مشاريع جديدة للفضاء تبدد المعتقدات القديمة.
إعلان بداية عصر جديد للفضاء ليس أمراً سوف يعلن عنه رسمياً من قبل وكالات الفضاء العالمية في وقت قريب، لكن قراءة في موسوعات علمية وبعض المقالات والدراسات عبر الإنترنت، لبعض الأحداث التي طرأت أخيراً، وكان أبرزها تنازل “ناسا” رسمياً عام 2018 عن برامج غزو الفضاء بحثاً عن حياة ذكية أو عاقلة، تؤكد هذا الأمر.
أشارت دراسات علمية إلى أن هوس البشر بالتقاط إشارات من مخلوقات خارج كوكبنا قل كثيراً منذ 2012، وذلك عقب إطلاق المركبة الفضائية المتطورة (كيوريوسيتي). وبعد مهمات عدة غير ناجحة، استمرت لأكثر من نصف قرن من الزمن من دون جدوى (منذ الستينيات وحتى وقتنا هذا)، انتهت أخيراً حقبة إطلاق المهمات الفضائية المستندة إلى عقيدة قديمة شكلتها “الخرافات وبعض القناعات والمعتقدات الشخصية”، وتحولت إلى مشاريع وطنية تعالج قضايا أقل جموحاً من نظريات استعمار الفضاء، التي بدأت وفق العلماء بـ “تشجيع” جماعات بشرية طموحات السيطرة على الكون بصورة عدائية، أو تلك التي أطلق عليها العلماء، النظريات “المتعقلة” في غزو الفضاء، التي من المفترض أنها تجنب كوكبنا التعرض للغزو والدمار أيضاً.
عصر الفضاء الحالي
في هذه الفترة الانتقالية بين زمنين، لا يستطيع كثير من وسائل الإعلام مواكبة عصر الفضاء الجديد، خصوصاً تلك التي تعمل بشكل فردي ضمن السوشال ميديا، إذ تظهر عناوينها وأخبارها للمتابع في هذا الشأن على شكل محاولات بائسة للفت انتباه المتلقي أو الظهور بشكل مقنع أمام المتابعين. فعصر الفضاء الحالي وفق مواقع متخصصة تنتشر على الشبكة العنكبوتية، اختلف كثيراً عما كان عليه قبل عقد واحد من الزمن، إذ تحول في الفترة الأخيرة بحسب متابعين، إلى “دمية” في يد شركات الطيران التجاري، وميدان استعراضي لهواة السياحة الفضائية.
وفق مقالة نشرت في الموسوعة العلمية الأوروبية تحت عنوان “الحياة خارج الأرض”، فإن هذه الظاهرة بدأت مع “خيبة أمل” وكالة الفضاء الأميركية والعالم عموماً، بعد التأكد من عدم وجود حياة في الفضاء في وقت مبكر، وتشكلت بعد أول مهمة ناجحة عام 1964 عقب هبوط الإنسان على القمر، فوجد أن الكوكب الذي كان مثاراً لحكايات خيالية كثيرة لآلاف السنين، هو مجرد “كتلة صخرية ” تدور حول الأرض.
وتضيف الموسوعة الأوروبية “بعد ذلك توالت المهام بحثاً عن حياة فضائية بشكل جنوني، في محاولة لإثبات تهيؤات البشر عن وجود مخلوقات أكثر تطوراً في مكان ما بالفضاء، بناء على سينما الخيال العلمي التي صورت أعمالاً عدة عن وجود الفضائيين على كواكب قريبة منا فلكياً”.
مرحلة “كارل ساغان”
“كارل ساغان” هو فلكي أميركي ولد عام 1934 وتوفي عام 1996، وكان له دور في تعزيز البحث عن “المخلوقات الذكية” خارج الأرض. قدم سلسلة حلقات من برنامجه “الكون: رحلة شخصية”، فتابعه 50 مليون شخص من 60 بلداً مختلفاً.
قال ساغان خلال برنامجه وفي تصريحات لوكالات أنباء عالمية: “إن الكون يضم حياة أو أكثر خارج إطار كوكب الأرض، وذلك استناداً إلى فكرة حجم الكون الهائل وما فيه من مجرات تحتوي الواحدة منها على ملايين الكواكب”.
ومع أن ساغان أكاديمي يحمل الدكتوراه في تخصص الفيزياء قبل كونه إعلامياً، إلا أن حمزة يوسف وهو واحد من المعلقين على رأيه هذا الذي نشر على بعض مواقع التواصل، قال عن ذلك ساخراً: “نظرية علمية قديمة قامت على أساس الحجم، تشبه النظريات الدينية البدائية، وبحث سيدنا إبراهيم عن إله كبير يعبده بين الكواكب قبل أن يتحنف”.
ويشير يوسف في قوله هذا إلى ما يمكن تسميته “حقبة ساغان” التي على رغم اتخاذها الصبغة العلمية، كانت في الواقع تستند إلى الخرافة والتهويل، إذ تؤكد مقالة “الحياة خارج الأرض” أن الفترة بين 1964-2007 وهي الفترة التي كان فيها ساغان من أشد المؤثرين إعلامياً وأكاديمياً، شهدت تلاحق خيبات الأمل من وجود حياة عاقلة على كواكب حولنا، بدءاً من مهمة “بيونير10” التي أرسلت خلالها “ناسا” للفضاء الخارجي بثاً يحوي “صوراً لأشخاص ذكر وأنثى”، ثم في 1974 مع إطلاق الوكالة الأميركية للفضاء إشارات مشفرة، تحوي لمحة عن علوم الرياضيات، ثم 1977 مع مشروع أصوات الأرض عبر تسجيلات لبشر أرسلوا تحياتهم بـ 55 لغة مع مقاطع موسيقية لبيتهوفن وموتزارت، وحتى 2007 بعد أن نشر معهد سيتي 350 هوائياً لاستقبال إشارات فضائية.
يذكر أن برامج ساغان شجعت مهمة “سيتي” وكان لساغان دور في انتقاء الصور التي أرسلت عبر تلك المهمات.
جماعة “بوابة الجنة”
تعود الموسوعة الأوروبية العلمية عبر مقالتها إلى إدراج مزيد من المعلومات التي تؤكد وصول اليأس من الاعتقاد بوجود حياة في الفضاء ذروته عام 1997، وتربط ذلك مع ظهور جماعة من جماعات الديانات الكونية التي انتشرت في الولايات المتحدة في تلك الحقبة الزمنية، أطلقت على نفسها اسم “بوابة الجنة”، إذ أقدم 38 شخصاً من الجماعة على الانتحار الجماعي، لاعتقادهم أنهم مخلوقات فضائية، وأن عليهم الانتحار لركوب مركبة فضائية مختفية وراء مذنب (هيل-بوب).
وبلغ عدد هذه الجمعيات حينها العشرات، من أشهرها جمعية “أثيريوس” التي أسسها جورج كينغ عام 1955، والتي “تدمج اليوغا بمعتقدات أديان قديمة بفكرة وجود كائنات كونية من كواكب أخرى سوف تساعد الإنسان في مهمة إنقاذ الأرض من الدمار”.
شكلت هذه الجماعات مع وسائل الإعلام وسينما الخيال العلمي نواة العقيدة الفضائية الغربية القديمة، التي انتشر كثير من أفكارها ليصل بلداناً خارج أميركا وخصوصاً فرنسا وكندا وبريطانيا، إضافة لمتابعين من بلدان خارج هذه الدائرة وفي بلدان العالم كله تقريباً.
المركبة “كيوريوسيتي”
“تأكدت خيبة أمل “ناسا” في وجود حياة خارج الأرض عام 2012 بعد إرسال المركبة المتطورة (كيوريو سيتي روفر) إلى المريخ”، إذ “لم تجد المركبة أية أشكال للحياة”، وصرحت “ناسا” حينها لوسائل الإعلام أن “الكوكب الأحمر بمثابة الكوكب الميت”، ويمكن القول إن دور الخرافة والمعتقدات الشخصية التي حركت وكالات الفضاء العالمية جميعها خلال تلك الحقبة (حقبة ساغان)، قد انتهى تماماً مع عودة بيانات (كيوريوسيتي) إلى الأرض، لتبدأ بعدها حقبة فضائية جديدة تأخذ طابعاً علمياً يهتم بمجالات أقل جموحاً، وتحركه النظريات العلمية الموثقة.
في هذا الإطار، نشر موقع متخصص في بعض مواضيع الفضاء قبل أيام قليلة عبر “اليوتيوب”، فيديو نال إعجاب آلاف المتابعين، حول كشف “ناسا” طريقة تصوير أحداث وقعت في الزمن الماضي من خلال نظرية “التشابك الكمي” طبقاً لمعادلة آينشتاين، ولقي العمل أصداء لمعلقين منهم حمزة الذي قال: “تتخيلون أشياء مستحيلة تنافي المنطق لمجرد أن ناسا أعلنت ذلك”، فيما مرتضى رأى أنه “لا يمكن تغيير الأحداث وانتقال البشر من زمن لآخر”، غير أن معلقاً باسم “ليام” أعرب عن رغبته في السفر للماضي وليس للمستقبل إن أمكن ذلك.