مفاوضات ترمب مع إيران… الشكل والمضمون واستثمارات أميركية

كتبت هدى رؤوف في صحيفة إندبندنت عربية.
فجأة أُعلن عن محادثات بين طهران وواشنطن، السبت 12 أبريل (نيسان) في سلطنة عمان، سيكون عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني، وستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط هما المفاوضان الرئيسان فيها.
ستبدأ هذه المفاوضات بشكل غير مباشر عبر بدر البوسعيدي وزير الخارجية العماني. كان تعيين ويتكوف المفاوض الأميركي خبراً جيداً لإيران، فالرجل معروف بأن موقفه من الملف النووي الإيراني متوازن مقارنة بمستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأميركيين.
وفى حين أعلن ترمب بشكل مفاجئ وجود محادثات سرية مع إيران وقرب بدء المفاوضات المباشرة، أكد الجانب الإيراني بدء المفاوضات لكنها غير مباشرة. وفى حين لا يزال توصيف شكل المفاوضات هل مباشرة أم غير مباشرة نقطة لم تحسم حتى الآن، يبقى الأهم من شكل المفاوضات هو مضمونها ومحتواها.
لذا السؤال الأهم هنا، هو كيف سيختلف الاتفاق الجديد بين ترمب وإيران في حال نجاح المحادثات للنهاية بالطبع، عن اتفاق عام 2015، وما الجديد الذي قد يأتي به تفاوض ترمب مع إيران وجعله ينسحب من اتفاق عام 2015؟
هل مفاوضات مباشرة أم غير مباشرة؟
بالنسبة إلى قضية شكل المفاوضات وعما إذا كانت مباشرة أم غير مباشرة، سبق وأعلن الرئيس الإيراني ووزير خارجيته أن طهران ليس لديها مشكلة للتفاوض مع واشنطن بشكل غير مباشر، وحينما تسير المحادثات في إطار مُرضٍ للطرفين سيتم الانتقال للمفاوضات المباشرة، ومن هنا نفهم أن جولة المحادثات بين طهران وواشنطن، السبت المقبل، ستكون استكشافية بطبيعتها وستبحث أجندة المحادثات.
يتردد عبر بعض المسؤولين الإيرانيين أن المحادثات ستكون غير مباشرة وفي حال التفاهم حول الخطوط العامة ستنتقل لمرحلة المباشرة بعد ساعتين من عقدها.
من جهة الطرف الأميركي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية تومي بروس في الثامن من أبريل، إن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في مسقط ستعقد، السبت، بهدف تحديد ما هو ممكن في المحادثات، مضيفاً “هذه ليست مفاوضات، فلن تتم مناقشة أي شيء في هذا الاجتماع بالمعنى التقليدي للتفاوض، لكن بشكل عام إذا مضت المفاوضات قدماً، فستكون هذه خطوة مهمة نحو بدء حوار مباشر بين الجانبين”. ويذكر أن طهران تلقت إشارات إيجابية في شأن أجندة المحادثات.
مضمون المفاوضات
لكن الأهم من مسألة الشكل هو المحتوى والمضمون، فبينما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه يريد تطبيق النموذج الليبي للاتفاق النووي الجديد مع إيران، والمقصود هنا أن تقوم إيران بتفكيك برنامجها للطاقة النووية بشكل كامل وهو النموذج الذي ترفضه طهران رفضاً قاطعاً، فبالنسبة إليها تخلي ليبيا عن قدراتها النووية أدى في نهاية المطاف إلى التدخل الدولي وإطاحة معمر القذافي، مثلما عدت أن تخلي أوكرانيا عن ترسانتها النووية أدى إلى الهجوم الروسي عليها.
لكن ليس من المرجح أن يطرح النموذج الليبي، لأن ترمب صرح سابقاً بأن عمليات التفتيش على البرنامج النووي الإيراني يجب أن تتم زيادتها مرات عدة، وعند الوصول لاتفاق يجب التأكد من تنفيذه عبر عدة طرق. كثيراً ما تحدث ترمب وويتكوف عن اتفاق أكثر محدودية يهدف إلى التحقق من أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، ومن الملاحظ أن هذه هي النقطة التي يتفق في شأنها الإيرانيون وواشنطن، فكثيراً ما تحدثت طهران عن أن برنامجها النووي سلمي ولا يستهدف امتلاك سلاح نووي.
في ظل الجدل حول المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة ورغم أن بعض التيارات داخل إيران تعد أن التفاوض المباشر سيكون أكثر نجاحاً، لكن بشكل عام ترفض طهران التفاوض المباشر وتعد أن ادعاء البيت الأبيض أنها تريد شراء الوقت من خلال المحادثات غير المباشرة، ادعاء ضعيف لأن الجانب الأميركي نفسه يتوسط في مفاوضات غير مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يعد، وفقاً لعراقجي، “صراعاً أكثر كثافة وتعقيداً، ويشمل أبعاداً استراتيجية وإقليمية وعسكرية وأمنية واقتصادية، وهذا يعني أنه لو كان من المقرر تحديد شكل المفاوضات على أساس مدى تعقيدها، لما كان ينبغي للولايات المتحدة أن تقبل بشكل أساس بالحوار غير المباشر في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. وأن المهم في هذا الأمر هو إرادة وجدية الطرف الآخر، الجانب الأميركي، وليس شكل الحوار والتفاوض.
يمكن التكهن بأن إصرار إيران على أن الشكل لا يأتي في إطار رغبة طهران الضغط على ترمب لإبراز نوع من الجدية وتقديم بادرة لحسن النيات، تحاول طهران أن تؤكد لترمب أن هناك جداراً من عدم الثقة ولديها شكوك جدية حول صدق النيات، وتتفاقم الشكوك بسبب إصرار واشنطن على استئناف سياسة الضغط الأقصى قبل أي تعامل دبلوماسي. وهو ما يمكن أن نستنتجه من مقال عراقجي في صحيفة “واشنطن بوست”، إذ قال إن السعي إلى المفاوضات غير المباشرة ليس تكتيكاً ولا انعكاساً لاتجاه أيديولوجي، بل هو خيار استراتيجي يستند إلى الخبرة.
نتائج التفاوض ومحتوى الاتفاق
بالطبع إن محادثات السبت قد تكون نهاية التفاهم بين ترمب وإيران، وقد تكون بداية للمفاوضات المستقبلية، لذا فإن نجاحها أو فشلها يعتمد إلى حد كبير على كيفية تعريف الجانبين للخطوط الحمراء.
ومن ثم إذا تبنى أي من الجانبين مواقف متصلبة مثل تفكيك ليبيا أو وقف التخصيب تماماً، سيفشل التفاوض، ولكن إذا كان التركيز منصباً على منع السلاح النووي، فلن تنجح المفاوضات فحسب، بل قد يتمكن ترمب أيضاً من انتزاع مزيد من التنازلات من طهران إذا كان على استعداد لوضع مزيد من الجزر على الطاولة، مثل تخفيف العقوبات في وقت مبكر.
الأهم من ذلك هو أن إيران تعد واشنطن عبر تصريح للرئيس بزشكيان بأن ليس لديها مانع من قبول الاستثمارات الأجنبية حتى الاستثمارات الأميركية، وهو تصريح له منذ أيام أكد من خلاله أن ليس لدى المرشد الإيراني أي اعتراضات على الاستثمارات الأجنبية والأميركية منها، وهي رسالة لواشنطن وللمتشددين في داخل إيران في ذات الوقت.
في الأخير، ما ينبغي التأكد منه هو أن ترمب يريد التوصل إلى اتفاق ثنائي يمكن التوقيع عليه باسمه، وإيران تعي ذلك وتريد اتفاقاً مع ترمب بموجبه تحافظ على حقوقها النووية، ورفع العقوبات، وتسهيل تجارتها الخارجية، هذه هي الأهداف المعلنة من قبل إيران، لكن في حقيقة الأمر الهدف الأهم للوصول لاتفاق مع ترمب هو الحفاظ على بقاء النظام الإيراني عبر تجنب أي هجمات عسكرية من قبل إسرائيل أو واشنطن.
من المتوقع أن يدور الاتفاق أولاً حول ضمانات مستمرة في شأن البرنامج النووي الإيراني، عبر زيارات متعددة وطرق وآليات للتأكد منه، وفي المقابل ضمانات اقتصادية مستمرة لطهران. وهو ما لا يعد جديداً عن اتفاق عام 2015 ما لم يضم منظومة الصواريخ الباليستية والمسيرات وإمداد الميليشيات المسلحة بها والتدخل في دول الصراعات، ربما الجديد هو ما صرح به ترمب بأنه يريد أن تكون إسرائيل مشاركة بأي اتفاق في شأن إيران، وهنا يطرح التساؤل حول شكل مشاركة إسرائيل في الاتفاق، وما هو المقابل الذي ستقدمه طهران لإسرائيل والوعود التي تحصل عليها إيران منها، كما يثار التساؤل بطبيعة الحال عن موقف دول الخليج العربية من هذا الاتفاق، فهي الأطراف المعنية بالأساس بسلوك إيران الإقليمي وبرنامجها النووي.