
كتب حسين إبراهيم, في الاخبار:
التوتّر السعودي – المصري يتعمّق رغم محاولات التهدئة، بفهل ملفات شائكة من المساعدات إلى فلسطين وسوريا، فيما تسعى الرياض لشراء تنازلات القاهرة لتوسيع نفوذها.
يبدو أنّ العطب في العلاقات السعودية – المصرية بات عصيّاً على الإصلاح، في ظلّ كثرة الملفّات العالقة بين البلدين، وشعور الرياض بأنّ معادلة شراء التنازلات المصرية لم تعُد مجدية بالنسبة إليها.
مع ذلك، تحاذر البلدان الوصول إلى مرحلة القطيعة، وهو ما دلّت عليه زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى «نيوم»، الخميس – حيث التقى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان -، وتصوير السعودية الزيارة بوصفها دحضاً لكل ما كُتِب على وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء المدّة الماضية عن خلافات عميقة بين الجانبين، تبدأ بإقفال حنفية المساعدات السعودية لمصر، وتمرّ بالعلاقة السعودية مع السلطات السورية الجديدة، حيث تضخّ الرياض المليارات (ولو على الورق حتى الآن) في دعم نظام يعتبره السيسي خطراً على أمن مصر القومي لاحتضانه معارضين مصريين إسلاميين يعملون ضدّ النظام المصري مباشرة انطلاقاً من سوريا، وتصل إلى الملف الفلسطيني الذي تتخوّف مصر من حلّه على حسابها عبر تهجير جزء من الفلسطينيين في قطاع غزة إليها، ولا تنتهي بموقف الرياض من سدّ النهضة الإثيوبي، والذي تعدّه القاهرة غير مساند لها بما يكفي.
والسعودية، في القضايا السياسية المتعلّقة بالمنطقة، دأبت على اعتماد سياستين متوازيتين، واحدة علنية غير حقيقية، وثانية سرّية حقيقية. ففي موضوع فلسطين، مثلاً، تضع شعاراً كبيراً هو «حل الدولتين»، مع علمها علم اليقين بأنَّ تحقيقه غير ممكن إلا عبر ممارسة ضغط حقيقي على الولايات المتحدة، باستخدام الأدوات الاقتصادية – لا عبر التكاذب مع دولة كفرنسا -، وهو ما لا تستطيع فعله في ظلّ قيادتها الحالية.
وتحت هذا الشعار، تفعل كل شيء يقود، في النهاية، إلى تمهيد الأرضيّة للتطبيع المجاني مع إسرائيل، ومن أبرز خطواتها الأخيرة كان تنظيم اللقاء الشهير بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في السعودية في أيار الماضي، والذي افتتح موسم التطبيع السوري – الإسرائيلي.
في المقابل، لا يمانع السيسي، من حيث المبدأ، تقديم تنازلات إلى الرياض ما لم تكن مهدِّدة للنظام، شرط الحصول على ثمن مناسب في جانب المساعدات المالية، لكنّ المشكلة كانت نشأت عن طبيعة الاقتصاد المصري نفسه، المدمن على المساعدات من دون التمكّن من استخدامها لخلق دورة عمل إنتاجية طبيعية تغني عن المعونات الخارجية في مرحلة لاحقة، وهو ما لا تستطيع أي دولة أخرى تحمّل أعبائه. ولذلك، فإنّ مشكلة وقف المساعدات واستبدالها باستثمارات مشروطة، لم تقتصر على السعودية، وإنما شملت أيضاً الإمارات، ولو لم تتحوّل العلاقة المصرية مع الأخيرة إلى أزمة، نتيجة الباع الطويل في السياسة للرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، الذي يفتقر إليه ابن سلمان.
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات بين البلدين أزمة كهذه، ولا هي الذروة
في ضوء هذه الخلافات، يمكن قراءة الزيارة، لا سيّما الحفاوة السعودية الظاهرة بها، باعتبارها مقدّمة للحصول على تنازلات مصرية، لإزالة ما تعتبره الرياض عقبات مصرية في طريق خطّة المملكة لتوسيع نفوذها في المنطقة، والتي يبدو أنّ سوريا تشكّل حلقة رئيسة فيها، كونها ساحة قيد إعادة التشكيل، ومؤثّرة بشكل كبير في ملفّات تخصّ ساحات أخرى عديدة في المنطقة، منها لبنان وفلسطين، وفي مجمل توزّع خارطة النفوذ.
وكانت أكّدت حسابات لمعارضين سعوديين، على منصة «إكس»، أنّ ابن سلمان أمر بتصعيد الحملة الإعلامية ضد مصر، قائلة إنّ «الأمور تتّجه نحو مزيد من التوتر، وقد تنتقل من التصعيد الإعلامي إلى الدبلوماسي». كما نشرت تلك الحسابات، عشية زيارة السيسي، أنّ مصر دخلت السّنة المالية الحالية بلا رواتب للموظفين، فلجأت إلى طلب دعم من السعودية، وأنّ ابن سلمان وافق على تقديم المساعدة، لكنه اشترط أن تكون على شكل وديعة بفائدة 18% تسدّد كل ثلاثة أشهر، مع فوائد تأخيرية عند التعثّر.
وافتتح الحملة الإعلامية على مصر المستشار تركي آل الشيخ، بمنشور على «إكس» في الخامس من آب الجاري، أعلن فيه أنّ موسم الرياض المقبل سيعتمد بشكل كامل على الموسيقيين السعوديين والخليجيين في الحفلات الغنائية، وعلى المسرحيات السعودية مع بعض التطعيم بمسرحيات سورية وعالمية، وهو ما اعتُبر استبعاداً للفنانين المصريين من الموسم.
لكنّ هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات بين البلدين أزمة كهذه، ولا هي الذروة؛ فقد سبق أن وصلت إلى الحضيض قبل عامين حين تبادل الجانبان هجمات عبر صحافيين وناشطين تناولت رأس الهرم في كل منهما. وفي إحدى المراحل، روّجت شخصيات إعلامية سعودية لتقديرات عن أنّ السيسي لن يكون في السلطة بعد نهاية ولايته الحالية عام 2026، وربما يذهب إلى السجن. ويومها، ردّت الصحافة المصرية بالدعوة إلى انقلاب قصر في السعودية يطيح ابن سلمان، قبل أن تجري تهدئة السجال.
الآن، يتكرّر التوتّر، لكنّ الحفاوة التي حظي بها السيسي هذه المرة، وعكسها الإعلام السعودي، تشير إلى أنّ ثمّة مجالاً لتسويات جزئية، إنما دائماً على قاعدة «الأرزّ للجنرال»، وفق ما تُوصف به المساعدات التي تطلبها مصر باستمرار، في الدوائر الخليجية.