رأي

مناورات أفريقيا – الهند البحرية: تعزيز القدرات في مياه مضطربة؟

كتب محمد عبد الكريم أحمد, في صحيفة الأخبار:

اختُتمت مناورات بحرية مهمّة جرت برعاية الهند وتنزانيا، بين الـ13 والـ18 من الشهر الجاري، بمشاركة سبع دول أفريقية، هي: جنوب أفريقيا، كينيا، موزمبيق، موريشيوس، جيبوتي، سيشل ومدغشقر. والمناورات التي تتّسق مع رؤية رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، حول تعزيز «التقدُّم المتبادل والشامل من أجل الأمن والنمو في أرجاء الأقاليم»، جاءت في ظلّ تصاعُد التوتّر الإقليمي في خليج عدن والبحر الأحمر.

وإذ تهدف إلى «تطوير حلول جماعية للتحدّيات البحرية الإقليمية المشتركة»، فضلاً عن تعزيز دور البحرية الهندية في دعم «القدرة الدولية وترابط العمليات المشتركة بين القوى البحرية للدول الشريكة»، تمثّل تلك المناورات أحد أوجه سياسة التعاون العسكري بين الهند وأفريقيا، بحسب بيان للبحرية الهندية. على أنه لا يمكن فصلها عن مساعي الهند إلى تعزيز وجودها العسكري في الإقليم، من بوابة الشراكة مع تنزانيا أو غيرها من الدول المشاركة في المناورة.

مناورات أفريقيا – الهند البحرية: الحدود والتأثير

تركّزت المناورات الهندية – الأفريقية على التدريب المشترك لـ«مواجهة القرصنة ومشاركة المعلومات»، إلى جانب تعزيز التعاون الأمني البحري، وذلك بهدف تكوين بيئة بحرية «آمنة» لجميع الدول المشاركة (والتي تمتدّ مياهها الإقليمية لتغطّي جلّ مساحة المحيط الهندي)، في ما يعزّز حضور الهند البحري، ومنافستها للحضور الصيني المتزايد، وفقاً لما تظهره تصريحات مسؤولين عسكريين هنود عن عزم نيودلهي على إجراء مناورات «الوحدة» سنوياً.

وفيما تَنظر الهند إلى المناورات كرافعة لمجمل علاقاتها مع دول القارة الأفريقية، لا سيما في الشقَّين الأمني والعسكري، فإن الجانب الأفريقي يعدّها خطوة مهمّة جداً، من شأنها أن تؤدي إلى تلبية بعض المطالب الأمنية للدول الأفريقية مستقبلاً. إذ، وعلى سبيل المثال، وصفها وزير دفاع تنزانيا، ستيرجومينا لورانس تاكس، بأنها «عهد جديد» في الشراكة البحرية الإستراتيجية بين الهند وأفريقيا، علماً أن المناورات اشتملت على تدريب متقدّم في مسائل التخطيط البحري الرفيع المستوى، وعمليات مكافحة القرصنة، والتدريب المشترك على عمليات البحث عن السفن. أيضاً، تؤشّر المناورات إلى بداية تعاون اقتصادي كبير بين الهند وعدد من الدول الأفريقية المشاركة، وفي مقدّمتها تنزانيا، التي تعوّل على نيودلهي في تحقيق خطوات حقيقية لتعزيز قدراتها على مستوى الأمن البحري والتجارة والاستجابة للكوارث.

وتمهّد المناورات الهندية لبداية تعاون أكبر بين أطرافها، إذ من شأنها أن تنشّط العلاقات التجارية بين دولها، كونها تستهدف تعزيز قدرات الدول الأفريقية، إلى جانب مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في شرق أفريقيا، والذي ينطلق من القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي، عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. وهكذا، يصبح تأثير المناورات واسعاً نسبياً، ومتجاوزاً، بطبيعة الحال، حدودَ الجغرافيا الأفريقية وسياساتها.

المناورات وتمدُّد الهند العسكري: ما وراء أفريقيا؟

وصفت «مناورات الوحدة» بأنها الأكبر من نوعها التي تجريها نيودلهي مع دول أفريقية، إذ رأى محللون أنها جزء من تطلُّعات الهند إلى لعب دور أكبر في ترتيبات الأمن البحري في غرب المحيط الهندي، وفي القارة الأفريقية ككلّ. كذلك، تمثّل الخطوة علامة على تعمُّق رؤية الهند للتعاون المتوسطي، مروراً بحوض البحر الأحمر، وعلى نحو يتّسق تماماً مع التحركات الأميركية لجهة أمن جنوب البحر الأحمر، ومواجهة النفوذ الصيني في أفريقيا، وكذلك خلط أوراق الشرق الأوسط في القرن الأفريقي، أملاً في إعادة تكوين نظام إقليمي بالغ الهشاشة وخاضع لتصوّرات الولايات المتحدة (وإسرائيل أيضاً).

تُعدّ «مناورات الوحدة» بمنزلة حجر زاوية مهمّ في تصوّر الهند لنظام متوسطي – هندي متعدّد الأقطاب

وبحسب خبراء أوروبيين (Decode 39)، فإن «مناورات الوحدة» تُعدّ بمنزلة حجر زاوية مهمّ في تصوّر الهند لنظام متوسطي – هندي متعدّد الأقطاب، يرتبط بالضرورة بمشروع الممرّ الاقتصادي المار بالهند – الشرق الوسط – أوروبا، والذي تضطلع فيه الإمارات والسعودية بأدوار رئيسية. أيضاً، يلاحظ أن «رؤية مودي» تلك، وما تصفه نيودلهي بمقاربة «الجنوب – الجنوب»، تلتقي مع خطط أوروبية، من مثل خطّة «ماتي» الإيطالية من جهة جمع مقدّرات القوى البحرية واستغلال البنية الأساسية للموانئ الأفريقية وتعزيز الاعتماد المتبادل على التقنية واللوجيستيات والتكامل الأمني ودمج أفريقيا في هذه المسارات، ما يعني ضمناً تعويض التراجع الأوروبي الكبير في أفريقيا، وإقليم الساحل على وجه التحديد.

ويتّسق هذا التطوّر مع توقّعات سابقة بتحوّل الممر الاقتصادي الهند – أوروبا إلى تحالف عسكري بين دوله، بما فيها دول شرق أوسطية، ما يصعب معه تجاهل تداعيات حضور البحرية الهندية مستقبلاً في سواحل شرق أفريقيا وخليج عدن (سواء بغرض التدريب أو وفقاً لصيغ تعاون عسكري أخرى يتمّ ترتيبها حالياً)، وثيقة الصلة بالتطوّرات الجارية في البحر الأحمر وشرق المتوسط، ولا سيما مستقبل قطاع غزة.

الهند توطّد علاقاتها مع أفريقيا: نفوذ بالوكالة

حضرت الأوضاع في أفريقيا والشرق الأوسط في قلب محادثات مودي – ترامب في واشنطن (منتصف شباط)، وكان من بنودها مدى استفادة إسرائيل المتحقَّقة من المضيّ قدماً في مشروع «الممرّ الاقتصادي»، وتحوُّل الكيان إلى بوابة آسيوية نحو أوروبا، وربطه بمستقبل «الاتفاقات الإبراهيمية».

وتزامنت المناورات، مع إطلاق الحكومة الهندية، بالشراكة مع شركة «موانئ دبي العالمية» (11 الجاري)، مبادرة تجارية ضخمة لمضاعفة تجارة الهند وأفريقيا وتقوية تعاون «الجنوب – الجنوب». وتقوم المبادرة على ربط الموانئ التي تديرها الشركة الإماراتية، وكذا المناطق الصناعية والمناطق اللوجيستية في نحو 53 دولة أفريقية، بحركة الصادرات الهندية للقارة، عبر ما وصفه بيان وزارة التجارة والصناعة الهندية بـ«260 ألف نقطة بيع (في أفريقيا) في نظام بيئي تجاري متكامل تماماً». ويشمل التعاون، توفير موانئ دبي خدماتها في 10 موانئ أفريقية، وثلاث مناطق صناعية، وأكثر من 200 مخزن كبير في أرجاء القارة للصادرات الهندية.

وتكشف هذه السياقات، فضلاً عن مقاربة نيودلهي الأفريقية مع دول شرق القارة على وجه الخصوص، عن طبيعة ما تهدف إليه المناورات البحرية الجارية من توطيد التعاون الهندي – الأفريقي في مجال «الأمن البحري»، وما يعنيه ذلك من إتاحة الفرصة أمام الهند للعب دور أمني – عسكري أكبر في القارة الأفريقية بالتعاون مع شريكتها الإستراتيجية الأولى: الولايات المتحدة؛ وكذلك مع الإمارات عبر أدواتها الناجزة في أفريقيا، الأمر الذي يعكس حجم التداعيات المرتقبة على القارة وإقليمَي القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والتي تنذر بتغييرات كبيرة جداً ليس أقلّها صدام أميركي – صيني تجاري واقتصادي في الإقليم، وكذلك في مناطق على أطراف الشرق الأوسط، أو في قلبه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى