رأي

مخاوف من “عرقنة” الأزمة… والحلّ على لسان غوتيريس “حكومة جامعة”

كتب محمد بلوط في “الديار”:

المخاوف من عرقنة الازمة اللبنانية بعد الانتخابات النيابية ونتائجها هي مخاوف جديّة تنذر بمزيد من التداعيات الخطيرة في ظل تدحرج الانهار نزولا بشكل مضطرد ومخيف.

واذا كان استحقاق انتخاب رئيس المجلس واعضاء هيئة المكتب محسوم باعادة انتخاب الرئيس بري حكما وترتيب وتظهير انتخاب نائب الرئيس وباقي اعضاء هيئة مكتب المجلس في ضوء الاتصالات التي بوشر بها، فان المعركة القاسية ستكون معركة الحكومة المقبلة في ظل غياب الاكثرية النيابية والتوزع الجديد للقوى والكتل السياسية تحت قبّة البرلمان.

المعلومات حتى الآن لا تؤكد ان هناك مناخاً وفاقياً داخلياً على تكوين الحكومة العتيدة، وان هناك كباشا قويا سيشتد في الأيام المقبلة على هذا الاستحقاق المهم.

لكن ثمة اشارات ومعطيات لا بد التوقف عندها للتعاطي مع جوانب هذا الموضوع، وهي اشارات سلبية وايجابية متوازنة تقريباً، مع العلم ان العامل الخارجي يلعب دوره في الاستحقاق الحكومي كما الاستحقاق الرئاسي، خصوصا في ظل الظروف التي يعيشها لبنان.

برأي المراقبين ان ثمة عاملا قويا يدفع باتجاه الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة يتمثل بالتدهور المتسارع والخطير للاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية في البلاد. فبعد ساعات من انتهاء الانتخابات وقبل اعلان النتائج النهائية استأنف الدولار قفزاته صعوداً بطريقة جنونية، وعادت الطوابير امام الافران ومحطات الوقود وتحولت اسعار السلع والمواد الغذائية الى كتلة نار بوجه اللبنانيين، فتبددت كل الشعارات الانتخابية، وعاد الناس الى واقعهم الأليم بعد الصخب الانتخابي.

يتذكر اللبنانيون جيدا كيف ان زيادة تسعيرة “الواتس آب” 6 سنت قد ألهبت الشارع منذ ثلاث سنوات وفجرت انتفاضة شعبية كبيرة شوهتها المداخلات من الداخل والخارج في أيامها الاولى، لكنها احدثت تداعيات شهدنا بعضا منها في نتائج الانتخابات.

واليوم نحن ذاهبون الى مزيد من الاجراءات الصعبة والتقشفية ومزيد من فلتان السوق في غياب اية رقابة او قرارات علاجية، فهل يمكن ان يتحمل لبنان أزمة حكومية طويلة ويعيش في ظل ما يوصف بمرحلة تصريف أعمال؟

والى جانب هذا العامل الداخلي القوي لتسريع تشكيل الحكومة الجديدة برزت المواقف الدولية بعد ساعات من اعلان نتائج الانتخابات التي رحبت بمجريات العملية الانتخابية ونتائجها، وشددت على الاسراع بتأليف الحكومة.

ويمكن القول ان الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس قد لخص هذه المواقف في بيانه الذي قال فيه ان العالم “ينتظر بفارغ الصبر ان يشكل اللبنانيون سريعا حكومة جامعة في بلدهم الغارق في ازمة اقتصادية خطيرة والذي غالبا ما يستغرق تشكيل حكومة جديدة فيه وقتا طويلا”.

ولفتت دعوة الادارة الاميركية الى تأليف الحكومة لانجاز الاصلاحات المطلوبة، دون ان تتطرق الى تفعيل نتائج الانتخابات رغم انغماسها في هذا الاستحقاق.

كما لفت ايضا دعوة الحكومة البريطانية الى تشكيل حكومة وحدة بعد الانتخابات. بينما ركزت فرنسا على الاسراع في تأليف الحكومة لتنفيذ الاصلاحات المنتظرة من اللبنانيين ومن الاسرة الدولية.

ووفقا لهذه المواقف المعلنة فان هناك دعوة صريحة لتسريع تأليف الحكومة، واشارة واضحة الى ان تكون “جامعة” كما عبر الامين العام للامم المتحدة.

اذن، برأي المراقبين، ان هناك عاملين قويين ومهمين يجعلان من تأليف حكومة فاعلة وجامعة امرا اولويا، وهما التدهور الخطير الذي يشهده لبنان والموقف الدولي الذي يبدو انه لا يتطابق مع بعض القوى السياسية اللبنانية الداعية الى قلب الاولويات واستحضار وتقديم ملفات خلافية حادة تنذر بمزيد من الانقسامات الحادة في هذه المرحلة مثل ملف سلاح حزب الله.

واذا كانت الادارة الاميركية والغرب وبعض الدول العربية وفي مقدمها السعودية قد عبروا صراحة عن دعمهم لحلفائهم في المعركة الانتخابية بوجه حزب الله فانهم يدركون خطورة الاندفاع في هذه المعركة الى اماكن قد تفجر الموقف في لبنان. لذلك من المستبعد ان تقدم على مغامرة قد تطيح بالنتائج التي تعتبرها انها انتزعت الاكثرية من الحزب وحلفائه وارست توازنا سياسيا جديدا في مجلس النواب وخارجه.

ومن جهة اخرى ثمة معطيات سلبية لا تبعث على التفاؤل بتشكيل حكومة جديدة قريبا، ولعل ابرزها ما افرزته الانتخابات النيابية من نتائج لا تحسم الاكثرية لهذا الفريق او ذاك، خصوصا مع دخول كتلة وازنة من “القوى التغييرية” وبعض المستقلين.

ولا يتوقف ا لامر عند هذا الحد، بل ان هناك من يسعى او يراهن على تشكيل تكتل نيابي كبير تحت عنوان “القوى السيادية”، ويحاول ان يستقطب التغييريين الى هذا الفريق الذي يجسد من الواقع تجديدا لفريق 14 اذار بثوب آخر.

واذا كانت المعطيات وطبيعة وتنوع القوى التغييرية لا تسمح بنجاح مثل هذه المحاولات، فان هذا الفريق السياسي الذي تقوده “القوات اللبنانية” يتجه الى تصعيب مهمة تشكيل الحكومة من خلال رفض الحكومة الجامعة تحت شعار عدم المشاركة بحكومة تضم وزراء من حزب الله.

ويبدو ايضا ان فكرة المجيء بحكومة تكنوقراط صعبة ايضا، خصوصا بعد اعلان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل اول امس رفض مثل هذه الصيغة لا سيما بعد اجراء الانتخابات وتجديد المجلس النيابي.

لا يبدو ان مهمة تشكيل الحكومة ستكون سهلة في ظل هذا الانقسام الحاد في الداخل، لكن ثمة من يعوّل على مداخلات الخارج وتحديدا فرنسا التي كان لها الدور الابرز بتفويض اميركي في تأليف حكومة الرئيس ميقاتي.

ووفقا للمعلومات المتوافرة فان باريس كانت ابلغت جهات لبنانية مؤخرا انها مهتمة باجراء الانتخابات وسلامتها، وهي مستعدة بعد ذلك للمساعدة في تحقيق الاستحقاقات الدستورية الاخرى من تأليف الحكومة الى انتخاب رئيس جديد للبلاد.

واذا ما تجدد التفويض الاميركي للرئيس ماكرون، وهذا امر متوقع فان باريس ستباشر في بذل جهد خاص، رغم انشغالها في الظروف والتطورات بحرب اوكرانيا وتداعياتها، من اجل التسريع في تشكيل حكومة جديدة في لبنان.

لن تكون مهمتها سهلة، لكن فرنسا ما تزال تتمتع بخصوصية تجعلها تلعب هذا الدور لا سيما انها تحظى بدعم دولي وعربي بوجه عام ومنفتحة ومتواصلة مع كل القوى في لبنان بما في ذلك حزب الله.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى