“مصرف لبنان المركزي” يضع يده على بعض المصارف التجارية
تحت عنوان “الإدارة الموقتة” بدأ “مصرف لبنان المركزي” بوضع يده على بعض المصارف التجارية وكانت البداية مع “بنك البركة” ويتوقع أن تشمل بنوكاً أخرى في القريب العاجل، تحديداً تلك لا تتمكن من رفع رأسمالها الحقيقي القابل للتداول وتدخل الخطوة الراهنة في نطاق “جس النبض” كمقدمة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان.
وجاءت البداية مع بنك يحظى بحصة سوقية محدودة، لكنه في المقابل ينتمي إلى فئة البنوك العريقة التي كانت تمتلك سمعة جيدة نسبياً في السوق ولدى الفئات الإسلامية المحافظة، ولكن الخطوة الحاضرة كان لها تأثير نفسي ملحوظ لدى عملاء المصرف، فما كان من أحدهم إلا أن اقتحم فرع البنك في منطقة الحمراء ببيروت، معيداً بذلك إلى الواجهة عمليات اقتحام المصارف التجارية من أجل المطالبة بالودائع المحتجزة من دون سند قانوني في ظل تأخر السلطة التشريعية في إقرار قانون ضبط رأس المال أو “كابيتال كونترول” (capital control).
لم يستسغ “بنك البركة” الخطوة التي أقدم عليها “مصرف لبنان” وأعلن عن نيته مقاضاة الحكومة اللبنانية في الخارج، وبحسب بيان صادر عن مجموعة بنك البركة الإسلامي، فإن المركزي استند في قراره ضد “البركة” إلى عدم امتثال المصرف لتعاميم محددة بما في ذلك خطة إعادة هيكلة البنك ودعوة مساهميه إلى ضخ السيولة.
واتهمت مجموعة بنك البركة “مصرف لبنان” بـ”الإخفاق في توفير خطة إعادة هيكلة ذات مصداقية وشاملة للقطاع تراعي مصالح جميع الأطراف المعنية، كما أن المركزي رفض إتاحة المجال لبنك البركة وغيره من البنوك العاملة في لبنان للوصول إلى الأصول التي أودعتها لدى المصرف المركزي والتي من شأنها أن تمكن البنوك من استئناف الأنشطة المصرفية الاعتيادية”. وأشار البيان الصادر من العاصمة البحرينية المنامة إلى أن “خطوة المصرف المركزي لا علاقة لها بأنشطة البنك الأم الذي يمارس أنشطته في 15 دولة وتتم إدارة أعمال فروعه المحلية بصورة مستقلة في كل دولة”، وأكد الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة حسام بن الحاج عمر في بيان أن “وضع بنك البركة – لبنان تحت إدارة مصرف لبنان لا يعطي فقط مثالاً صارخاً لما ينتظر البنوك الأخرى، بل يقوض كذلك الثقة المتهالكة للمستثمرين المحليين والأجانب خلال هذه الفترة الحرجة”.
وتشير المعلومات إلى أن نموذج “بنك البركة” سيتكرر مع بنوك أخرى وربما يرتفع عدد البنوك المعرضة للتصفية إلى سبعة، من ضمنها “فيديرال بنك” و”بنك الاعتماد الوطني”، في حين رفضت أوساط جمعية المصارف التعليق على ما جرى مع “بنك البركة” واحتمال توسع نطاق “الإدارة الموقتة” لتشمل بنوك أخرى، كما لم يصدر أي بيان رسمي في هذا الشأن.
وجاءت خطوة “مصرف لبنان” بعد أعوام من تدخله لإدارة “المصرف اللبناني الكندي” و”جمّال تراست بنك” ومن ثم تصفيتهما التزاماً بقواعد نظام “أوفاك” OFAC والعقوبات الصادرة عن دائرة الخزانة الأميركية.
وتأتي خطوة تعيين “الإدارة الموقتة” مع مناقشة اللجان النيابية لقانوني “كابيتال كونترول” الذي تأخر إقراره ثلاث سنوات، هي عمر أزمة الانهيار المالي في البلاد، وقانون إعادة هيكلة المصارف. وتعتبر هذه التشريعات ضمن قائمة إصلاحات يشترطها “صندوق النقد الدولي” من أجل التوصل إلى اتفاق مع لبنان.
التصفية والقانون المؤجل
واستند قرار “الإدارة الموقتة” لبنك البركة إلى القانون 110 الصادر عام 91 الذي يتيح وضع اليد على المصرف غير القادر على متابعة أعماله، وتأتي هذه الخطوة في موازاة دراسة البرلمان قانون إعادة هيكلة المصارف العاملة في لبنان التي دخلت جميعها مرحلة التخلف عن سداد الودائع الاسمية.
وبدأ مجلس النواب بدراسة هذا القانون إلى جانب قانون “كابيتال كونترول”، إلا أن المحامي كريم ضاهر (ممثل الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين) عبّر عن خشيته من “توجه القوانين إلى شطب الديون التي في ذمة المصارف للمودعين ووضع سقوف للودائع التي يجب على المصارف ضمان إعادتها إليهم”، لافتاً
إلى أن “قانون الموازنة الحالي اعترف للمرة الأولى بفكرة الدولار الفريش (أي الداخل حديثاً إلى البلاد)، وهذا يعني أن هناك تصوراً يقوم على التمييز بين الأموال الجديدة وتلك القديمة التي في ذمة المصارف، ويعتقد بأن الأموال الجديدة ستتم معاملتها كديون ممتازة لدى المصرف ويمكن إعطاء أصحابها الأولوية والأفضلية عند التحصيل من المصارف العاملة، كما يمكن أن تترك لهذه الأموال حرية الحركة في ظل كابيتال كونترول”.
واستند ضاهر إلى مطالبة صندوق النقد الدولي بتحديد أصل الودائع ومصدرها لناحية اعتبارها نظامية أو لا ليكرر مطلب المدافعين عن حقوق المودعين بـ”التمييز بين ودائع مشروعة وأخرى غير مشروعة، وهو شرط لا بد من اعتماده قبل أي إعادة هيكلة للمصارف وهو ما لا نجده في القوانين التي يدرسها البرلمان اللبناني”.
وأوضح أن “مصرف لبنان طالب المصارف بزيادة رساميلها وتحديد نسبة من الأموال الحرة التي يمكن استخدامها، إلا أن عدداً من البنوك يتحفظ على هذه الخطوة، وذلك لغياب أي ضمانة بعدم تصفيتها لاحقاً”.
وتطرق ضاهر إلى “نقطة غاية في الأهمية يحاول التوجه الجديد فرضها وفي مقدمتها الهيئة المصرفية العليا، فالمشرع يتوجه إلى إنشاء هيئة جديدة تمتلك صلاحيات واسعة وتشكل استثناء على القواعد القانونية العادية والمؤسسات القضائية والرقابية القائمة”، واصفاً هذه الهيئة بـ”الحاكم بأمر الله” لأنها “تمتلك سلطة واسعة وهي ستقرر استنسابياً البنوك التي التزمت شرط التمويل المسبق وتنويع النشاطات وإعادة الودائع ضمن مستوى 100 ألف دولار”.
ولفت إلى أن “الخطورة تكمن في أن قرارات هذه الهيئة غير قابلة للطعن أو أي طريقة من طرق المراجعة القانونية القائمة وقراراتها نافذة، كما أن هذه الهيئة ستتشكل من ثلاثي، حاكمية مصرف لبنان والنيابة العامة المالية وهيئة ضمان الودائع التي تتمثل فيها جمعية المصارف، وعليه فإنها ستخضع لتأثير مباشر من تلك الفئات الثلاث”.
كما نبه ضاهر إلى أن “هناك توجهاً لإعطاء القانون المقترح صفة الانتظام العام وجعله أعلى من أي قانون من القوانين العادية ومنح الهيئة المصرفية العليا صلاحيات استثنائية”، مضيفاً أنه “في ظل إعادة الهيكلة المقترحة لا تتم مساءلة أعضاء مجالس الإدارة ومديري البنوك التنفيذيين عن المراحل السابقة إلا إذا قررت الهيئة ذلك في حال إحالة المصرف على التصفية”، كما يمكن “شطب المصرف من لائحة مصرف لبنان والحجز على أمواله من دون أي مراجعة، علماً أن من يقرر الملاحقة للمصرف هي هيئة التحقيق الخاصة وليس المحكمة”.
وهنا نبه المحامي ضاهر إلى “إمكانية تهرب المصارف من الملاحقة عن الارتكابات الماضية، ففي حال التزام شرط زيادة رأس المال فإنه لا مسؤولية على البنوك”، ناهيك عن “إسقاط فترة الريبة التي يحددها القانون اللبناني بـ18 شهراً السابقة على إعلان إفلاس المصارف وتصفيتها”.
من جهة أخرى تطرق ضاهر إلى أنه “لا ضمانة للمودعين بإعادة حسابات الـ100 ألف دولار لأن هناك تحديداً للمبالغ التي يمكن سحبها عند مستوى ألف دولار شهرياً، كما أن البنك الذي يتجه إلى التصفية، لا ضمانة لمودعيه باستعادة مبلغ 100 ألف دولار في حال لم تكفِ أصول وموجودات المصرف للسداد”. لذلك، فإن التخوف هو من أن “هناك سبعة مصارف قد لا تتمكن من تأمين رساميل لإعادة تلك الودائع، ووفق القانون الحالي فإن حصة المودع ستكون عند مستوى 75 مليون ليرة لكل مودع”.
صندوق استرجاع الودائع
من ناحية ثانية، يأتي صندوق استرجاع الودائع ليشكل دعامة لتوجه إعادة هيكلة المصارف ويتم تمويله جزئياً من المصارف ومن إسهام “مصرف لبنان” عبر الأموال المسترجعة من الخارج وتخصيص الدولة اللبنانية جزءاً من مداخيلها لهذا الصندوق، وذلك بعد تحقيق نوع من الفائض وتأمين ضمانات برامج الإصلاح وشبكة الأمان الإجتماعي.
ويدفع المشهد الضبابي لمستقبل الاقتصاد اللبناني إلى التساؤل حول إمكانية تمويل الصندوق، بالتالي حظوظ المودعين باستعادة ودائعهم. في هذا السياق أعرب ضاهر عن مخاوفه من أنه “في ظل غياب الثقة ووسط عدم وضوح معالم خطط الإصلاح وإعادة الودائع وإعادة هيكلة المصارف، فإننا ربما نكون أمام تطبيق مبدأ عفا الله عما مضى وسحب الملف من يد القضاء اللبناني وتجاوز القواعد القانونية الحالية ودفع المودعين إلى تقبل خسارتهم، وصولاً إلى حماية بنوك بعينها، تحديداً تلك التي تمتلك صلات مع النظام السياسي القائم”.