رأي

مقترح تقسيم الصحراء المغربية آخر أوراق دي ميستورا المرفوضة

كتب محمد ماموني العلوي, في “العرب” :

دي ميستورا لم يستطع التفاعل إيجابيا مع الثوابت المغربية وتجاهل ما قاله سلفه الهولندي بيتر فان فالسوم، الذي أعلن أمام مجلس الأمن سنة 2008 أن استقلال الصحراء ليس خيارا واقعيا.

ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي إلى الصحراء، اقترح على الجزائر وبوليساريو والمغرب وموريتانيا أثناء جولته بالمنطقة في أبريل الماضي، تقسيم الأقاليم الجنوبية المغربية إلى قسمين. اقتراح من جعبة فارغة خلق ضجة بخصوص الدواعي التي دفعت هذا الدبلوماسي الإيطالي إلى العودة إلى الأرشيف واختيار هذا المقترح الذي مات قبل عقدين من الزمن على يد الأمم المتحدة نفسها.

عندما قدم دي ميستورا إحاطته السنوية لمجلس الأمن بخصوص مهمته كوسيط أممي في ملف الصحراء، قال إنه عاد لمقترح قدمه المبعوث الأممي السابق جيمس بيكر، ورفضته المملكة المغربية سنة 2002، وقال إن مشروع التقسيم “سيمكن، من جهة، من إنشاء دولة مستقلة في الجزء الجنوبي، ومن جهة أخرى، من دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب حيث سيجري الاعتراف بسيادته عليها دوليا”.

لا يمكن وصف مهمة دي ميستورا سوى بالفشل الكبير في إيجاد حل سياسي لهذا الملف، لأنه لم يستطع الاستمرار على نهج سلفه الألماني هورست كوهلر بجمع أطراف النزاع المفتعل على طاولة المفاوضات، كما أنه سقط في امتحان إقناع الجزائر وبوليساريو بمبادرة المغرب كحل واقعي يحظى باتفاق واسع دوليا وإقليميا.

◄ تمهيده لتقديم استقالته بدعوى أن الأطراف لا يريدون الحل، يؤكد عدم التفاته إلى ديناميكية الدعم المتنامي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تعكس تأييد المجتمع الدولي لرؤية المملكة

دي ميستورا استسهل الأمر وتجرأ على بعث الحياة في مقترح التقسيم الذي سبق وطبخه المبعوث الأممي السابق الأميركي جيمس بيكر، بمعية الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أربع وعشرين سنة. لقد تجرأ المبعوث الأممي على الزمن والتاريخ والتراكم الدبلوماسي الذي تحقق في ملف الصحراء، فأراد بخفة اقتسام الصحراء بين المغرب وبوليساريو الانفصالية.

بالعودة إلى العام 1997، وقت تعيين الأميركي جيمس بيكر مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة، نجده قد عرض مشروع حل على مجلس الأمن سماه بمخطط بيكر الأول، والثاني والثالث، اقترح بموجبه حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية لفترة انتقالية تدوم خمس سنوات، بعد فشل “مشروع الاستفتاء” الذي كان مقررا بناء على اتفاقية بين المغرب وبوليساريو في هيوستن 1991. وتوقفت عملية تحديد الهوية كما توقفت كل المخططات التي اعتبرها مجلس الأمن ملغاة وجرى سحبها كأساس للتفاوض حول هذا النزاع.

المشكلة التي تجاهلها دي ميستورا هي أن هذا الحل مستحيل التحقق لأن فيه عددا من الثغرات مفتوحة على تأويلات سياسية وتدخلات إقليمية ودولية، وتترك الباب مفتوحا سواء أمام الإدماج داخل المملكة المغربية أو أمام استقلال الصحراء. ولأن النزاع ليس حدوديا بين دولتين فلا يحق الحديث أساسا عن تقسيم المنطقة، لأننا نتحدث هنا عن تنظيم انفصالي مدعوم من دول تريد فصل جنوب المملكة عن شمالها.

وهو ما جعل المغرب، يقدم مبادرة الحكم الذاتي عام 2007 بأبعاد عميقة منظمة في إطار دولة الوحدة الترابية غير قابلة للنقاش، وجاء دي ميستورا عام 2021، كي يعالج نزاع الصحراء بروح مطبوعة بتوجه لإغلاق هذا الملف بأي ثمن. ما يعني أنه أراد أن يحقق نجاحا دبلوماسيا شخصيا في ملف معقد يهم وجود الدولة المغربية. وهذا يعني كذلك أن الفكرة التي كونها حول هذه القضية غير مكتملة وتفتقد للعمق التاريخي وعدم التنقيب بشكل عميق في الوثائق التي تتحدث عن هذه المنطقة.

◄ دي ميستورا عند زيارته إلى مخيمات تندوف لم يرغب في تكوين فكرة واقعية بإعادة إحياء العملية السياسية وفضح تعنت بوليساريو، والجزائر

وهنا يكون دي مستورا قد ارتكب عددا من الأخطاء أثناء مهمته منها قيامه قبل أشهر بزيارة رسمية لجنوب أفريقيا رغم أنها غير معنية بهذا الملف سوى أنها داعم لبوليساريو.

خلال ثلاث سنين من الخدمة على هذا الملف لم يساهم بفكرة مناسبة للحل وتحديد الجهة المسؤولة عن عرقلة الحل في الصحراء والتي هي بوضوح النظام الجزائري، الداعم الرسمي لجبهة بوليساريو، وبالتالي فهذا الدبلوماسي الإيطالي – السويدي، مساهم بشكل أو بآخر في العرقلة.

لم يعد أمام دي ميستورا سوى أن يقدم استقالته ويعود إلى بلد إقامته.. لماذا؟

أولا، لأنه منذ البداية كانت نيته الالتفاف على مبادرة المغرب للحل، والتورط في مناورات ظرفية تهدف إلى خلق ظروف مواتية تقود إلى فرض حل هدفه تمزيق وحدة المملكة وتدخل صارخ في السيادة الوطنية.

ثانيا، نتذكر أن دي مستورا راكم الفشل في سوريا وأفغانستان لأنه لم يلتزم بمهمته كوسيط يقرب بين وجهات النظر، وهو ما كرره في ملف الصحراء، بمحاولته فرض وجهة نظر منحازة للانفصال والعودة بعقارب ساعة الأمم المتحدة إلى الوراء، إلى عهد جيمس بيكر وكريستوفر روس.

◄ لا يمكن وصف مهمة دي ميستورا سوى بالفشل الكبير في إيجاد حل سياسي لهذا الملف، لأنه لم يستطع الاستمرار على نهج سلفه الألماني هورست كوهلر بجمع أطراف النزاع المفتعل على طاولة المفاوضات

المغرب كان واضحا بأنه لن يتنازل عن المبادرة التي قدمها عام 2007 بخصوص الحكم الذاتي. هذه المبادرة التي قدمها المغرب وعرفت إشادة دولية، تملك بين طياتها الكثير من الجرأة السياسية والدبلوماسية وسقفا عاليا ضمن سيادة الدولة المغربية.

عندما التقى دي مستورا مجموعة من منتخبي جهة الداخلة – وادي الذهب، العام الماضي، أكدوا له على تمسك سكان الصحراء بالحكم الذاتي كخيار وحيد لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وأي حل لهذا النزاع المفتعل خارج الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، غير ممكن وغير مقبول، في ظل تشبث سكان الصحراء بالمملكة المغربية.

دي ميستورا عند زيارته إلى مخيمات تندوف لم يرغب في تكوين فكرة واقعية بإعادة إحياء العملية السياسية وفضح تعنت بوليساريو، والجزائر، باعتبارها طرفا أساسيا في هذا الصراع الإقليمي. وبالعودة إلى مقترح التقسيم، يثبت أن دي مستورا قد تجاهل كل النجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية وعدد القنصليات في كبرى مدن الصحراء المغربية، وتغيير عدد من الدول لمواقفها من هذا النزاع المفتعل.

تمهيده لتقديم استقالته بدعوى أن الأطراف لا يريدون الحل، يؤكد عدم التفاته إلى ديناميكية الدعم المتنامي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تعكس تأييد المجتمع الدولي لرؤية المملكة من أجل مستقبل الصحراء المغربية، واعتبار المفاوضات بمشاركة جميع الأطراف، وخاصة الجزائر، إطارا وحيدا لإنهاء هذا المسلسل.

يظهر أن دي ميستورا لم يستطع التفاعل إيجابيا مع الثوابت المغربية في هذا الملف الممثلة في الوحدة الترابية من الشمال إلى الجنوب، مع تجاهل ما قاله سلفه الهولندي بيتر فان فالسوم، الذي أعلن بعد سلسلة من الاتصالات مع كافة الأطراف، أمام مجلس الأمن سنة 2008، أن “استقلال الصحراء ليس خيارا واقعيا وهدف لا يمكن تحقيقه”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى