اقتصاد ومال

مطالبة العمال الأوروبيين بأجور أعلى تثير مخاوف «المركزي» الأوروبي

الزيادات في الرواتب قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم

يأمل العمال في أوروبا أن تساعد جولة الأجور هذا العام في استعادة المداخيل التي تآكلت بفعل ارتفاع الأسعار، لكن التعزيز المتوقع لقدرتهم الشرائية قد يعرقل جهود المصرف المركزي الأوروبي لإعادة التضخم إلى المستوى المستهدف.

ويتوقع «المركزي الأوروبي» نمو الرواتب في جميع أنحاء منطقة اليورو بنسبة 4.6 في المائة هذا العام، وهو ما يزيد بكثير عن وتيرة 3 في المائة التي تعدُّها متسقة مع التضخم عند هدفه البالغ 2 في المائة، وفق «رويترز».

وتشكل تسويات الأجور المرتفعة خطراً على تخفيضات أسعار الفائدة التي تراهن الأسواق المالية على أنها ستبدأ في أبريل (نيسان).

وقال الخبير الاقتصادي في المصرف المركزي الآيرلندي وأحد العقول التي تقف وراء أداة تعقب الأجور الشهيرة، ريموند ليدون في مقابلة: «نرى طريقاً إلى 3 في المائة (نمو الأجور) لكنه سيكون طريقاً وعراً».

وتؤدي الزيادات في الأجور إلى زيادة التكاليف التي تتحملها الشركات وتعزز دخل الأسر، وكلاهما من العوامل التي قد تدفع الأسعار إلى الارتفاع وتتطلب من «المركزي الأوروبي» إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة.

وترى النقابات أن مزيجاً من التضخم البطيء تدريجياً، وانخفاض معدلات البطالة، وهوامش أرباح الشركات الضخمة هو أفضل وربما آخر فرصة لهذه الدورة الاقتصادية لاستعادة مستويات معيشة العمال.

وبعد أن شهد العمال في أوروبا انخفاضاً في أجورهم الحقيقية بنسبة 5 في المائة خلال عامي 2022 و2023، أصبحوا الآن أكثر استعداداً للقتال من أجل الحصول على زيادات. وقد أدى ذلك إلى سلسلة من الإضرابات في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك إضرابات العمال في شركتي «تسلا» و«أمازون».

وعلى النقيض من الولايات المتحدة، لا توجد بيانات الأجور في الوقت الحقيقي لمنطقة اليورو المكونة من 20 دولة. لكن أداة تعقب الأجور بالفعل، التي تقيس الرواتب المعلن عنها على هذا الموقع، تخضع لمراقبة وثيقة من قبل المصرف المركزي الأوروبي كمؤشر للاتجاهات المستقبلية. وارتفع في ديسمبر (كانون الأول) إلى 3.8 من 3.7 في المائة، على الرغم من أن ذلك كان أقل بكثير من الذروة البالغة 5.2 في المائة المسجلة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، عندما كان التضخم في ذروته.

وقال ليدون من الواقع إن الزيادة في ديسمبر كانت مدفوعة على الأرجح بصفقات الأجور الجديدة، وهو تأثير رأوا أنه سيستمر حتى أوائل عام 2024 مع إبرام المزيد من الاتفاقيات وبدء زيادات الحد الأدنى للأجور.

وتشير البيانات إلى أن العمال في أوروبا يحققون بعض النجاح في مطالباتهم. على سبيل المثال، ارتفعت الأجور بنسبة 4.5 في المائة للموظفين في متاجر «إيكيا» الإسبانية، و5 في المائة في شركة الطاقة الفرنسية «توتال إينرجيز»، و6.6 في المائة لعمال السكك الحديدية الهولنديين. وارتفع الحد الأدنى لسعر الساعة لسائقي «أوبر» الفرنسيين بنسبة 17.6 في المائة. وفي الوقت نفسه، تم رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 3.4 في المائة في ألمانيا، و3.8 في المائة في هولندا، و5.0 في المائة في إسبانيا.

عودة نمو الأجور الحقيقية في أوروبا

قال الأستاذ في معهد «ماكس بلانك» لدراسة المجتمع في كولونيا بألمانيا، مارتن هوبنر: «كل شيء يشير إلى العودة إلى نمو الأجور الحقيقية».

وبتشجيع من نقص العمالة الذي بدأ للتو في التراجع، تأمل النقابات العمالية في عكس اتجاه انخفاض العضوية الذي تسارع مع العولمة في التسعينات.

ويطالب الموظفون في مجموعة الطاقة الفرنسية المملوكة للدولة «إي دي إف» بزيادة في الأجور بنسبة 6 في المائة وإلا فسوف يقومون بالإضراب، في حين رفض بعض عمال السكك الحديدية الألمان زيادة بنسبة 11 في المائة، موزعة على الوقت، لأنهم يريدون أسبوع عمل أقصر.

ونظم بعض عمال «أمازون» في إسبانيا إضرابات خلال موسم العطلات الحاسم، وواجهت شركة «تسلا» حصاراً في دول الشمال بهدف إجبارها على التوقيع على اتفاقية مساومة جماعية في السويد.

وقال الباحث في معهد النقابات العمالية، تورستن مولر: «في الوقت الحالي، من الواضح أن الظروف الاقتصادية مواتية لتعزيز الموقف التفاوضي للنقابات».

لكن لوسيو باكارو، وهو أيضاً أستاذ في معهد «ماكس بلانك»، قال إن «تشديد الأجور» يمكن أن يأتي بنتائج عكسية إذا دفع «المركزي الأوروبي» إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة للحد من الطلب.

وأضاف: «إذا انقطعت دوامة الأجور والأسعار، أو إذا كان (المركزي) يخشى حدوث ذلك، فسوف يتدخل لتهدئة الاقتصاد».

ودعا باكارو إلى زيادات أصغر ولكن معفاة من الضرائب ولمرة واحدة مثل تلك التي نشرتها ألمانيا، التي من المقرر أن تنتهي في نهاية هذا العام، مضيفاً أنه يمكن تمويلها من خلال الضرائب على أرباح الشركات الزائدة.

وحتى الآن لا توجد علامات تذكر على وجود دوامة في الأجور والأسعار، كما أشار عضو السياسة في «المركزي الأوروبي» ماريو سينتينو.

ويتوقع أغلب الاقتصاديين أن تستوعب الشركات تكاليف الأجور المرتفعة هذه المرة – وخاصة بسبب التوقعات العامة الراكدة للاقتصاد الأوروبي.

وقال الأستاذ في جامعة «غينت»، ماتياس فيرميرين: «بالنظر إلى أن الطلب الكلي يعاني الآن من انخفاض أكبر مما كان عليه في 2022-2023 بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، فقد تكون الشركات أكثر استعداداً للسماح بحدوث ذلك لتعزيز المبيعات».

لكن تسويات الأجور الأخيرة عززت ثقة المستثمرين في أن نمو الأجور المرتفعة موجود ليبقى. ومع تزايد الحمائية التجارية، مما يحد من قدرة الشركات على الوصول إلى أسواق العمل الرخيصة، فإن هذا يشير إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.

وقال مدير محفظة الأسهم الأوروبية في شركة «جانوس هندرسون»، توم أوهارا: «إن حزب العمال يأخذ حصة أكبر من الكعكة مرة أخرى. إن العمل وما يرتبط به من تراجع عن العولمة هما من أقوى الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن التضخم مستمر بطريقة تعني أن أسعار الفائدة لا يمكن أن تعود إلى الصفر».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى