معاهدة حظر الاختفاء القسري

تُعد معاهدة حظر الاختفاء القسري من بين المعاهدات الدولية الهامة التي تسعى إلى حماية حقوق الإنسان والحد من ممارسات تعتبر تهديدًا للكرامة الإنسانية. أقرت هذه المعاهدة تحديدًا للحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي، من خلال محاربة ظاهرة الاختفاء القسري التي تمس أرواح الأفراد وتتسبب في معاناة لا تُعد ولا تُحصى.
تم اعتماد معاهدة حظر الاختفاء القسري في كانون الاول 2006، وهي نتاج للجهود الدولية الرامية إلى مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة. بدأت الحاجة إلى هذه المعاهدة بالتسارع في ظاهرة الاختفاء القسري وتفاقمت الأوضاع الإنسانية التي أدت إلى الدعوة إلى اتخاذ إجراءات فعّالة لحماية حقوق الأفراد. فعلى ماذا تنطوي هذه الاتفاقية عموما؟
إن الاتفاقية أولى معاهدة عالمية تعرّف الاختفاء القسري وتحظره. ويأتي الاختفاء القسري معرفا بإيجاز على أنه أي اختطاف أو حرمان من الحرية تنفذه سلطات الدولة على شخص ويتبعه رفض تلك السلطات الكشف عن مكان وجود الشخص أو مصيره. وسعيا إلى حظر الاختفاء القسري، تغطي الاتفاقية الجوانب الرئيسية الأربعة التالية:
مكافحة الإفلات من العقاب
تُلزم الاتفاقية الدول بإحالة مرتكبي جريمة الاختفاء القسري إلى العدالة. ويجب أن تشمل هذه التدابير الأشخاص الذين يمارسون الاخفاء القسري على أراضيهم بالإضافة إلى حالات بيان الجرم في حدود ولايات قضائية أخرى: وفي تلك الحالات، تكون الدول ملزمة بمحاكمة المتهم بارتكاب الجريمة أو تسليمه، حتى لا يفلت أحد من حكم العدالة.
إجراءات وقائية
تنص الاتفاقية على عدد من الضمانات الإجرائية للحيلولة دون اختفاء الأشخاص، من بينها ضرورة الإبقاء على كل شخص محروم من حريته في مكان رسمي، وتقييده في سجل، وتسجيل كل تنقلاته. والأهم من ذلك أنها تنص على لزوم السماح لكل محروم من حريته بأن يكون على صلة بالعالم الخارجي، وأن يكون خاصة على اتصال بعائلته ومستشاره القانوني، كما يكون للعائلة والمستشار القانوني حق الحصول على معلومات عن الاحتجاز ومكان وجود الشخص. ونظرا إلى خبرة اللجنة الدولية الطويلة في مجال الوقاية، شاركت عن كثب في صياغة هذه الضمانات.
حقوق الضحايا
إن هذه الاتفاقية هي الأولى التي تقر بأن مفهوم ضحايا الاختفاء القسري لا يقتصر على المختفين فحسب بل يشمل أقرباءهم أيضا. وتعترف بحق العائلات في معرفة مصير أقربائها وحق ضحايا الاختفاء القسري في التعويض عن الضرر الذي ألمَّ بهم.
الدخول حيز التنفيذ
تنص الاتفاقية على إنشاء لجنة دولية مكونة من عشرة خبراء مستقلين يعملون على رصد مدى الامتثال للاتفاقية. ومن المقرر أن يتلقى هؤلاء الخبراء تقارير من الدول بشأن رصد الامتثال لها ك ما يمكن لهم استلام شكاوى فردية. وفضلا عن ذلك تأخذ الاتفاقية في الحسبان إجراء الأمر بالإحضار الذي يعطي الأقرباء وذوي الشأن الذين يعتقدون أن شخصا ما قد اختفى قسراً، حق الرجوع إلى اللجنة الدولية مباشرة. وإذا كانت الشكوى موثقة تطلب اللجنة من الدولة البحث عن الشخص المختفي وتحديد مكانه.
ما هي الأطراف الأخرى التي شاركت في صياغة الاتفاقية؟
في الأول، كانت بعض جمعيات أمريكا اللاتينية لعائلات ضحايا الاختفاء القسري قد طالبت في عام 1981 بصياغة اتفاقية دولية. ولم يخرق هذا الطلب أجهزة الأمم المتحدة إلا بعد مضي خمسة وعشرين عاما. وكانت الدول بطبيعة الحال الجهات الفاعلة الرئيسية في المفاوضات لأنها هي الأطراف الملزمة بنص الاتفاقية. ومن الضروري الإشارة إلى أن جمعيات العائلات التي أتت من قارات أخرى فضلا عن أمريكا اللاتينية، كانت حاضرة طوال عملية الصياغة وكان لحضورها في القاعة خلال صياغة النص أثر مهم في الوثيقة المنبثقة.
ماذا تضيف هذه الاتفاقية من جديد إلى الصكوك القانونية الدولية الأخرى الموجودة حاليا؟
إنها الاتفاقية الأولى التي تحظر الاختفاء القسري بصراحة. كان يُنظر إلى الاختفاء القسري إلى غاية الآن على أنه انتهاك لبعض الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات لا غير، مثل التحرّر من التعذيب، والحق في الحرية أو الحق في الحياة. لكن الاختفاء القسري يفوق كل هذه الجوانب المختلفة. إذ أنه يتميّز بجانب محدد وهو الحرمان، أي حرمان العائلات من الحصول على معلومات عن ذويها. والاتفاقية تقرّ هذا الجانب لأنها ترى في الاختفاء القسري انتهاكاً لحق في حد ذاته. ويتناول نص الاتفاقية بالإضافة إلى ذلك، عددا من القواعد الملزمة الجديدة التي لم تكن واردة في أية معاهدة تتعلق بحقوق الإنسان من قبل.
هل ستساعد هذه الاتفاقية على منع الاختفاءات القسرية على أرض الواقع؟
لا يمكن لأية معاهدة دولية على أرض الواقع أن تساعد على تنفيذ حقوق الإنسان إلا إذا كانت نافذة على مستوى القانون الوطني والممارسات وعندما يبدأ العمل بها. إذاً المعاهدة وحدها لا تكفي. ومن الضروري أن تكون الخطوة التالية الآن هي التصديق عليها وتنفيذها. والتنفيذ يعني شيئين: فمن جهة، على الدول أن تسن نصوصا تشريعية وطنية حتى تكون لديها الأدوات القانونية اللازمة لتطبيق الاتفاقية. فيتعين على الدول مثلا أن تدرج الاختفاء القسري كجريمة في قانونها الوطني وإلا لا تستطيع محاكمة مرتكبي الجريمة. وثانيا، على الدول اتخاذ تدابير عملية مثل توفير التدريب اللازم للموظفين لديها والأهم من ذلك، إحالة مرتكبي الجريمة إلى العدالة بصورة منتظمة. ويتطلب هذا الأمر إرادة سياسية. فالاتفاقية هي مقياس قانوني دولي موضوعي الهدف منه المساعدة على إرساء قاعدة لمكافحة الاختفاء القسري عند وجود الإرادة السياسية.