معركة رفح الفاصلة
كتب يونس السيد, في “الخليج” :
مهما اختلفت الآراء بشأن الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح، المدينة الوحيدة في قطاع غزة التي لم يعلن غزوها رسميا حتى الآن، رغم أنها تعيش بين القصف اليومي والتهديد بالاجتياح الشامل، فإنها ستبقى عنواناً لمعركة فاصلة تدور رحاها بين إرادتين تسعى كل منهما لكسر إرادة الطرف الآخر.
يتحدث الجميع عن اجتياح رفح كحقيقة واقعة، وهي قد تكون كذلك بالفعل، لكن الجميع أيضاً ينظر إليها من زاوية الخشية من وقوع كارثة إنسانية لاحتضانها أكثر من مليون ونصف المليون نازح لا يوجد خطة حقيقية لإجلائهم عن المنطقة، وفق الرؤية الأمريكية. أما من وجهة النظر الإسرائيلية، فالأمر يتعلق بما يسميه القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون «الضغط العسكري» لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين، وتحقيق أهداف الحرب بالقضاء على الفصائل الفلسطينية، وإعلان النصر الحاسم الذي لطالما تحدث عنه نتنياهو. وفي سياق تحقيق هذه الأهداف يأخذ هؤلاء القادة، في الواقع العملي، رفح وكل من فيها رهينة، من دون الاكتراث لا بالضغوط الدولية الرافضة للاجتياح ولا بأرواح المدنيين، وسواء تم التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى أم لا، فإن عملية الاجتياح ستبقى على الأجندة، لكن هناك حساسية شديدة ناشئة أساساً عن مخاوف من تهجير مئات آلاف الفلسطينيين إلى سيناء، وهي مسألة ترفضها مصر بشدة ومعها المجتمع الدولي. ناهيك عن إمكانية احتلال محور فيلادلفيا وعزل القطاع نهائياً عن العالم الخارجي. ومع ذلك، لن تكون عملية الاجتياح مجرد نزهة للجيش الإسرائيلي، الذي سيمارس بالتأكيد هوايته المفضلة في القتل والتدمير، وإن كانت المؤشرات تشي بأنه سيمنى بخسائر باهظة قد لا يقوى على احتمالها.
في الواقع العملي لا بد من الإشارة إلى، أن الجيش الإسرائيلي، الذي يعد بين الأقوى والأحدث في العالم، لم يتمكن بعد سبعة شهور من الحرب من تثبيت احتلاله في أي من المناطق التي اجتاحها في قطاع غزة، ولا أحد يعلم ما إذا كانت هنالك مفاجآت، لكن تقديرات الخبراء والمحللين تشي بإمكانية أن يفجر اجتياح رفح المنطقة بكاملها، بمعنى أن يؤدي إلى توسيع رقعة الحرب في الإقليم على نحو لا يمكن التكهن بنتائجه. أكثر من ذلك، هنالك من يرى من الجنرالات الإسرائيليين السابقين، مثل اللواء في الاحتياط يسرائيل زيف، والجنرال المتقاعد يتسحاق بريك، أن اجتياح رفح لن يكون على غرار خان يونس وبقية مدن القطاع، ولن يؤدي إلى انهيار الفصائل الفلسطينية، وإنما قد يوقع الجيش الإسرائيلي في «كمين استراتيجي» أعدته هذه الفصائل، وسيورط إسرائيل مع العالم كله، وسيلغي كلياً قدرة إسرائيل على التخلص من الرمال المتحركة. بهذا المعنى، فإن اجتياح رفح لن يحقق أهدافه، بقدر ما سيفقد إسرائيل آخر الأوراق التي تهدد بها، ويترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام صراع الإرادات حول اليوم التالي للحرب.