اقتصاد ومال

مصر: مخاوف من هروب المستثمرين بسبب الأزمة الاقتصادية

كشف أحدث بيانات مؤشر مديري الشركات الذي تصدره مجموعة ستاندرد آند بورز غلوبال، عن تنامي” أسوأ مستويات الثقة لدى القطاع الخاص غير المنتج للنفط، منذ 11 عاما ونصف العام على الأقل، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

جاء التقرير مواكبا لقرار أغنى رجل أعمال في مصر، ناصف ساويرس، بنقل مقر مجموعته الاقتصادية العائلية “إن إن إس” إلى مدينة أبو ظبي، وسط موجة خروج مستثمرين وشركات مصرية إلى كل من السعودية وسلطنة عمان والإمارات، ولجوء بعضها إلى التوسع بمشروعات في كينيا وبريطانيا وسويسرا، وقبرص، لتنمية محافظها المالية وتنويع الأنشطة.

يبين مؤشر مديري الشركات أن ارتفاع معدلات التضخم المستمر في الإنتاج والطلبات الجديدة، أدى إلى انخفاض توقعات النشاط التجاري طيلة العام المقبل 2024، إلى أضعف مستوياتها منذ إطلاق المؤشر عام 2012، مؤكدا أن الضغوط التضخمية دفعت إلى انخفاض حاد في المبيعات للعملاء، وتراجع معدلات التوظف والمشتريات، مع وجود ارتفاع حاد في أسعار المبيعات منذ مارس 2023.
جاء التقرير متناقضا مع تصريحات رئاسية تبشر بحلول سريعة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ووعود بعدم المساس بقيمة الجنيه المتراجع بحدة طوال عامين أدى إلى خسارته 63٪ من قيمته خلال الفترة من مارس 2022 إلى يونيو/ حزيران 2023، وفقا لبيانات البنك المركزي.

تزداد الفجوة بين قيمة العملات الصعبة في البنوك الرسمية وقيمتها في السوق الموازية، في موجات متذبذبة أسبوعيا أدت إلى ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات فوق 50 جنيها، تدفع إلى موجات سعرية مرتفعة، تلجأ الشركات إلى تمريرها للجمهور لتعويض الارتفاع الناتج من ضعف العملة وصعوبة الحصول على مستلزمات الإنتاج.
تعاني الشركات من البقاء في منطقة الركود، للشهر 36 على التوالي، متأثرة بتدهور الاقتصاد منذ انتشار وباء كورونا مرورا بالآثار السلبية للحرب في أوكرانيا، اشتدت مع وقف البنك المركزي تمويل الواردات، في فبراير/ شباط 2022، أعقبه صدور شروط قاسية، تحول دون قدرة الشركات والأسواق على التبادل الحرة للعملات الصعبة.
تنخفض مستويات الإنتاج والأعمال الجديدة شهريا بقوة، زادت حدتها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مع تصاعد معدلات التضخم إلى مستويات تاريخية أدت إلى خفض طلب المستهلكين.
يرجع عضو مجلس جمعية رجال الأعمال المصريين، مصطفى إبراهيم، تراجع ثقة المستثمرين إلى غياب معرفة مجتمع الأعمال والمستهلكين، لحقيقة ما يدور في أروقة الدولة عن الوضع الاقتصادي بشموله، من معلومات وأرقام مشيرا إلى أنه رغم تعدد المؤتمرات واللقاءات للتحاور حول الأزمة الاقتصادية، لم توجد مجموعة عمل استطاعت دراسة مشكلة ووضعت الحلول لمواجهتها أو أسفرت عن نتائج عملية على أرض الواقع. يقول “إبراهيم” إن هوة عدم الثقة تزداد اتساعا، مع عدم قدرة الحكومة على إيقاف نزيف الاقتصاد، وإصرارها على علاج الأعراض دون أن تواجه المرض، منوها إلى سعى الحكومة وراء بيع أصول عامة لتوفير الدولار، في ظل عدم كفاية قيمة هذه المشروعات لتوفير الدولار، لتغير الأجواء بالأسواق الدولية لدواع الحرب والضغوط الاقتصادية، بما يجعل تلك الحلول غير منطقية، وعديمة الجدوى لحسم أزمة مستعصية.
أكد “إبراهيم” لــ”العربي الجديد” أن خروج مجموعات كبيرة من الشركات ورجال الأعمال للبحث عن فرص استثمارية بديلة في الدول العربية وأفريقيا وغيرها، ناتج من قدرة هذه الدول على جذب ثقة المستثمرين، وانعكاس لأجواء طاردة للاستثمار، في ظل تحميل رجل الأعمال والمواطن ثمن عدم قدرة الحكومة على إدارة الأزمة الاقتصادية التي تظهر بشدة، مع عدم توافر الدولار، ومواجهة الطرفين لسعره المتقلب بالأسواق. يضيف “إبراهيم” أن تسعير العملة تقرره قوة السماسرة والشائعات التي تطلقها الحكومة، فنراه يصعد بين عشية وضحاها، بينما مجتمع الأعمال يبحث عن الاستقرار في سعر الصرف والأجواء الحاكمة للسوق، والمعلومات التي يستطيع أن يبنى عليها قراره، في ظل حكومة تحتفظ لنفسها بجميع المعلومات، ولا تنظر للحقائق المرة التي تنتج عن قراراتها المتقلبة.
ويشدد على أهمية التزام الحكومة برؤية واضحة للمستقبل، مذكرا بأن غياب الرؤى يجعل رجل الأعمال مشتتا، ويعمل وفقا للتغيرات اليومية، أو حركة الدولار التي تصعد وتهبط لأسباب غير مفهومة في ظل مصاعب أخرى مستمرة بدون منطق، مثل انقطاعات الكهرباء رغم توافر الوقود والغاز، وتعطل شبكات الإنترنت والمعلومات لدى الجهات الحكومية.

تثير أزمة الدولار نقاشات ساخنة داخل مجتمعات رجال الأعمال، ترصدها “العربي الجديد” في لقاءات مهنية يومية، تنتهي دوما بالدعاء وطلب الستر وانكشاف الغمة التي تشهدها البلاد.
يعتبر الخبراء تذبذب سوق العملة انعكاسا للحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وردا عمليا على مواجهة الأزمة بإطلاق الشائعات، بما يرفع معدلات التشاؤم لدى الشركات التي تواجه زيادة حادة في تكاليف مستلزمات الإنتاج، كما يؤدي ضعف الجنيه وعدم توافر الدولار لدى الموردين إلى ارتفاع أسعار المواد، في اقتصاد يعتمد على استيراد معظم مفردات انتاجه من الخارج.

يقول الخبير الاقتصادي في ستاندرد آند بورز ديفيد أوين، في تقريره الأخير، حول مؤشر مديري المشتريات إنه رغم تراجع تضخم أسعار المستهلكين من المستوى القياسي المسجل في سبتمبر/ أيلول الماضي الذي بلغ 38٪، إلى 35.8٪، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أنه لا يزال واحدا من المعدلات الأعلى على الإطلاق، بما يظهر زيادة ملحوظة في تكاليف مستلزمات الإنتاج بالشركات، في حين ارتفعت أسعار المنتجات بأكبر معدل منذ مارس/ آذار 2023، مؤكد أن الشركات تشعر بضرورة تمرير ضغوط التكلفة إلى العملاء بالرغم من تأثير ذلك على المبيعات.

يشير مستثمرون إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة بدون سقف زمني لانتهاء الحرب، مع مشاركة الولايات المتحدة ودول غربية كبيرة في دعم موقف الاحتلال، ساهم في ضبابية المشهد الجيوسياسي، بما يدفع الشركات إلى تحجيم أعمالها انتظارا لما ستسفر عنه حالة الحرب، في الأشهر المقبلة.
يؤكد مستثمرون أن حالة الحرب أقل خطرا من عدم وجود شفافية لدى الحكومة في حسم قضيتها من تعويم الجنيه، الذي أصبحت له عدة أسعار بالأسواق، لا تمكن الراغبين في شراء الشركات المطروحة للبيع من إتمام الصفقات المقررة منذ ديسمبر الماضي، أو توقع العوائد من الإنتاج، لإنقاذ أصولهم من الـتآكل ولمعرفة كيفية تعويض ارتفاع التكاليف الناجمة عن ضعف العملة ونقص الإمدادات من الأسواق الدولية والمحلية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى