شؤون دولية

مصير «العرض النهائي» ما زال غامضاً رغم اللقاء «المثمر للغاية» بين ترمب وزيلينسكي

الرئيس الأميركي يتشكك برغبة بوتين في إنهاء الحرب بأوكرانيا… وقد يفرض المزيد من العقوبات على روسيا

حتى الآن، لا يزال من المتعذَّر، ما لم يكن من غير المتوقَّع، أن تكون خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وفريقه لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد حصلت على موافقة الطرفين، والتمهيد إلى تحقيق دعوة ترمب بعقد لقاء قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي. يوم الجمعة، أشاد ترمب بما حققه مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف في اجتماعه بالرئيس بوتين، حين كتب في منشور بحسابه على موقع «تروث سوشيال» أنه بعد «يوم جيد من المحادثات والاجتماعات مع روسيا وأوكرانيا»، فإنهم «قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق، وينبغي على الجانبين الآن الاجتماع، على مستويات رفيعة جداً، لإتمامه».

رغم ذلك، قال الرئيس الأميركي إنه يشك في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرغب في إنهاء حربه بأوكرانيا، معرباً عن تشككه مجدداً في إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام قريباً.

وذكر ترمب، في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أثناء عودته إلى الولايات المتحدة، بعد حضور جنازة البابا فرنسيس، أنه «لا يوجد أي مبرر لإطلاق بوتين الصواريخ على المناطق المدنية والمدن والبلدات خلال الأيام القليلة الماضية».

ولمّح ترمب إلى إمكانية فرض المزيد من العقوبات على روسيا، وكتب: «يجعلني هذا أعتقد أن بوتين ربما لا يريد إنهاء الحرب، بل يماطلني فقط، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة، عبر البنوك أو العقوبات الثانوية. عدد كبير جداً من الناس يموتون»!

لقاء «مثمر» بين ترمب وزيلينسكي
ويوم السبت، كانت الأنظار مسلطة على «اللقاء الخاص» الذي جرى بين ترمب وزيلينسكي على هامش حضورهما جنازة البابا فرنسيس في روما. كانت هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها الرجلان شخصياً منذ المشادة المتلفزة في أواخر فبراير (شباط) بالمكتب البيضاوي. ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض، ستيفن تشيونغ، اللقاء بأنه «مناقشة مثمرة للغاية»، لكنه لم يذكر أي تفاصيل. في حين تحدثت وسائل إعلام أوكرانية عن أن اللقاء دام 15 دقيقة، وأن زيلينسكي يأمل في تحقيق نتائج بعد بحثه «وقف إطلاق نار» غير مشروط مع ترمب، واصفاً اللقاء معه في الفاتيكان بأنه ربما «يصبح تاريخياً».

وكتب زيلينسكي في منشور على «تليغرام»: «كان اجتماعاً جيداً. ناقشنا كثيراً من الأمور وجهاً لوجه. نأمل أن نصل إلى نتيجة».

وأشار إلى أنه تم بحث عدة قضايا، من بينها «حماية أرواح شعبنا ووقف إطلاق نار الكامل وغير المشروط (والوصول إلى) سلام دائم وموثوق يمنع تجدد نشوب الحرب». وقال أندريه يرماك مدير مكتب زيلينسكي في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي إن اجتماع الرئيس مع نظيره الأميركي اليوم كان «بناء».

وأظهرت صور نشرها مكتب زيلينسكي الرئيسين جالسين مقابل بعضهما، في منتصف قاعة رخامية، دون وجود أي من مساعديهما في الجوار. وأظهرت صورة أخرى نشرها مكتب زيلينسكي الرئيسين واقفين في المكان ذاته، إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكان ماكرون يضع يده على زيلينسكي. وذكرت الرئاسة الفرنسية عند سؤالها عن الصورة أن الزعماء الأربعة عقدوا اجتماعاً إيجابياً على هامش جنازة البابا فرنسيس.

وأفادت مجموعة الصحافيين المرافقين لترمب بأنه غادر روما بعد حضور جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان.

ومع ذلك، كان من المتوقَّع أن يُعقد اجتماع ثانٍ بينهما على هامش الجنازة، لكن تم الغاؤه، وهو ما عُدّ إشارة سلبية إلى أن الأمور لم تسر كما كان يعتقد. وأعلنت الرئاسة الأوكرانية السبت أن اللقاء الثاني الذي أشارت إلى أنه مرتقَب، بعد اجتماع أول في روما، لم يُعقَد. وقال المتحدث باسم الرئاسة الأوكرانية سيرغي نيكيفوروف في تصريح لصحافيين: «لم يُعقَد لقاء ثانٍ. جدول أعمال الرئيسين مزدحم جداً».

فالمعلومات التي تسرَّبت عن فحوى «العرض النهائي» الذي قدمه ترمب لروسيا وأوكرانيا، تتضمن اعترافاً أميركياً بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا، واعترافاً غير رسمي بسيطرة روسيا على جميع المناطق المحتلة تقريباً منذ غزو عام 2022.

ترمب منحاز لروسيا
وفي الواقع، اتُّهمت رؤية ترمب للسلام بأنها منحازة بشكلٍ ملحوظ؛ إذ سمحت لروسيا بالاحتفاظ بالمناطق التي استولت عليها بالقوة، في انتهاك للقانون الدولي، بينما منعت أوكرانيا من الانضمام إلى حلف «الناتو». كما فتحت مساراً منفصلاً لإعادة العلاقات بين واشنطن وموسكو، بعد وقف عمليات ملاحقة الهجمات الإلكترونية وكبح برامج مكافحة التضليل الروسي والتدخل في الانتخابات وانتهاكات العقوبات وجرائم الحرب.

كما أُفيد بأن فريقه يناقش ما إذا كان سيرفع العقوبات عن خط أنابيب الغاز الروسي «نورد ستريم 2» الممتد إلى أوروبا، وهو المشروع الذي أدانه مراراً وتكراراً. كذلك جنَّب روسيا الرسوم الجمركية التي يفرضها على الواردات من جميع الدول الأخرى تقريباً، بحجة أنها تخضع بالفعل لعقوبات، لكنه طبَّق في المقابل الرسوم الجمركية على أوكرانيا.

وفي مقابلة مع مجلة «تايم»، نُشرت يوم الجمعة، قال ترمب إنه يعتقد أن بوتين يفضل احتلال أوكرانيا بأكملها، لكن «جهوده الدبلوماسية وضغوطه دفعت الرئيس الروسي إلى طاولة المفاوضات». وقال ترمب إنه يعتقد أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي يريد أيضاً التوصُّل إلى اتفاق. وقال: «نحن قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق». وعندما سُئل عن وعده الانتخابي بإنهاء الحرب في أوكرانيا في اليوم الأول من عهده، قال: «قلتُ ذلك مجازاً… كمبالغة، لإثبات وجهة نظر».

وقال ترمب إن أوكرانيا لن تتمكن أبداً من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (الناتو)»، وادعى أن «سبب اندلاع الحرب هو بدء الحديث عن الانضمام إلى (الناتو)». كما أكد أن «شبه جزيرة القرم ستبقى تابعة لروسيا»، مدعياً أن «زيلينسكي يُدرك ذلك».

عرض أوكراني – أوروبي مضاد
في المقابل، ترفض أوكرانيا اقتراح ترمب الذي أثار انتقادات بسبب التنازلات الكثيرة لروسيا، وقدمت، مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، اقتراحاً مضادا لمبعوثه، كيث كيلوغ. وبينما يركز العرض المضاد على بعض مطالب كييف السابقة، فإنه يلمح إلى تنازلات محتملة بشأن قضايا، لطالما اعتُبرت مستعصية على الحل. ويقول مراقبون إنه على الرغم من حاجة أوكرانيا وحرصها على تحقيق السلام، فإنها تشعر بالقلق إزاء غياب الضمانات الأمنية. فالأوكرانيون يعلمون أن الرئيس الروسي بوتين غزا بلادهم أولاً أثناء وجود باراك أوباما في البيت الأبيض، ثم خفّض هجماته إلى حد كبير في عهد ترمب الأول، ثم عاد للغزو بعد تولي جو بايدن منصبه.

فما الذي يمنع بوتين من فعل الشيء نفسه عندما يغادر ترمب البيت الأبيض عام 2029؟ كما أنه يستطيع أن يستغل أي تنازلات إقليمية تقدمها أوكرانيا اليوم، ويستغل تخفيف العقوبات لإعادة بناء اقتصاده وجيشه، ثم يستأنف غزوه بعد مغادرة ترمب منصبه، خاصة إذا كان يرى أن الرئيس الأميركي القادم ضعيف.

وبحسب العرض الأوكراني المضاد، فهو يركز على أمور ثلاثة: عدم وجود قيود على حجم الجيش الأوكراني، ونشر «وحدة أمنية أوروبية» مدعومة من الولايات المتحدة على الأراضي الأوكرانية لضمان الأمن، واستخدام الأصول الروسية المجمدة لإصلاح الأضرار التي لحقت بأوكرانيا خلال الحرب.

ومع أن الاقتراحات الثلاثة عُدّت مطالب غير قابلة للتنفيذ بالنسبة للكرملين، فإن أجزاء من الخطة الأوكرانية تشير إلى البحث عن أرضية مشتركة؛ إذ لا يوجد ذكر، على سبيل المثال، لاستعادة أوكرانيا بالكامل جميع الأراضي التي استولت عليها روسيا، أو الإصرار على انضمام أوكرانيا إلى «الناتو»، وهما قضيتان قال الرئيس الأوكراني زيلينسكي، منذ فترة طويلة، إنهما غير قابلتين للتفاوض، ولم يُعرَف ما إذا كان قد ناقشهما مع ترمب في روما.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى