رأي

مطرقة ترامب وسندان بايدن

كتب مفتاح شعيب في صحيفة الخليج:

يكثف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضغطه على خصمه الديمقراطي جو بايدن بالتهديد والتأنيب والسخرية، ويتوعد بقلب سياساته رأساً على عقب إذا هزمه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وعاد إلى البيت الأبيض العام المقبل. وليس من الصدفة الضجة المدوية التي أحدثتها مقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصحفي الشهير تاكر كارلسون، فقد جاءت هذه المقابلة في توقيت أمريكي قاتل، يتبلور فيه وعي جديد، وأوروبي حرج جداً يشهد مراجعات جذرية.

لا حديث في الإعلام الغربي، هذه الفترة، إلا عن ترامب، وهو يفرد عضلاته السياسية، ويمعن في التهديد والوعيد لكل حلفاء بايدن، وخصوصاً في دول حلف شمال الأطلسي «الناتو»، إذ لم يستبعد أن يشجع روسيا على مهاجمة دول الحلف التي لا تفي بالتزاماتها المالية لواشنطن. وهذه النبرة تتشاءم منها الدول الأوروبية، التي تعيش معاناة وجودية غير مسبوقة، ولم تعد واثقة من أنها ستنجو من التقلبات العالمية العاتية. أما تلويح ترامب بأنه سيشجع روسيا على «غزو» دول أوروبية، فمجرد أداة للضغط، وليس لأن بوتين يعمل عنده، فلموسكو مصالح واستراتيجيات، وقد كانت صادقة، غير مرة، في أنها لا تريد التحرش بالدول الأوروبية، وحتى تلك التي تطاولت عليها على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا.

البيت الأبيض وقع في الفخ مبكراً، وأخذ تصريح ترامب على محمل الجد، ورد عليه بالقول، إن «التشجيع على غزو أقرب حلفائنا أمر مروّع ومجنون»، ووسط هذا التراشق لا تغيب الدعاية الانتخابية، فالملياردير الجمهوري يرفع شعار «أمريكا أولاً»، والرئيس الديمقراطي يقول، إنه يعمل على تعزيز القيادة الأمريكية للعالم، وكلاهما يريد لهيمنة الولايات المتحدة أن تستمر، وإن اختلفا في التعبير عن ذلك، وكلاهما أيضاً مقتنع، في سريرته، بأن الأوضاع العالمية لم تعد تسمح بذلك، وأن النظام الدولي يتغير وتولد معه توازنات جديدة.

الصراع الدائر بين ترامب وبايدن يضع الولايات المتحدة بين مطرقة الأول وسندان الثاني، وهو ليس مجرد تنافس سياسي بين رجلين يطمح كل منهما إلى أن يقود البيت الأبيض أربع سنوات، ولكنه في جوهره تعبير عن مخاض عسير تعيشه الولايات المتحدة، وتأكيد لوجود أزمة عميقة في داخل هذا العملاق الأمريكي الذي يشهد انقسامات تاريخية، قد يشبّهها البعض بما شهده الاتحاد السوفييتي في السنوات الأخيرة قبل انهياره، على الرغم من أن وجه الشبه بين الدولتين ليس دقيقاً؛ لأن الولايات المتحدة، مهما ضعفت، فسيبقى لديها من مقومات القوة والنفوذ، لكنها لن تستطيع فرض إرادتها على القوى الصاعدة مثل روسيا والصين. ولذلك هناك توجه يدفع باتجاه فتح القنوات والحوار مع الخصوم وليس الصدام معهم. وصدق هذا التوجه سيتضح في الولاية الرئاسية المقبلة، مهما كان الرئيس.

أما إذا جاء ترامب فإن الصورة ستكون أوضح، ورغم تصريحاته النارية وتهديداته غير المألوفة، فإن هذا الرجل لا يمتلك القدرة على تنفيذ وعوده، ولكنه سيكون عنوان مرحلة في التاريخ الأمريكي تؤكد أن هذه القوة ستخضع مضطرة للتقلبات الدولية القاهرة، وتقبل بأن هناك شركاء لا غنى عن التعاون معهم بدل الصراع والصدام.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى