رأي

مضامين ودوافع اتفاق الدفاع المشترك السعودي- الباكستاني

كتب د. صلاح الغول, في الخليج:

في تطور استراتيجي ذي دلالات عميقة، وقد يمثل نقطة تحول للمشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وقع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، في الرياض، في 17 سبتمبر 2025، اتفاقاً دفاعياً استراتيجياً مشتركاً.
ينصّ الاتفاق على أن أي اعتداء على أحد البلدين يعد اعتداء على الآخر، ويهدف إلى تطوير التعاون الدفاعي وتعزيز الردع المشترك في مواجهة أي تهديد محتمل. ويشمل الاتفاق جميع الوسائل العسكرية، ما يعني توفير «مظلة نووية» باكستانية للسعودية، إلى جانب تبادل المعلومات الاستخباراتية، ويتضمن التعاون في مجالات الصناعات الدفاعية، ونقل التكنولوجيا، والإنتاج العسكري المشترك، وبناء القدرات. ومن المتوقع أن يشمل الاتفاق أيضاً تدريبات عسكرية مشتركة، وإنشاء قواعد أو مراكز دعم لوجستي، وصفقات تسليح متقدمة.
والواقع أن الاتفاق يُعد تتويجاً لشراكة تاريخية ممتدة لنحو ثمانية عقود بين السعودية وباكستان، بدأت ب «معاهدة الصداقة» عام 1951، وتطورت عبر روابط أمنية وثيقة، واعتماد اقتصادي متبادل، فضلاً عن روابط دينية وثقافية راسخة. وبصفة خاصة، ترتبط الدولتان بتاريخ طويل من التعاون العسكري، توّج بتوقيع بروتوكول دفاعي عام 1982، يوسّع نطاق التعاون الدفاعي بين البلدين، ويتيح تمركز القوات الباكستانية في المملكة لأغراض دفاعية وتدريبية، إلى جانب التصنيع والمشاركة الدفاعية والتدريبات المشتركة.
وتنبع أهمية الاتفاق السعودي- الباكستاني من توقيته، إذ يأتي الاتفاق بعد أقل من أسبوع على الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في 9 سبتمبر/أيلول الجاري، بهدف اغتيال قادة حماس، وتهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باستهداف قادة حماس «أينما وُجِدوا» في المنطقة، وتصريحاته عن «إسرائيل الكبرى» التي تضم أراضٍ سعودية، وفي ظل إطلاق عملية برية إسرائيلية لاحتلال مدينة غزة.
وقد أفضت التطورات الإقليمية، منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، إلى تنامي المخاوف السعودية- الباكستانية من أجندة إسرائيل الإقليمية، وسلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة والمهّدد لأمن دولها. علاوة على ذلك، من أهم دوافع إبرام الاتفاق هو سعي السعودية إلى تعزيز أمنها في مواجهة أية تهديدات إسرائيلية أو إيرانية، بينما تبحث باكستان عن حلفاء يُمكِّنونها من ردع الهند.
ومن أهم الدوافع السعودية لإبرام الاتفاق هو أن الهجوم الإسرائيلي على قطر أفضى إلى مزيد من تراجع الثقة بالضمانات الأمنية الأمريكية لأمن الخليج، وربط واشنطن توقيع اتفاق للدفاع المشترك مع السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، ورغبة الرياض في تنويع خياراتها وشراكاتها الأمنية خارج المظلة الأمريكية.
على الجانب الآخر، ثمة قلق باكستاني من تعاظم التعاون العسكري بين إسرائيل والهند. وبالنسبة لباكستان، فإن التحالف مع قوة اقتصادية كبيرة، مثل السعودية، يتضمن فوائد اقتصادية عدة.
يوفر الاتفاق الدفاعي للسعودية قدرة ردع مباشرة للخصوم الإقليميين. وعن طريق تعميق الروابط مع باكستان، الشريك الوثيق للصين، تمنح السعودية نفسها هامشاً أكبر للمناورة الاستراتيجية، وتدعم استقلالية سياستها الدفاعية على المدى الطويل، وتؤكد أنها تمتلك شركاء دفاعيين إضافيين إلى جانب الولايات المتحدة. ومع ذلك، من غير المرجح أيضاً أن يحل الاتفاق مع باكستان محل الوجود الأمريكي في المنطقة، لكنه يبعث برسالة إلى الولايات المتحدة مفادها بأن دول الخليج تبحث عن أمنها مع فاعلين آخرين. وقد أفادت التقارير بأن السعودية أبلغت الولايات المتحدة بشأن اتفاق الدفاع مع باكستان قبل الإعلان عنه.
علاوة على ذلك، يوفر الاتفاق فرصاً للسعودية لتنويع مصادر السلاح وتقليل الاعتماد الأحادي على الولايات المتحدة، ما يمنحها خيارات سياسية ودبلوماسية أوسع. كما يتيح الوصول إلى خبرات وكفاءات عسكرية (باكستانية وصينية)، وتبادل التدريبات ونقل التكنولوجيا، والتنسيق الاستخباراتي، ما قد يعزز جاهزية القوات المسلحة السعودية ويوسع التعاون الدفاعي، لاسيما في مجال الصواريخ الباليستية.
وتتطلع السعودية أيضاً إلى دعم باكستان في برنامج الطاقة النووية للأغراض السلمية، الذي يُخطط له ضمن جهود تنويع مصادر الطاقة في إطار «رؤية 2030». وقد سعت السعودية خلال السنوات الأخيرة للحصول على دعم أمريكي لتطوير برنامج مدني للطاقة النووية، وامتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، غير أن الولايات المتحدة لم توافق على تزويدها بمظلة نووية أو برنامج نووي مدني. كما يعزز الاتفاق موقع السعودية في النظام الإقليمي والدولي، بوصفها قوة إقليمية قادرة على تشكيل توازنات أمنية جديدة.
وبالنسبة لإسلام آباد، يمثل الاتفاق فرصة استراتيجية كبيرة، إذ يعيد للباكستانيين تأكيد مكانتهم كون بلادهم الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي تمتلك السلاح النووي، ويعزز دورها كشريك أمني تقليدي للرياض. كما يسهم الاتفاق في تعزيز قول باكستان إنها لاعب محوري في الجغرافيا السياسية الإسلامية، ويضمن لها شرياناً مالياً سعودياً حيوياً في وقت يشهد فيه اقتصادها هشاشة بالغة وتحديات مالية متعددة.
علاوة على ذلك، يسعى الاتفاق إلى تقوية موقف باكستان في مواجهة الهند، عبر توفير دعم سياسي وعسكري غير مباشر، وزيادة الدعم العربي لإسلام آباد على مختلف الصعد، بما يعزز قدرتها على موازنة نفوذ القوى الإقليمية. كما يفتح الاتفاق المجال لتعميق التعاون في مجالات التدريب العسكري ونقل التكنولوجيا، والتنسيق الاستخباراتي، ما يعزز جاهزية القوات الباكستانية ويتيح لها توسيع شبكاتها الدفاعية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى