رأي

من سيختار الناخب الأميركي في المواجهة بين ترمب والنظام العدلي؟

كتبت ماري ديجيفسكي في صحيفة إندبندنت.

بعد صدور أحكام “الإدانة” بالإجماع من قبل هيئة المحلفين في نيويورك في جميع التهم الـ34 الموجهة إليه أصبح دونالد ترمب أول رئيس أميركي سابق تتم إدانته جنائياً.

وإذا ما فاز بالرئاسة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مع بقاء الحكم بإدانته ساري المفعول، فإنه سيصبح أول رئيس أميركي يدخل البيت الأبيض وله سجل جنائي أو كما يقال في أميركا “مجرم مدان” felon.

في إمكان ترمب أن يعرب عن استيائه كما يشاء. وهو ما فعله وبشدة، فور صدور قرار الحكم عليه، من خلال توجيه الإهانات للقاضي، ناعتاً إياه بالـ”فاسد” والمحكمة بالـ”مزورة”، وبأن العملية [القضائية] برمتها جرى ترتيبها من قبل إدارة الرئيس بايدن من أجل إبقائه خارج البيت الأبيض.

لكن سرعة اتخاذ هيئة المحلفين قرارها، وطبيعة القرار الجارفة، من شأنه أن يدفع خصومه في اعتباره بمثابة دليل، حال كان هناك الحاجة لمزيد من الأدلة، على أنه شخصية لا تتمتع بالأهلية لشغل المنصب.

إن البيان الذي أصدرته حملة الرئيس بايدن الانتخابية بعد دقائق من صدور الحكم بإدانة ترمب، قد عكس ذلك بالتحديد، مشدداً في الوقت نفسه بأن الحكم يعني أنه لا أحداً فوق سلطة القانون.

كل هذه الأمور هي من دون شك نقاط إيجابية تصب في مصلحة الإدارة الأميركية، ومصلحة الرئيس جو بايدن وفرص إعادة انتخابه. أما إذا كانت مسألة إدانة ترمب في المحكمة ستترجم أصواتاً إضافية تصب في مصلحة الرئيس بايدن في نوفمبر، فإن ذلك شأن آخر.

أولاً، إن استئناف دونالد ترمب للقرار هو أشبه باليقين، على رغم أنه قد لا يكون هناك وقت للنظر في الاستئناف قبل الانتخابات. ثانياً، يبدو أن الأميركيين قد حسموا آراءهم في شأن ترمب – سواء كانوا معه أو ضده – منذ فترة طويلة قبل هذه المحاكمة.

لكن ثالثاً، وكما هو معتاد في كثير من بيانات الرئيس السابق ترمب، ومن ضمنها بعض زلاته الأقل دبلوماسية كرئيس – هل تتذكرون سخريته من الزعيم الكوري الشمالي، كيم يونغ أون، والمتعلقة بمقارنة أحجام “أزرار” التحكم النووية التي بحوزتهما؟ – إن هناك بعض الصدقية فيما يطرحه عادة.

إن ذرة الصدقية هنا، وعلى مدى فترة انعقاد محاكمته، تكمن في الاتهامات التي وجهها ترمب بأن القضية لم تكن عادلة – وهي عبارة استخدمها فيما بدأت هيئة المحلفين مداولاتها – وإن المحكمة كانت ذات دوافع سياسية. وجزء من ذلك الغبن من وجهة نظر دونالد ترمب، هو أن المحاكمة جرت في منطقة تسيطر عليها غالبية ديمقراطية في منطقة مانهاتن في ولاية نيويورك، والتي يجادل البعض بأن ذلك أثر في توجهات ممثلي هيئة المحلفين، حتى قبل أن يقوم الادعاء في غربلتهم. كان ترمب يطمح لنقل المحاكمة إلى دائرة قضائية مختلفة، لكن طلبه رفض، وقد تكون هذه نقطة ارتكاز في طلب الاستئناف.

كما إن النقطة المتعلقة بالدوافع السياسية قد يكون من الصعب تجاهلها، لأنه حتى ولو لم يكن هناك وبصدق أية دوافع سياسية وإن القرار بمحاكمة [ترمب] كان اتخذ بمجمله على أسس قانونية بحتة إلا أنه كان هناك وبالفعل أثر سياسي.

لكن توقيت إجراء المحاكمة سمح في إعطائها طابعاً أكثر سياسية، قد يعد البيان الصادر عن حملة بايدن – ليس بايدن كرئيس، بل كمرشح لإعادة الانتخاب – غير حكيم لأنه استغل الحكم بصورة متلهفة تقريباً لكسب نقاط سياسية. كل من بايدن وترمب ربطا الحكم بالانتخابات في ردودهما.

والحق أن العامل السياسي قد لا ينحصر في مكان وزمان المحاكمة، بل في حقيقة إجرائها في المطلق. هل كانت القضية لترفع أمام المحكمة لو لم يحاول ترمب من جديد المنافسة في الانتخابات الرئاسية أو لكانت سويت من خلال صفقة خارج إطار المحكمة؟

هل كانت التفاصيل المثيرة لعلاقة مزعومة ستستعرض في المحكمة في محاكمة تتعلق بتزوير الحسابات، أم كان ذلك لأغراض انتخابية؟ هل كان هناك من رأى أن القضية على أنها فصل مسرحي إضافي مرتبط بالحملات الانتخابية، وحتى إن لم يكن الأمر كذلك، فهل يمكننا اعتباره بهذه الصورة؟

إن عملية اختيار هيئة المحلفين، وكما هو معهود في المحاكمات في الولايات المتحدة، هي مفتاح أساس من المسار القضائي، ونيويورك، دعونا لا ننسى، هي مدينة، وولاية ديمقراطية.

ومن المؤكد أن ميزة هيئة المحلفين هذه كانت ستؤول في الاتجاه الآخر، لو جرت مثلاً محاكمة بيل كلينتون بتهمة الكذب في شأن علاقته مع المتدربة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي. قيل حينها إنه لا توجد طريقة لإدانة شخص كان رئيساً ديمقراطياً من قبل هيئة محلفين في واشنطن العاصمة.

إن احتمال استخدام القانون لغايات سياسية هو السبب وراء عزل رؤساء الولايات المتحدة وغيرهم من أصحاب المناصب المنتخبين قبل تقديمهم للمحاكمة. وهذا يعني أن العملية لا بد أن تكون سياسية، بطريقة أو بأخرى، لكن هذا لا يشمل بالطبع أولئك الذين لم يعودوا في مناصبهم، أو الذين يطمحون للعودة إلى مناصبهم مرة أخرى.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة تبالغ بصورة كبيرة في تأكيد مبدأ الفصل الدستوري بين السلطات، كما هو الحال بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، إلا أن ممارسة الكونغرس أو الرئيس المتمثلة في القدرة على تعيين محقق خاص أو مدعٍ عام من الممكن أن تعقد الأمور. لم تبدأ مشكلات كلينتون القانونية مع لوينسكي، بل مع تعيين مدعٍ خاص للتحقيق في صفقة أرض في ولايته أركنساس. مسألة أدى إلى أخرى وأصبح المدعون الخاصون أدوات في اللعبة السياسية.

ويمكن القول إن مشكلات ترمب بدأت عندما كان لا يزال رئيساً، مع تعيين مدع خاص وعزله بسبب أعمال الشغب التي وقعت في السادس من يناير (كانون الثاني). وهذه واحدة من ثلاث قضايا جنائية أخرى يواجهها، وتتعلق القضايا الأخرى بوثائق سرية محفوظة في مقر إقامته في فلوريدا ومحاولة مزعومة للتأثير في نتائج الانتخابات في ولاية جورجيا.

إن الأخبار السارة بالنسبة إلى ترمب – ولا يزال هناك البعض منها – وهو أن القضايا التي من شأنها إلحاق الضرر الأكبر به، لن تبدأ المحاكمات الفعلية بها قبل موعد إجراء الانتخابات المقبلة، وقرار الإدانة الذي أصدرته محكمة نيويورك من غير المرجح أن يودي به في السجن.

وفي الواقع من شأن ذلك أن يصب في مصلحته. حتى قبل مغادرته مبنى المحكمة، كان ترمب قد أطلق مناشدة للحصول على تبرعات لحملته الانتخابية، واصفاً نفسه “بالسجين السياسي”. في الماضي كانت نسب شعبية ترمب لا تنفك ترتفع بالتناسبية مع ما يدعيه بأنه اضطهاد من قبل المؤسسة الحاكمة وليس هناك من سبب لتغيير هذه القاعدة. إن الكلمة النهائية، والتي تهم ترمب أكثر من أي شيء آخر، ستصدر في [انتخابات] شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والقرار الأخير [الصادر من هيئة المحلفين] يدعم موقفه بوصفه الشخصية المضطهدة، والشخص الخارج عن دائرة النخب الحاكمة التقليدية، وهو ما قد يمنحه أفضلية في صناديق الاقتراع.

إن الغضب الذي واجهت به الإدارة الأميركية طلب المحكمة الجنائية الدولية الأخير بإصدار مذكرات اعتقال في حق الزعماء الإسرائيليين لدورهم في الحرب في غزة، على رغم اقترانه بطلب مماثل ضد قادة حركة “حماس”، من شأنه أن يبرز درجة حضور العوامل السياسية في مسار العدالة في الولايات المتحدة الأميركية مقارنة بالدول الأخرى.

ولهذا السبب، قد لا يكون الأمر مقتصراً على ترمب وأنصاره ممن يتحدون جودة العدالة الأميركية في ضوء الأحكام الصادرة في نيويورك، ولكن أيضاً عديداً من الأميركيين الذين كانت لديهم مشكلات مع القانون في الماضي، وكانوا تركوا لسبب من الأسباب مع الشعور بأن حقوقهم قد اضطهدت.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى