مركبة فضاء خاطبت “ناسا” بأشعة ليزر سافرت 16 مليون كيلومتر
في ذروة انشغال الإعلام العام بحرب غزة ومجازرها ومعاركها، حققت وكالة “ناسا” اختراقاً علمياً أساسياً عبر تلقيها إشارة ضوء ليزر من مسافة تزيد على 16 مليون كيلومتراً. ويشار إلى أنها المرة الأولى التي يحل فيها الضوء بديلاً من موجات الراديو في الاتصالات الفضائية لمسافات بعيدة، بل إنها تفوق ما يفصل الأرض عن القمر بقرابة 40 ضعفاً.
واستطراداً، قد يؤدي نجاح ضوء الليزر في نقل الإشارات بصورة مستقرة إلى تغيير أساس في عوالم الاتصالات المتطورة، إذ قد تنتقل شبكاتها إلى اعتماد الضوء بديلاً من الموجات اللاسلكية بأنواعها كلها. واستطراداً، لربما ترجم ذلك إلى تغيير في هيكلية الشبكات الأساسية، وحتى الأجهزة التي تتلقاها، مما يزيد من عمق الإنجاز التي حققته وكالة الفضاء الأميركية الشهيرة.
وفي التفاصيل يرد أن وكالة “ناسا” أطلقت قبل 52 يوماً، تحديداً في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مركبة فضاء مخصصة لدراسة نيزك قديم يحتوي معادن كثيرة في تركيبته. حملت تلك المركبة اسم “سايك” وأطلقت إلى منطقة تسمى “حزام الكويكبات” Asteroid Belt الذي يقع بين المريخ والمشتري، وقد اكتشفه العالم الشهير يوهانس كيبلر في أواخر القرن الـ16. وتحديداً، أنيط بالمركبة مهمة دراسة كويكب معين يكتنز معادن بكميات ضخمة، اكتشفه العلماء في عام 1852 وأطلق عليه اسمه “سايك” Psyche، وامتدت التسمية إلى مهمة المركبة الفضائية التي توجهت إليه. واستقت التسمية من الميثولوجيا الإغريقية وتشير إلى إحدى الآلهات التي اعتبر أنها تملك القدرة على الإمساك بالأرواح والتأثير عليها.
وتفصل الأرض مسافة تفوق الـ3.6 مليار كيلومتر عن الكويكب “سايك”.
ماسك وستار لينك وسكنى المريخ
في ملمح بارز، تعاونت “ناسا” مع شركة “سبيس إكس” التي يملكها إيلون ماسك، في إطلاق المركة “سايك”، إذ حملها صاروخ فضاء ضخم من صنع تلك الشركة.
ومع تذكر أن ماسك يملك أيضاً شبكة “ستار لينك” الفضائية المخصصة للاتصال مع الإنترنت، يلوح في الأفق إمكانية أن تكون تلك الشبكة في طليعة المستفيدين من الاختراق العلمي الذي حققته “ناسا” بجعل ضوء الليزر أداة في الاتصالات اللاسلكية.
هل ستسير الأمور على هذا النحو أم تحمل الأيام مآلات أخرى؟
ثمة ما يحفز على الإكثار من الأسئلة، خصوصاً مع تذكر أن مهمة المركبة “سايك” تندرج ضمن برنامج لوكالة “ناسا” يحمل تسمية “الاتصالات الضوئية في الفضاء العميق” Deep Space Optical Communications، اختصاراً “ديسوق” DSOC. وبالنسبة إلى ذلك البرنامج نفسه، يعد تلقي إشارة ضوء الليزر المنطلقة من مركبة “سايك”، المرة الأولى أيضاً التي تستعمل فيها تلك الأشعة في نقل إشارات لمسافات أبعد من القمر.
ووجهت المركبة “سايك” تلك الحزمة من الليزر إلى محطة مخصصة لتلقي تلك الأشعة في كاليفورنيا. ووصلت إلى الهدف المحدد بعد 20 دقيقة. وقد شبهت وكالة “ناسا” تلك الدقة بأنها تشبه أن تحاول توجيه ضوء بطارية إلى قطعة نقود معدنية تبعد عنك ما يزيد على 1.6 كيلومتراً. ويزيد تعقيد المهمة أن ثلث الساعة الذي استغرقته تلك الأشعة كي تصل إلى كاليفورنيا، تتضمن أن الأرض تكون قد تحركت وكذلك مركبة الفضاء نفسها.
ووصف ترودي كورتس، أحد كبار المسؤولين العلميين عن برنامج “ديسوق”، إنجاز نقل إشارات الاتصالات بواسطة أشعة الليزر بأنه يمهد لعصر جديد من النقل الفائق السرعة لكميات ضخمة من البيانات والمعلومات والصور الفائقة الدقة وأشرطة الفيديو. واعتبر ذلك قفزة عملاقة للإنسانية، بل أدرجها ضمن المساعي الرامية إلى نقل البشر للعيش في المريخ.
مرة أخرى، يصعب عدم تذكر أن إيلون ماسك يكرر باستمرار تبنيه للهـدف المتمثل في نقل البشر من الأرض إلى الكوكب الأحمر والاستقرار فيه.
هل دخلت مساعي نقل البشر إلى المريخ مرحلة مختلفة نوعياً مع النقل الضوئي لإشارات الاتصال الفضائي ضمن منهمة تعاونت فيها وكالة فضاء فيدرالية مع شركة خاصة مهتمة باستكشاف الكون؟ لننتظر، ولنرى.