مفاعلات صغيرة ضمن خطة بريطانيا نحو “نهضة نووية”.
يعد وزير الداخلية البريطاني غرانت شابس بأن المملكة المتحدة ستقود “نهضة” في مجال الطاقة النووية، إذ طرحت الحكومة خطة محتملة بقيمة 20 مليار جنيه استرليني (25.8 مليار دولار) لدعم تطوير مشاريع أصغر حجماً في مجال التكنولوجيا النووية.
وتعد الحكومة بتقديم منح تصل إلى 157 مليون جنيه إلى مشاريع عدة في أنحاء المملكة المتحدة كلها، فضلاً عن إعلان مسابقات منفصلة بين الشركات لتطوير مفاعلات نووية جديدة.
واعتباراً من الثلاثاء المقبل، ستتمكن الشركات من الاشتراك في هيئة حكومية جديدة مستقلة، وهي هيئة بريطانيا العظمى للطاقة النووية (Great British Nuclear).
وعبر الوزير شابس، الذي كان يتحدث في حفلة إطلاق الهيئة في وسط لندن، عن أسفه لعقود من التراجع في القطاع النووي والحملات المناهضة للطاقة النووية، منتقداً التقاعس الحكومي السابق.
ولفت أمام جمهور من الخبراء والشخصيات القطاعية إلى أن ذلك كان “خطأ فادحاً”، تسبب في زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وقال واعداً بـ”بداية عصر نووي جديد، بل نهضة نووية”، “تعلمنا دروس الماضي. لم يحقق نهج المشاريع بقيادة المطورين الذي انطلق أواخر التسعينيات ثماره”.
ووعد بأن الهيئة الجديدة ستفسح المجال لقيام “نهج أكثر نشاطاً واستقلالية من دون تدخل حكومي مباشر” في ظل سعي الحكومة إلى الوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
لا يمثل مبلغ الـ20 مليار جنيه التزاماً بالإنفاق، لكن السيد شابس أشار إلى أن هذا الرقم يظهر مدى جدية الحكومة في تطوير المفاعلات النووية الأصغر حجماً والأكثر مرونة.
وستمكن الخطة الشركات الناجحة من الاستفادة من الأموال الحكومية والخاصة للمساعدة في تطوير المفاعلات.
يشار إلى أن ما يسمى بالمفاعلات النمطية الصغيرة التي يريد السيد شابس بناءها لم يجر اختبارها على أي نطاق.
محطات صغيرة
تتلخص الفكرة في تصميم محطات للطاقة النووية صغيرة بما يكفي لكي تصنع في المصانع ومن ثم تنقل إلى حيث ستستخدم.
وهذا، وفق النظرية، سيسمح للبنائين بالاستفادة من وفور الحجم [الوفور في التكاليف] التي يتيحها الإنتاج الضخم.
يشار إلى أن نماذج أولية بدأت بالعمل في روسيا والصين خلال السنوات الثلاث الماضية.
ووعدت الحكومة بأن الهيئة النووية الجديدة ستساعدها في تحقيق هدفها المتمثل في توليد حوالى ربع الكهرباء في بريطانيا من الطاقة النووية بحلول عام 2050.
قد يستغرق تشغيل المواقع فعلياً سنوات، مع توقع صدور قرارات الاستثمار النهائية قبل عام 2029.
وأشار شابس إلى أمله في أن تولد المفاعلات النووية الصغيرة الأولى الكهرباء بحلول ثلاثينيات القرن الـ21. وأضاف: “السعي للوصول إلى هناك يجري بخطوات سريعة جداً”.
آلاف الوظائف
واستبعد أن يكون العثور على مواقع للمفاعلات الأصغر أمراً صعباً حيث شدد على أن الوعد بتوفير آلاف الوظائف سيجعلها مقبولة في نظر المجتمعات المحلية.
وقال لصحافيين: “لا أعتقد بأن تحديد المواقع قد يمثل مشكلة في الأجل القريب أو المتوسط. تتمتع المفاعلات بشعبية، فالناس تعلم أنها تجلب وظائف جيدة”.
كذلك لم يستبعد الوزير استثماراً مدعوماً من الصين في المشاريع المستقبلية. يأتي ذلك بعدما أشارت ذراع مكافحة التجسس التابعة للبرلمان إلى مخاوف في شأن الدور الذي تؤديه القوة الآسيوية في قطاع الطاقة النووية المدنية.
أسئلة جدية
وانسحبت “مجموعة الصين العامة للطاقة النووية” العام الماضي من مشروع محطة “سايزويل سي” للطاقة النووية في مقاطعة صافولك لكن لجنة الاستخبارات والأمن حذرت نهاية الأسبوع الماضي من أن لديها أسئلة جدية في شأن المشاريع المستقبلية.
وقال شابس: “لن أقبل الأموال الصينية في أي شيء يشكل جزءاً من بنيتنا التحتية الوطنية في ما يتعلق بمشاركة التكنولوجيات أو أي شيء آخر”، مضيفاً أن نهجاً كهذا “حقق التوازن الصحيح” في معالجة المخاوف الأمنية.
ويعد التزام هذا الأسبوع هو الأحدث في سلسلة من الوعود التي قطعتها الحكومات المتعاقبة لزيادة الإنتاج النووي المتراجع في البلاد.
ففي عام 1979، وعدت حكومة مارغريت ثاتشر ببناء 10 محطات جديدة للطاقة النووية، بمعدل محطة واحدة سنوياً اعتباراً من عام 1982. ولم تبن سوى واحدة فقط – “سايزويل بي”.
وبعد عقود، وعد توني بلير بإنشاء جيل جديد من محطات الطاقة النووية من شأنه أن يساعد في خفض انبعاثات الكربون في المملكة المتحدة.
وفي إحياء لخطط بلير بعد سنوات، وعدت حكومة ديفيد كاميرون ببناء ثماني محطات لتوليد الكهرباء. ولم يكتمل أي منها، على رغم أن محطة “هينكلي بوينت سي” هي قيد الإنشاء حالياً.
وإلى جانب إطلاق الهيئة النووية، أعلنت الحكومة أيضاً أنها ستقدم منحاً تصل إلى 157 مليون جنيه لمشاريع عدة مختلفة.
ويشمل ذلك ما يصل إلى 77 مليون جنيه مخصصة لتسريع تطوير أعمال نووية في المملكة المتحدة ودعم التصاميم الجديدة.
“13 سنة من الفشل”
وأفادت الحكومة بأن هذا التمويل سيزيد من فرصة بناء مفاعلات صغيرة ومتطورة خلال ولاية البرلمان المقبل.
وسيتوفر مبلغ إضافي يصل إلى 58 مليون جنيه للتطوير والتصاميم في ما يخص مفاعلاً متطوراً جديداً – يعمل في درجات حرارة أعلى – وأنواعاً جديدة من الوقود.
واتهم حزب العمال الحكومة بالإشراف على “إعادة إطلاق أخرى” والإشراف على “13 سنة من الفشل”.
وقال وزير الطاقة في حكومة الظل ألان وايتهيد: “إنه لأمر محزن أن 13 سنة مرت على تولي حكومة المحافظين الحكم، ولم يبن أي من المواقع النووية الـ10 التي وافقت عليها حكومة حزب العمال الأخيرة. يجب على الحكومة اليوم أن تخبرنا عما إذا كان بإمكانها ضمان الوفاء بوعدها بالتوصل إلى قرار الاستثمار النهائي في ‘سايزويل’ خلال ولاية البرلمان الحالي. الإشارات غير مشجعة”.