبراز قوتها العسكرية في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى أنها تملك الاقتصاد الأكبر، وتتمتع بأوسع مجموعة من التحالفات السياسية والعسكرية والنفوذ في العالم.
لكن السؤال الذي يشغل اليوم السواد الأعظم من العالم هو: ما هو مصير الحرب على غزة ولبنان في حال فاز ترامب بالرئاسة؟ تصريحات ترامب التي أدلى بها مؤخرًا والتي تركزت على إنهاء الحرب وإحلال السلام في الشرق الأوسط لا تفسر بجديته فعلاً في إنهاء الملف وفرض حلول على الجانب الإسرائيلي.
ديفيد فريدمان، السفير الأميركي السابق الذي ينتمي إلى أقصى اليمين اليهودي الأميركي وهو من غلاة المستوطنين في الضفة الغربية ومن تيار الصهيونية الدينية، صرح قائلا إن ترامب قد اقتنع بأن الدولة الفلسطينية تشكل خطرًا وجوديًا على إسرائيل، وإن السابع من أكتوبر أثبت أكثر من أي وقت آخر أن دولة فلسطينية في الضفة الغربية، والتي تفوق مساحتها بشكل كبير مساحة غزة، والتي تقع على قرب خطير من المراكز السكانية الإسرائيلية، تشكل خطرًا وجوديًا على دولة إسرائيل. كما يؤكد بأن التجربة (أوسلو) قد فشلت.
الخلاصة أن الانتخابات الأميركية حامية الوطيس، ونارها تستعر يومًا بعد يوم. ما يهم الشعب الأميركي هو الاقتصاد بالدرجة الأولى، بجانب الهجرة، فهذان الملفان هما بيد ترامب. وتجربة بايدن الضعيفة في إدارة هذين الملفين حاضرة في الذهنية الأميركية. على كل حال، تحسّن صورة الديمقراطيين بعد هاريس لا يعني أن فرصتهم بالفوز كبيرة. كما أن تجربة ترامب الرئاسية المتهورة حاضرة هي الأخرى في المخيلة الأميركية. بين هذا وذاك، يبقى الناخب الأميركي محتارًا وواقفًا على مفترق طرق.