رأي

مناخات جديدة من التعاون عشية اجتماعات نيويورك وقمة موسكو

الأمن الإقليمي العربي من تدابير مجلس التعاون إلى المعاهدة التاريخية بين باكستان والسعودية

كتب طوني فرنسيس, في اندبندنت عربية:

تؤشر الإجراءات الخليجية إلى سعي مباشر للاعتماد على النفس في مواجهة التحديات، وكذلك إلى قرار بتحويل السياسات المعلنة إلى ممارسات عملية تعزز الأمن الإقليمي العربي.

عشية القمة الدولية التي ستترأسها السعودية وفرنسا في مقر الأمم المتحدة اليوم الإثنين، وتتعهد خلالها فرنسا ودول بارزة أخرى بالاعتراف بدولة فلسطين، توغل إسرائيل التي تتمتع بدعم لا محدود من الولايات المتحدة الأميركية في ممارسة سياسة نقيضة لا تقتصر على رفض قيام تلك الدولة فقط، بل على مواصلة الحرب الشاملة ضد الفلسطينيين ومن يدعمهم ويؤوي قياداتهم، خصوصاً قادة حركة “حماس” الذين تحملهم المسؤولية عن افتتاح المرحلة القائمة من الحرب الدموية المتواصلة.

لم تعتذر إسرائيل من الضربة التي وجهتها إلى قطر، على رغم مكانة قطر المحورية المفترضة في السياسة الإقليمية الأميركية والإسرائيلية، ولم تتقدم خطوة واحدة لملاقاة الموجة العالمية المستنكرة للاعتداء على سيادة الدول والمطالبة بالعدالة للشعب الفلسطيني ووقف الحرب في غزة والاعتراف بتسوية الدولتين. ووقفت الإدارة الأميركية إلى جانبها في كل ما فعلته وستفعله، مما زادها غطرسة وغلواً وشعوراً بالقوة التي تتيح لها فرض خرائط سياسية جديدة في الشرق الأوسط.

قال بنيامين نتنياهو مفتخراً بقوة دولته بعد هجوم الدوحة إن “من لديه هاتفاً محمولاً (في العالم) يحمل قطعة من إسرائيل بين يديه”. ولم يكُن قوله هذا أمام وفد من الكونغرس الأميركي مجرد إشارة إلى تقدم الصناعات الإسرائيلية، بل تضمن رسالة في ذكرى عملية تفجير أجهزة اتصال “حزب الله” العام الماضي مفادها بأن إسرائيل قادرة على التحكم باتصالات خصومها وأصدقائها، وأنها مثلما اخترقت “حزب الله” وإيران يمكنها مواصلة ممارسة تفوقها حتى تحقيق ما تراه مناسباً لها كدولة وكيان يطمح إلى إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية ومحو قدرات أي طرف يواصل التحدث عنها.

ولم يتأثر الخطاب الإسرائيلي بمقررات القمة العربية الإسلامية في الدوحة ولا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تبني “إعلان نيويورك” في شأن “حل الدولتين” وإنهاء الحرب في غزة. وعلى العكس من ذلك أطلق معركة احتلال غزة ورفع من منسوب تدابير الاستيطان والضم في الضفة الغربية. وفي القطاع حيث تدور “أكبر عملية هندسية في التاريخ” هدفها تدمير المباني كافة، سمح وزير المالية الإسرائيلي لنفسه القول إن “غزة هي غنيمة عقارية ضخمة مطروحة على طاولة الرئيس ترمب، وعلينا تقاسم النسب على الأرض، فمرحلة الهدم أنجزناها والآن يجب أن نبني”، هذا التصريح تزامن مع الـ”فيتو” الأميركي السادس في مجلس الأمن الدولي ضد قرار أجمع عليه الأعضاء ويدعو إلى وقف إطلاق النار في القطاع. ويشير الـ”فيتو” الجديد إلى أن يد الحكومة الإسرائيلية لا تزال طليقة في تقييمها للأخطار التي تتعرض لها إسرائيل من وجهة نظرها، وفي اتخاذ الخطوات الملائمة على المستوى العسكر، في غزة والضفة وسوريا ولبنان واليمن وصولاً إلى بدء الحديث عن صدام مع تركيا ومع مصر.

في السياق كان تهديد الحوثيين أحدث المواقف البارزة للقيادة الإسرائيلية، فوزير الأمن يسرائيل كاتس وجه كلاماً مباشراً لزعيم الحوثيين في اليمن، قائلاً له إن “وقتك سيأتي، وسترسل لتلتقي مع حكومتك في أعماق الجحيم، وعلمك ’الذي يحمل شعارات الموت لأميركا الموت لليهود الموت لإسرائيل‘ سيستبدل بعلم إسرائيل الذي سيرفع في عاصمة اليمن الموحد”!

ولم تسهم التحركات والمواقف والاقتراحات العربية والدولية في ضبط الانفلات الإسرائيلي وإعادة الأمور لنصابها عن طريق الحوار والبحث في تسويات. ويبدو كأن هذه الحصيلة هي جزء من المشهد الدولي الذي يهيمن عليه منذ عام الحضور القوي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، مواصلاً إصراره على القول بإنجاز الحلول وتحقيق السلام في النقاط الساخنة. ومع ذلك يجتمع القادة “لكن لا شيء يتغير”، كما يلاحظ الكاتب الروسي ألكسندر نازاروف. وتستمر حرب الاستنزاف في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط، حيث تحولت إيران وفق المعلق الروسي إلى “بصلة تقشر طبقات جلدها طبقة وراء طبقة، من حلفائها وطموحاتها الإقليمية وبرنامجها النووي في محاولة (منها) للحفاظ على النظام الحالي ضمن حرب استنزاف خاصة بها مع الغرب وإسرائيل”.

بورصة الاعتراف بفلسطين: هبوط لأسهم علاقات فرنسا وإسرائيل
وفي هذا المناخ الإقليمي والدولي الذي يحمل صفات حروب الاستنزاف المفتوحة، تتعمق قناعات المجموعة العربية في العمل على ثلاثة خطوط متقاطعة، الخط الأول، التمسك بطرحها السياسي الذي تقوده السعودية في شأن التسوية والسلام العادل و”حل الدولتين”. والخط الثاني تمتين الجسم العربي وتحصينه في وجه التحديات والاحتمالات بما فيها العسكرية. وتمر عملية التحصين هذه بشبكة معقدة من التدابير، تبدأ من دعم لبنان وسوريا في استعادة سيادتهما وقدراتهما ومن تحصين الوضع العراقي، وصولاً إلى استعادة الشرعية في اليمن، وفي المقدمة من كل ذلك بذل الجهود لإنهاء الحرب في غزة من جهة وإنهاء الانقسام الفلسطيني من جهة أخرى لمصلحة البرنامج الفلسطيني الموحد المتجسد في مشروع الدولة والذي تخوض السعودية بدعم دولي بارز معركته على كل الصعد.

والخط الثالث، تطوير التدابير الدفاعية العربية فضلاً عن التمسك بالعلاقة مع الشركاء التقليديين، وقد تكون القرارات التي اتخذها وزراء دفاع مجلس التعاون الخليجي أبرز خطوة في هذا المجال، إذ قال مجلس التعاون صراحة على لسان أمينه العام جاسم البديوي “نتوقع من شركائنا الاستراتيجيين في أميركا استخدام نفوذهم على إسرائيل، وقد حان الوقت لاستخدامه”. لكن ذلك لا يمنع اتخاذ القرارات الخاصة الملائمة، فأقرّ مجلس الدفاع الخليجي بعد التطورات الأخيرة سلسلة تدابير جوهرها حماية أجواء المجموعة عبر تسريع أعمال منظومة الإنذار المبكر وتحديث الخطط الدفاعية المشتركة وتنفيذ تمارين موحدة.

وتؤشر الإجراءات الخليجية إلى سعي مباشر للاعتماد على النفس في مواجهة التحديات، وكذلك إلى قرار بتحويل السياسات المعلنة إلى ممارسات عملية تعزز الأمن الإقليمي العربي.

وفي الإطار نفسه يأتي الاتفاق التاريخي بين السعودية وباكستان الذي حدد أن أي اعتداء على دولة منهما سيعتبر اعتداء على الثانية كإضافة رئيسة إلى عملية تمتين البناء الأمني الخليجي والعربي، حيث يضع الطرفان إمكاناتهما، بما فيها النووية، في خدمة حماية أمنهما وأمن المنطقة.

وفي سياق مماثل تنطلق المناورات البحرية المشتركة بين مصر وتركيا في شرق المتوسط هذا الأسبوع، لتكتمل صورة الوقائع الجديدة التي فرضتها الهجمة الإسرائيلية في قطر، وإصرار الحكومة في تل أبيب على مواصلة نهجها الحربي في فلسطين والمنطقة وضغطها المتزايد على دول الإقليم.

قد لا تتغير الأمور بسرعة نتيجة هذا الحشد الدولي والإقليمي في مواجهة السياسة الإسرائيلية، لكن إسرائيل وأميركا خصوصاً لن تتمكنا من الإبقاء طويلاً على سياسة العيون المغمضة. وهما لا شك ستنتظران باهتمام ما ستقود إليه التظاهرة الدولية في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، ثم ما سينتج من القمة العربية- الروسية الأولى من نوعها التي سيستضيفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو منتصف الشهر المقبل والتي لن تختلف في عناوينها عن عناوين جدول الأعمال العربي الراهن الذي يطرق بقوة أبواب العالم على المستويات كافة. ففي موسكو كما في نيويورك تكمن المشكلة في فلسطين والسياسة الإسرائيلية وفي معالجة هذه المشكلة يبدأ الحل.

قالت سفارة بكين في إسرائيل رداً على تصريحات أخيرة لنتنياهو، “يقول المثل الصيني إنه من أجل وقف غليان الوعاء، أخرجوا أخشاب الموقدة”، مما على إسرائيل أن تفعله لا أن تكسر الوعاء بمواصلة اللعب بنار تحرق منطقة بكاملها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى