معركة «طواحين هواء» إنتخابيّة… وحرب «الأنا» تفرمل «الترسيم»… ؟
كتي ابراهيم ناصر الدين في “الديار”:
«ترسم» خرائط المنطقة السياسية، وربما الجغرافية، من جديد على وقع الاحداث الملتهبة في الاقليم والعالم، بينما تتلهي القوى السياسية بمعركة «طواحين الهواء» الانتخابية التي تبدو انها «لزوم ما لا يلزم» في بعدها الاستراتيجي الكبير، او حتى في لعبة «الزواريب» الداخلية»، اما الخطر الوحيد المحدق لبنانيا فيبقى في اختلال توازن «اسرائيل» وتخبطها بفعل التقدم الايراني والتراجع الاميركي، حيث لا يمكن تعويض «الخسارة» المرتقبة بالعودة الى اتفاق فيينا، بعواطف دول عربية «مأزومة» تبحث عن من يحميها، وهو امر يجب قراءته بشكل دقيق ومحسوب جدا، لان «اسرائيل» تتحرك على خطين: الاول امني والثاني اقتصادي – استراتيجي عنوانه ملف «ترسيم» الحدود البحرية، ففي حين تطغى المصالح الضيقة للمسؤولين اللبنانيين على المصلحة الوطنية، فيما بات يعرف بحرب «الانا»، تهوّل «اسرائيل» مجددا بخطوات آحادية على وقع التراجع الاميركي في المنطقة.
في المقابل، يبدو المشهد الداخلي «سرياليا»، وكل الاهتمام ينصب على المشهد بعد 15 ايار الذي لن يأتي بجديد، وفقا لمصادر سياسية بارزة تشير الى ان الاحزاب نفسها تتنافس على «لاشيء» في مجلس نيابي «معلّب» مسبقا، ومحكوم بتوازنات سياسية وطائفية لا تمّكن اي فريق من «الهيمنة» على القرارات المصيرية او حتى «التكتيكية»، فموازين القوى المؤثرة تبقى خارج المجلس التشريعي، والتجارب السابقة خير دليل على ذلك، فبعدما تنقلت «الاغلبية» بين معسكري 14 و8 آذار في ذروة التدخلات الإقليمية والدولية، كانت النتيجة «صفر». اما «الكارثة» الاقتصادية والمالية فوقعت، لان الجميع اما متورط او «ساكت» او غير معني بمعارك يعتبرها «هامشية»!
ولهذا يمكن القول ان «الجنازة حامية والميت كلب» كما يقول المثل المأثور، فلا حزب الله مع حلفائه يخوضون معركة مصير، ولا سلاح المقاومة في خطر، ولا المنافسين في المعسكر الآخر قادرون على احداث «الانقلاب» المطلوب منهم من الخارج، وباتت كل السفارات الغربية المهتمة مقتنعة ان الاستراتيجية السعودية «المتهالكة» اضعفت السنّة بعد «كسر» رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري ودفعه الى «الاعتزال»، ما ادى الى اضعاف العصب الرئيسي المعول عليه لمقارعة حزب الله. اما قوى المجتمع المدني فمجرد «مزحة سمجة» يتقاتل افرادها على سلطة ليست بايديهم اصلا، وأخفقوا في خلق البديل المطلوب. فيما التحالف «القسري» بين رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، فهو تحالف غير قادر على احداث «الزلزال» المأمول، وسقف طموحاته التقليل من الخسائر في عديد نواب كتلتي «الاشتراكي» «والقوات» المهددتين بخسارة «وازنة» نتيجة «تشرذم» صوت السنّة.
وفي الخلاصة، سيضاف الى المجلس العتيد بعض «البهارات» التي لا «تغني ولا تثمن عن جوع»، على الرغم من ان حزب الله سيضيف الى «حصته» تنويعة مشكلة من المجموعات الطائفية، ليتفرغ الجميع بعدها لمعركة رئاسة الجمهورية المحكومة بتوازنات خارجية، لا تمت بصلة الى موازين القوى في «ساحة النجمة»، وسيكون الحسم فيها للأقوى اقليميا، وهوية الرئيس تحددها خارطة المنطقة، ولا شيء آخر. اما حفلة الانقاذ الاقتصادية الموعودة على برامج الكتل المرشحة فمجرد «ضحك على الذقون»، لان محاربة الفساد ثقافة غير موجودة لدى احد، والكل متورط بنسبة ما، ولو ارادوا «لا سمح الله»، فصحوة الضمير جاءت متاخرة لانه لا توجد اي مقومات للنهوض، والاخطر ان ثمة من نجح عن»سابق تصور وتصميم» بربط مصير «الانقاذ» بطريق واحد هو»صندوق النقد الدولي»، ويسوّق لضرورة التنازل في ملف «الترسيم» البحري «كمعبر» وحيد لنيل الرضى الاميركي، والحصول على أموال «الصندوق»؟!
عند هذه النقطة، تتوقف مصادر مطلعة على المداولات بشأن الترسيم البحري، وتشير الى ان البعض «يهول» بوجوب عدم التشدد، لان المتغيرات في المنطقة ليست في صالح لبنان، وهو كلام ليس واقعيا او في مكانه، وحتى قمة النقب الاخيرة لم تكن الا مجرد قمة «للمأزومين» بحسب «الاعلام الاسرائيلي» نفسه الذي اقرّ عبر صحيفة «هارتس» انها «قمة على لا شيء» بين دول «مريضة» تعيش تحت الضغط وتخشى من ترك الولايات المتحدة للمنطقة، ونقلت عن وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن قوله للمشاركين في القمة: يجب عليكم التعايش مع ذلك والتعوّد عليه…!
هذا الضعف الاميركي يقلق «اسرائيل»، فبحسب صحيفة «اسرائيل اليوم» لن يتحرك شيء في ملف «الترسيم» دون ضغط اميركي. لكن في ظل وضع واشنطن هذه الأيام حيال بوتين وأوكرانيا والصين وإيران، ثمة شكوك كبيرة في قدرة الولايات المتحدة على استخدام ثقلها لإنهاء القضية. لكن وللمفارقة، فان «للصحيفة الاسرائيلية» روايتها حول اسباب العرقلة، «فإسرائيل اليوم» تنقل عن مسؤول «اسرائيلي» قوله : ان «الوسيط» الاميركي عاموس هوكشتاين أنزل اللبنانيين عن «شجرة» مطالبتهم بزيادة المساحة الى النقطة 29 ، واقترح على لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية عميقة، ألا تنتظر شركات الغاز الدولية التسوية، بل تبدأ بإنتاج الغاز وتوزعه بين الدولتين. لكن ما اسماه حروب «الانا» اللبنانية بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري «تعرقل» التفاهم.
ووفقا للرواية «الاسرائيلية»، «مستر الأنا» الأول هو»أنا» الرئيس ميشال عون الذي يريد أن ينهي القضية بسرعة، ويعزو الإنجاز لنفسه قبل نهاية ولايته بعد بضعة أشهر.»الأنا» الثانية هي لرئيس البرلمان نبيه بري الذي عالج المسألة قبل عقد من الزمن، وهو الذي تقدم للأمم المتحدة بالطلب اللبناني الذي تجرى المباحثات على أساسه، ونجح في إقناع الولايات المتحدة بجلب «إسرائيل» ولبنان إلى المحادثات في رأس الناقورة، ولا يريد للرئيس عون تحقيق «الانجاز» قبل رحيله. غير أن للرئيس عون خططاً اخرى، فقد أمسك بالخيوط ويريد الانجاز لنفسه، وعندما اصبحت التسوية أقرب من أي وقت مضى، تقول «اسرائيل اليوم»، تدخل بري مجددا وطالب بالعودة الى اتفاق الاطار!
وفي هذا السياق، تشير الصحيفة «الاسرائيلية» الى ان الاميركيين لا ينظرون الى «ألعاب الأنا» هذه بعين الرضى، وهم معنيون بإنهاء القضية مع عودة هوكشتاين إلى المنطقة قريبا، وهم يعتقدون ان حزب الله يضغط من «وراء الستار» لمطالبة لبنان بكامل المساحة التنازع عليها، وهو مطلب «سخيف»، برأيها لا يمكن للولايات المتحدة و»لإسرائيل» أن تقبل به. وفي تهديد مباشر للبنانيين تقول «اسرائيل اليوم» : إذا طالب لبنان كل المساحة لنفسه، فمسموح «لإسرائيل» ألا ترقص على «أنغام» حزب الله، وأن تبدأ بإنتاج الغاز في قسم من المساحة المختلف عليها والذي يفترض أن يكون لها». وهنا يبقى السؤال الجوهري في «ملعب» اللبنانيين، ماذا هم فاعلون اذا ما نفذت «اسرائيل» تهديداتها؟ هل ستتوقف «لعبة الانا» ويعاد الاعتبار الى الخط29؟ ام سنكون امام تنازلات جديدة لمصالح شخصية ضيقة في «زمن» الانتخابات «الهجينة» التي لا يعلو «صوت على صوتها»؟