مفاوضات كردية – تركية صامتة: واشنطن تدفع نحو اتفاق «شامل»

منذ دعوة رئيس حزب «العمال» الكردستاني، عبدالله أوجالان، حزبه إلى إلقاء السلاح والتوجّه نحو النضال السياسي، قبل أكثر من 40 يوماً، تجري مفاوضات بين القوى الكردية وأنقرة، وذلك بهدف تسوية ملف تلك القوى في كل من تركيا وسوريا، خاصة بعد أن نجح الأتراك في إيصال «هيئة تحرير الشام» الموالية لهم إلى الحكم في دمشق، وهو ما يعتبرونه فرصة تاريخية لطي هذا الملف. وكانت تزامنت دعوة أوجالان مع جهود تبذلها كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا، للتوصل إلى اتفاق بين تركيا و»قسد» من جهة، والأخيرة والحكومة السورية الجديدة من جهة أخرى، يتيح منع اندلاع مواجهات عسكرية جديدة، ويضمن تسوية سياسية للملف السوري.
وعلى رغم اعتراض أنقرة العلني على اتفاق دمشق – «قسد»، وتأكيدها عدم التخلي عن شروطها المتعلّقة بمغادرة كل عناصر حزب «العمال» المتواجدين ضمن صفوف «قسد»، وحل «الوحدات» الكردية ونزع سلاحها أو تسليمه للدولة السورية الجديدة، إلا أنها عملياً سلّمت بالاتفاق، وتريد له أن يُطبّق قبل نهاية العام الجاري. وتبرز مصلحة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في تطبيقه لكونه سيحقّق له عدة أهداف، أهمها عدم تأليب الداخل التركي المتوتّر أصلاً ضده، من خلال إزالة إمكانية التورط في حرب جديدة في سوريا من جهة، وتثبيت حالة من الاستقرار فيها من طريق منع أي مواجهات بين دمشق و«قسد» من جهة أخرى، وتشجيع حزب «العمال» على التخلي عن السلاح، والمضي في مبادرة السلام التي طرحها أوجالان، من جهة ثالثة. كما أن تركيا تطمح إلى الحصول على امتيازات اقتصادية في مناطق شمال شرق سوريا التي تديرها «قسد»، في محاولة لاستنساخ تجربة كردستان العراق الاقتصادية، وبالتالي الحصول على فرص اقتصادية للشركات التركية للمشاركة في تنمية هذه المنطقة.
ولعلّ ما يشير إلى وجود مفاوضات غير معلنة بين الأكراد في سوريا وتركيا، هو انخفاض حدة ووتيرة التصريحات التركية تجاه «قسد» منذ الأسبوع الأخير من شهر رمضان وحتى الآن، ما يشي بترتيبات يتم العمل على تطبيقها لنزع فتيل التوتر بين الجانبين، تمهيداً للإعلان عن اتفاق كبير محتمل. ووفق تصريحات متعدّدة لشخصيات كردية، فإن التوجه سيكون نحو وقف حزب «العمال» كل أنشطته العسكرية في تركيا، والتحوّل إلى النشاط المدني، مع السماح بشرعنة وجود «الإدارة الذاتية» في سوريا، والتعهّد بعدم تشكيل أي تهديد عسكري لتركيا، ومنح الأخيرة أولوية في المشاريع الاقتصادية والتنموية، ودعم اندماج «قسد» في الجيش السوري ككتلة وليس كأفراد.
وتلعب إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دوراً رئيسياً في الإعداد لاتفاق بين الأكراد وتركيا، وإنهاء مرحلة طويلة من الصراع بين الطرفين، عبر منح مكتسبات إدارية وثقافية للأكراد، مقابل تخلّي الأخيرين عن الصراع العسكري مع أنقرة. ويؤكد مستشار «الإدارة الذاتية» والقيادي الكردي البارز، بدران جيا كرد، في تصريحات إعلامية، أن «التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يتوسّط لوقف إطلاق النار بين تركيا وقسد»، مشيراً إلى أن «هناك تبادلاً للرسائل بين الطرفين عبر الولايات المتحدة»، نافياً «وجود أيّ مفاوضات مباشرة حتى الآن». ويبيّن أن «هناك سعياً لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك شمال شرقها»، مشدّداً على أن «علينا حل جميع المشاكل تدريجياً مع أنقرة ودمشق والمجموعات الأخرى عن طريق الحوار».
من جهتها، تؤكد مصادر كردية، لـ»الأخبار»، «وجود مفاوضات كردية مع أنقرة، في موازاة تلك الدائرة مع دمشق، بهدف حل جميع القضايا عن طريق الحوار والتفاوض»، كاشفة أن «هذه المفاوضات تجري بإشراف وضغط من الأميركيين بهدف التأسيس لسلام دائم في المنطقة». وتشير المصادر إلى أن «مطالب الأكراد واضحة، وهي لا مركزية إدارية في مناطق شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى حق التمثيل في الحكومة المركزية، مع الحفاظ على الحقوق الثقافية للأكراد كثاني قومية في البلاد»، مدّعية بأن «هذه المطالب لا تتعارض بالمطلق مع وحدة سوريا الجغرافية والاجتماعية، بل تعزّزها».
وترجّح المصادر أن «تسهم الجهود الأميركية في سوريا في إنجاز توافقات سياسية مع أنقرة ودمشق، ما سيؤدي إلى استقرار طويل الأمد»، محذّرة «من أيّ مخططات تهدف إلى تقويض الاستقرار في مناطق شمال شرق سوريا». كما تعتبر أن «استمرار الوجود العسكري الأميركي في سوريا سيكون داعماً للاستقرار فيها، ويمنع أي استغلال من التنظيمات الإرهابية للأوضاع الأمنية لتنشيط هجماتها في البلاد».
المصدر: صحيفة الأخبار