من الذي يقف وراء محاولة اغتيال البرهان؟
كتب محمد محمد عثمان في بي بي سي.
توجهت الأنظار صوب قوات الدعم السريع التي ظلت تقاتل الجيش السوداني منذ أكثر من عام، بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان عبر طيران مسير خلال مشاركته في حفل لتخريج ضباط من الكلية الحربية في منطقة جبيت شرقي السودان.
والسبب وراء ذلك، أن قوات الدعم السريع أصبحت تستخدم المسيرات منذ أشهر بكثافة، مستهدفةً مقار عسكرية وأمنية، وآخرها قبل ساعات من الهجوم على جبيت عندما استهدفت مسيرات مقرا للمخابرات العامة في منطقة كوستي جنوبي البلاد، ما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة آخرين.
الأكثر من ذلك، هو أن قيادات من قوات الدعم السريع بما في ذلك قائدها الفريق محمد حمدان دقلو قد هددوا بتصفية قيادات الجيش بمن فيهم البرهان ومساعده الفريق ياسر العطا.
كما اتهم الناطق الرسمي باسم الجيش العميد نبيل عبد الله، قوات الدعم السريع بالهجوم على مقر الاحتفال باستخدام المسيرات.
وقال لبي بي سي إن مسيرتين هاجمتا موقع الاحتفال ما أدى الى مقتل خمسة اشخاص.
وهذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها الجيش قوات الدعم السريع بالوقوف وراء هجوم بطائرات دون طيار.
” طريقة مشابهة”
وقع الهجوم في منطقة جبيت العسكرية، وهي من المناطق العسكرية الحصينة التي تقع داخل سلسلة من الجبال والمناطق الوعرة، وبها عدد من القواعد العسكرية ومراكز التدريب مثل معهد المشاة ومعهد لإعداد القادة العسكريين.
وظلت المنطقة التي تبعد عن الخرطوم أكثر من سبعمائة كيلومتر، بعيدة عن المواجهات العسكرية المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويرى الخبير العسكري اللواء متقاعد أحمد أبو قرون، أن طبيعة العملية الهجومية تشبه إلى حد كبير الطريقة التي اتّبعتها قوات الدعم السريع خلال هجومها بالمسيرات على باقي المواقع العسكرية.
كما قال أبو قرون لبي بي سي إن حطام المسيرة التي سقطت، تشبه تلك التي عُثر عليها في باقي المناطق التي شهدت هجوما مماثلا مثل كوستي وربك والقضارف.
وتوقع الخبير العسكري أن تكون قد أُطلقت من مناطق سيطرة الدعم السريع القريبة من الموقع، مثل مدينة الفاو.
وأضاف، قائلاً: ” تمكنت قوات الدعم السريع (شبه العسكرية) من تطوير العديد من المسيرات لجعلها تسير مسافات أطول، وبطبيعة الحال أصبح لديها خبرة في هذا المجال، وخاصة أن بعض قادتها تلقوا تدريبات متقدمة من جماعة فاغنر التي تعاقدت معهم”.
لكن المستشار القانوني للقوات شبه العسكرية محمد المختار نفى أن تكون القوات متورطة في محاولة الاغتيال.
وقال لبي بي سي ” إن الدعم السريع ليس له علاقة بالمحاولة من قريب أو بعيد”.
وهذه ليست المرة الأولي التي يتم فيها الهجوم على موقع عسكري، فقد سبق أن هاجمت مسيرات مواقع تابعة للجيش والأجهزة الأمنية في مناطق متفرقة في البلاد.
وقبل ساعات من الهجوم على منطقة جبيت، هاجمت خمس مسيرات مناطق تابعة للجيش والأجهزة الأمنية في مدينة كوستي الواقعة جنوبي البلاد.
وكانت أبرز الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع هجوماً بمسيرة استهدف تجمعاً لقيادات وعناصر من “كتيبة البراء” في منطقة عطبرة شمالي البلاد، وهي كتيبة تابعة للإسلاميين، تقاتل إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع.
وأدى الهجوم حينها إلى مقتل العشرات من بينهم مدنيون أثناء إفطار جماعي في شهر رمضان.
لكن واقعة الهجوم على منطقة جبيت العسكرية تعتبر الأولى من نوعها في ولاية البحر الأحمر، التي اختيرت عاصمتها بورتسودان، عاصمة إدارية مؤقتة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم بعيد أيام من بدء القتال منتصف ابريل/نيسان من العام الماضي.
” تورط الإسلاميين”
وُجهت كذلك الكثير من أصابع الاتهام إلى الإسلاميين داخل الجيش، المحسوبين على نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بالوقوف وراء الهجوم على منطقة جبيت العسكرية.
وتقول العديد من السرديات إن الإسلاميين يسعون إلى الضغط على البرهان لعدم المشاركة في مباحثات السلام مع قوات الدعم السريع التي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة جنيف السويسرية منتصف شهر اغسطس/ آب الجاري.
وهو ما يؤكده محمد المختار بقوله إن الهجوم متعلق بتصفية حسابات داخلية بين الإسلاميين أو بين قيادات الجيش أنفسهم.
ويري شوقي عبد العظيم رئيس تحرير موقع ” استقصائي” أن توجيه أصابع الاتهام للإسلاميين يعزز الفرضية القائلة بأن هذه المجموعة هي الطرف الثالث الذي تسبب في الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال لبي بي سي إن هنالك شواهد عدة ترجح هذا السيناريو، ومن بينها أنهم ظلوا يرفضون أي دعوات للتفاوض ووقف الحرب حتى يتمكنوا من العودة مرة أخرى إلى السلطة.
كما يشير عبد العظيم إلى أن مجموعات محسوبة على الإسلاميين كانت قد هددت البرهان بالانقلاب عليه أو تصفيته إذا ما عاد إلى طاولة المفاوضات.
غير أن الكاتب الصحافي أبو ذر الأمين لا يستبعد سيناريو أن قوات الدعم السريع هي التي تقف وراء الهجوم.
وأوضح لبي بي سي أن حميدتي قد هدد البرهان أكثر من مرة بأنه سيقوم بتصفيته “ليرتاح منه الشعب السوداني” كما جاهر بذلك مرات عديدة.
وعلى الرغم من ذلك، فهو لا يستبعد أيضا وجود ما سماها بالمؤامرة والفبركة، إذ “قد تكون عملية الاغتيال قد رُتبت لتخدم أغراضاً خفيه في مواجهة ما تفرضه الضغوط الخارجية على الحكومة والجيش”.
” مشاركة مشروطة”
تركت الحكومة السودانية الباب موارباً أمام مشاركتها في محادثات وقف إطلاق النار التي طرحتها واشنطن.
وقبيل الهجوم بأيام قليلة، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانا قالت فيه إنها أرسلت توضيحات واستفسارات للحكومة الأمريكية بشأن مقترح المفاوضات التي طرحتها واشنطن.
وقالت أيضا إنها منفتحة على عقد لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين للتباحث حول أجندة المفاوضات والجهات التي ستشارك فيها.
وعاد البرهان وكرر الحديث ذاته خلال مخاطبته للضباط في حفل التخرج بعد أن تم إجلاؤه إلي مدينة بورتسودان، وعودته إلى جبيت مرة أخرى.
وكرر شروطه السابقة بأن الجيش لن يشارك في أي عملية تفاوضية ما لم تخرج قوات الدعم السريع من المدن والمناطق التي سيطرت عليها في الخرطوم، ومدني، ودارفور وكردفان.
ويخلص الأمين إلى أن كل الاحتمالات تظل مفتوحة في واقعة الاغتيال، لكنها لن تكون سبباً في تغيير الموقف الحكومي بشأن التفاوض.
وقال: ” أعتقد أن الحادثة مازال يكتنفها الغموض وتحتاج إلي تحقيق جاد وشفاف لمعرفة الملابسات، لكنني لا أعتقد أنها ستؤثرعلى قرار الجيش في المشاركة في المفاوضات أم لا”.