مصفاة الدقم… تكامل نفطي بين عُمان والكويت
“أكبر مشروع استثماري بين دولتين خليجيتين”… هكذا وصف رئيس جهاز الاستثمار في سلطنة عُمان، عبد السلام بن محمد المرشدي، مصفاة “الدقم” والصناعات البتروكيميائية بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في السلطنة، في إشارة إلى شراكة بين مجموعة “أوكيو” العمانية وشركة “البترول الكويتية العالمية” برأس مال يتجاوز 3 مليارات ونصف مليار ريال عماني (حوالي 9.9 مليارات دولار)، ما أكده افتتاح سلطان عمان، هيثم بن طارق، وأمير الكويت، مشعل الأحمد الجابر الصباح، للمشروع الخميس الماضي.
والمصفاة هي الأولى خليجيا في الاعتماد على النفط الخام المستورد في عملياتها التشغيلية، وتهدف إلى تحفيز مشروعات النفط بمنطقة الخليج وتعزيز المكانة السوقية في قطاع التكرير والبتروكيميائيات، إضافة إلى إيجاد فرص الأعمال ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال برنامج القيمة المحلية المضافة، حسبما نقلت وكالة الأنباء الكويتية “كونا” عن المرشدي.
وشهد عام 2023 تنفيذ العمليات التجريبية لتشغيل المصفاة والمتمثلة في اختبار كافة سلاسل الإمداد بالمصفاة، والمتضمنة منشآت تخزين النفط الخام برأس مركز، وأنبوب نقل النفط الخام إلى المصفاة بطول 80 كيلومترا، واختبار جاهزية منشآت تخزين وتصدير المنتجات النفطية في ميناء الدقم، بحسب الوكالة العمانية.
وحسب تقرير صادر من المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، فإن المصفاة بدأت في تصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية في عام 2023، إذ صدرت زيت الوقود عالي الكبريت بين نهاية أبريل/نيسان ومنتصف مايو/أيار 2023، وفي يونيو/حزيران من العام نفسه تم تصدير أولى شحنات النافثا، وفي سبتمبر/أيلول من العام ذاته بدأت المصفاة بتصدير الديزل العالي الجودة وفقا للمواصفات العالمية.
ويصف الخبير الاقتصادي العماني، محمد الوردي، مشروع المصفاة بأنه “نقطة تحول” لتعزيز منطقة الدقم الاقتصادية، مشيرا إلى أن تكلفة المصفاة بلغت أكثر من 9 مليارات دولار، حسبما أورد حسابه على منصة إكس. ولفت الوردي إلى أن المصفاة تبلغ طاقتها التكريرية 230 ألف برميل يوميا، ما يرفع الطاقة التكريرية للسلطنة لأكثر من نصف مليون برميل يوميا.
قصة نجاح
يصف الخبير الاقتصادي العماني، خلفان الطوقي، الاستثمار المشترك ببن عمان والكويت في مصفاة الدقم بأنه “قصة نجاح خليجية” لتعظيم العوائد المالية من النفط بدلا من تصديره كمنتج خام، إضافة إلى تبادل المعرفة والخبرات العملية التراكمية بين مهندسي وفنيي وإداريي البلدين، وفوائد التوظيف المباشر وغير المباشر، حسبما صرح لـ “العربي الجديد”.
ويشير الطوقي إلى أن المشروع من شأنه منح عقود للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتسويق منطقة الدقم كوجهة استثمارية ذات بنى أساسية عصرية متكاملة في موقع استراتيجي يقع في بحر مفتوح آمن، بعيد عن مضيق هرمز الحساس، والأقرب من الأسواق الآسيوية والأفريقية ذات التعدد السكاني المتنامي.
ويلفت الخبير العماني إلى تناسب الموقع الجغرافي مع المشروع، إذ تضم منطقة الدقم عناصر مكملة للمصفاة كشركة صهاريج التخزين للنفط الاستراتيجي، بالقرب من ميناء الدقم والحوض الجاف، “وهي عناصر جوهرية لنجاح المصفاة بعد اكتمال مجمع البتروكيميائيات بمراحله اللاحقة”، حسب تقديره.
وينوه الطوقي إلى أن مصفاة الدقم أفادت المؤسسات الصغيرة والمتوسط في عمان والكويت بقيمة تتجاوز 2.5 مليار دولار، فضلا عن كونها أساسا لمجمع متكامل لصناعة البتروكيميائيات، يمثل مشروعا استراتيجيا للتكامل بين عمان والكويت، وقد تشارك فيه السعودية لاحقا.
وإزاء ذلك، يرى الطوقي في مشروع المصفاة “نواة” ينبغي على الفريق الحكومي المعني بالاستثمار في سلطنة عمان أن يستفيد منها كـ “أداة تسويقية” تقنع المستثمرين بالقدوم إلى الدقم، من خلال توفير حزمة تنافسية مغرية ومقنعة، والاستفادة من الزخم الإعلامي لافتتاح سلطان عمان وأمير الكويت للمشروع.
ويشير الخبير العماني إلى أن علاقات جهاز الاستثمار العماني (الصندوق السيادي) المتينة بالصناديق السيادية الخليجية والإقليمية والعالمية تمثل عاملا دافعا لتسويق كهذا، إضافة إلى منح أولوية الدعم المالي للراغبين في الاستثمار بمنطقة الدقم عبر بنك التنمية العماني أو صندوق “عمان المستقبل”.
منفذ بحري
يشير الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، في تصريحات لـ “العربي الجديد”، إلى أن مصفاة الدقم تضيف لسلطنة عمان أكثر مما تضيف للكويت باعتبارها إضافة مهمة لمنطقة الدقم الاقتصادية ذات الأهمية الكبيرة لاقتصاد السلطنة، موضحا تقدير أهمية مشروع المصفاة للكويت من زاوية مختلفة، وهي إتاحة منفذ استراتيجي لتخزين ونقل النفط.
فالكويت ليس لها موقع يطل على خارج الخليج العربي أو على الممرات البحرية العالمية مثل ما هو الحال في الدقم، وبالتالي فالاستثمار في مشروع المصفاة يوفر للكويت “مخرجا مباشرا” على الممرات العالمية، حسب تعبير رمضان.
ووفق الخبير الاقتصادي الكويتي فإن هذا المخرج يمثل أهمية استراتيجية للكويت في حال وجود صعوبة في إمداد النفط أو في تمرير ناقلاته عبر مضيق هرمز، كأحد السيناريوهات التي باتت محتملة، وفي هذه الحالة يمكن للكويت تخزين النفط في منطقة الدقم، ومن ثم تصديره إلى الخارج.
وفي سيناريوهات مختلفة، يمكن للكويت أن تستفيد من مصفاة الدقم، من زاوية إنتاج البتروكيميائيات باعتبارها شريكا في المشروع، لكن طبعا الاستفادة الأكبر اقتصاديا تصب في صالح سلطنة عمان، حسب رمضان.