رأي

معرفة “الحزب” بالصواريخ “الفالتة” وعدم معرفته كارثة!

سركيس نعوم – النهار

في البداية لا بدّ من الإشارة الى أن التطرّق في “الموقف هذا النهار” يوم أمس الى الأمور الثلاثة التي طلب الرئيس الراحل #حافظ الأسد من “#حزب الله” مراعاتها أو التقيّد بها، وهي عدم القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل قبل إطلاع دمشق عليها وعلى خطتها التنفيذية وانتظار موافقتها. وهي ثانياً عدم السماح لأيّ فريق في الداخل باستثنائه هو، فلسطينياً كان أو لبنانياً أو… بالقيام بأيّ عملية ضدّ إسرائيل من لبنان. وهي ثالثاً إبقاء العين مفتّحة على المخيّمات الفلسطينية ومسلّحيها بتنظيماتهم المتعدّدة تلافياً لاستعادتهم دوراً متقدّماً في الكفاح ضدّ إسرائيل ودوراً مهماً في السياسة اللبنانية وربما العربية. لا بد من الإشارة الى أنها لا تعكس “حنيناً” الى الوجود السياسي والأمني والعسكري السوري في لبنان الذي انتهى بانسحاب سريع تنفيذاً لقرار مجلس الأمن. صحيح أن اللبنانيين بقسم كبير منهم لم ينظروا الى التدخل الأمني السوري في لبنان قبل عام 1975، ومضافاً إليه العسكري بعدها وحتى انتهاء الحروب الأهلية وغير الأهلية في البلاد عام 1990، بارتياح لأنه رعى حرباً أهلية وغير أهلية حقّقت له أهدافه سنوات طويلة. لكنهم بعد إيكال العرب والأميركيين الى الأسد الراحل تطبيق اتفاق الطائف وإنهاء الحرب وحلّ الميليشيات وإعادة بناء الدولة ومؤسّساتها، رحّبوا بدوره أولاً لأنهم أرادوا التخلّص من عنف الحروب والقذائف والقتل والخطف. كما لأنهم اعتقدوا أن السعودية وأميركا ستساعدانهم في التخلّص من الوجود السوري المذكور بعد إنجاز المهمة فضلاً عن أن “العروبيين” منهم والتقدّميين ظنوا أن الدور السوري الرسمي المقبول بل المطلوب دولياً سيسمح لهم بالتحرّك والعمل السياسي في حرّية. علماً بأن العلمانيين من اللبنانيين ظنّوا أن سوريا علمانية استناداً الى تخصيص الغرب بدوله كلّها نظامها بهذه الصفة، وانتظروا منه خطوات تضعف الطائفية والمذهبية ثم تلغيهما وأخرى تضعف الإقطاعيين وزعاماتهم المتجذّرة وتفتح باب العمل السياسي الوطني اللبناني والعروبي في إطار من الحرية والاحترام المتبادل. لكن ذلك كله لم يتحقّق بل تحقّق عكسه، إذ لا اتفاق الطائف نُفّذ، والإقطاع تجذّر، والطائفية فرّخت الى جانبها المذهبية، وأُضعفت الحريات وعمّت ثقافة الفساد في البلاد.

لا بدّ من الإشارة أيضاً الى أن التذكير بالأمور الثلاثة نفسها لا يرمي الى إنكار استمرار التزام “حزب الله” بها. لكن الفرق بين الأمس السوري في لبنان والحاضر “الحزباللهي” هو أن “الحزب” استحوذ على الدور السوري في لبنان ونفّذ الأمور الثلاثة المذكورة ولكن في صورة استنسابية ولا سيما بعدما صار هو اللاعب المحلّي الأول واللاعب الإقليمي الأول أيضاً. صحيح أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية حلّت مكان سوريا فيه لكن تعاملها الطويل مع “الحزب” بعد تأسيسها له ورعايتها المستمرّة ولّد عند كبار المسؤولين فيها ثقة كبيرة به قيادةً ومؤسّسات وكوادر ومقاتلين وأفراداً. وبدلاً من أن يكون هو منفّذ قرار الخارج وإن حليفاً صار شريكاً له، علماً بأنه في أحيان كثيرة يعترف ولا يزال بوصفه صاحب القرار نظراً الى الثقة المشار إليها. هذا كله صحيح، لكن في موضوع عودة الفلسطينيين الى العمل المسلّح ضدّ إسرائيل انطلاقاً من لبنان فإن القرار لا يمكن إلّا أن يكون مشتركاً بين “الحزب” ومرجعيته في طهران وهي الوليّ الفقيه بواسطة “الحرس الثوري”. هذا الاشتراك هو الذي قرّب “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيين وربما غيرهما من إيران وصارا جزءاً من استراتيجيتها الفلسطينية – الإسرائيلية. كما صارت مهمة “حزب الله” إعداد التنظيمين وغيرهما ليسيرا على دربه في مقاومة إسرائيل.

طبعاً قد لا يحب اللبنانيون ذلك لكنهم يعرفونه أو يعترفون به. لكن ما لا يحبّونه هو ترك “الحزب” المجال لفلسطينيين معيّنين لإطلاق صاروخ أو اثنين قديمين على إسرائيل من أرض لبنانية جنوبية قد تكون مهجورة، اعتقاداً منه أن إسرائيل تعرف ذلك وأنها تالياً لن ترد عليه وعلى لبنان كلّه معه. لكن ماذا يحصل لو أن الصاروخين أصابا منزلاً وقتلا المقيمين فيه من رجال ونساء وأولاد، أو مدرسة وقتلا عدداً من التلامذة؟ وهل ستسكت إسرائيل عن ذلك؟ أم ستكتفي بضرب مخيّمات فلسطينية كما كانت تفعل في السنوات العتيقة. وماذا سيكون ردّ فعلها إذا ردّ أبناؤها على القصف بالقصف؟ وماذا يكون رد فعل “حزب الله” وخصوصاً إذا طاول القصف قرى جنوبية ومدنيين لبنانيين؟ فهل يردّ وتندلع الحرب؟ طبعاً يعرف اللبنانيون أن “الحزب” لا يخشى الحرب وأنّ الضرر الذي سيلحقه بإسرائيل في حال حصولها سيكون ضخماً. لكن ماذا عن الضرر الذي سيلحق بلبنان وشعبه فيه؟

السؤال المهم الذي يُراود البعض هنا هو: بعدما حلّت إيران الإسلامية مكان سوريا الأسد في لبنان، هل ستطلب من ابنها “حزب الله” التزام “الأمور الثلاثة” المذكورة في “الموقف هذا النهار” اليوم وأمس أم تتركه يواجه إسرائيل وحده وتكتفي بدعمه السلاحي والمالي والإعلامي والسياسي؟ وهل تستطيع هي إرسال قسم كبير من جيشها أو من “حرسها الثوري” الى لبنان لمساعدته في الحرب على إسرائيل؟ علماً بأن قادتها وعلى رأسهم كبيرهم قالوا أكثر من مرة إن التزامهم مساعدة الفلسطينيين لاسترجاع بلادهم ثابت، لكن هذا أمرٌ يجب أن يقوم به الفلسطينيون أصحاب البلاد والأرض وليس إيران. فهل يسري هذا الالتزام على “حزب الله” ولبنان؟

في أيّ حال، ليس القصد من هذه المقالة التحريض على الفلسطينيين في لبنان ولا اتهام “حزب الله” بغضّ النظر عن تصرّفات طائشة لهم أو لغيرهم قد تجرّه وشعبه وبلاده الى حرب، بل هو لفت الجميع الى أن المرحلة الراهنة في المنطقة هي الاستعداد للأصعب من دون الوصول إليه. فإسرائيل تنظر بحذر وقلق الى مفاوضات فيينا بين أميركا وإيران وتتمنى حرباً تنجرّ إليها إيران ضدّها وأميركا معها. وليس ذلك في مصلحة إيران ولا “حزب الله” ولبنان. فهل يوقف “حزب الله” “التطنيش” عن الصواريخ الفلسطينية التي قد يزداد إطلاقها على إسرائيل، أو ينتبه الى أنهم سيبدأون مرحلة “كفاح مسلح” جديد في لبنان ومنه؟ ومعرفته ذلك وتطنيشه عليه كارثة وعدم معرفته كارثة أكبر.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى