مخاطر التصعيد جنوباً وتوظيفه قبل الهدنة
كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن.
أعاد تصعيد المواجهات العسكرية على الجبهة الجنوبية في اليومين الماضيين التذكير بحقائق وتوقعات يحييها تدحرج الأحداث خلافاً لبعض الاستنتاجات التي تغذيها التمنيات أحياناً، وسوء التقدير أحياناً أخرى، باستبعاد الحرب الواسعة.
مع تكرار اللازمة القائلة إنّ لا إيران ولا «حزب الله» ولا أميركا ولا إسرائيل تريد توسع المواجهات على الجبهة الجنوبية نحو حرب شاملة بين إسرائيل و»الحزب» تطال لبنان كله، وتصل إلى العمق الإسرائيلي بالقصف، فإنّ احتمال وقوع هذه الحرب يطل برأسه كلما شهدت الجبهة تصعيداً كالذي شهدناه في الأيام الماضية.
بداية، تثبت الوقائع العسكرية مدى ارتباط المواجهات جنوباً بحرب غزة، وهو ارتباط يصر عليه «حزب الله» برفضه البحث بالتهدئة في الجنوب قبل أن تتوقف الحرب ضد غزة. ليس صدفة أن يتزامن تصعيد الأيام القليلة الماضية مع محادثات الهدنة في القطاع، وما بلغته من تعثر بسبب التصعيد الإسرائيلي باحتلال معبر رفح والقصف الذي يطال المناطق المدنية من المدينة، إثر رفض بنيامين نتانياهو الصيغة الأخيرة لاتفاق الهدنة وتبادل الرهائن والأسرى، بعدما وافقت عليها «حماس».
يواكب الجيش الإسرائيلي التصعيد في رفح بتصعيد مماثل في الجنوب بهدف مزدوج: تشديد الضغط على الوسطاء عبر إعادة احتمال الحرب في الجنوب إلى الواجهة حتى لو نجحت الهدنة إذا لم تتحقق شروط إبعاد «حزب الله» عن الحدود لضمان أمن شمال إسرائيل، ومحاولة إنزال الخسائر بحلفاء «حماس» في محور الممانعة بموازاة المفاوضات عليها لتحسين الشروط الإسرائيلية. وهذا ما حصل باستهداف مجموعة تابعة لـ»الجهاد الإسلامي» في الجنوب قُتل منها عنصران أول من أمس. لهذا التصعيد وظيفة في إطار الخلاف بين واشنطن وتل أبيب حول بنود صيغة الهدنة، تلوّح فيها الثانية للأولى بأنها قد تفجّر جبهة الجنوب إذا تصاعدت الضغوط عليها للقبول بالصيغة التي أيدتها الإدارة الأميركية.
يلاقي «حزب الله» التصعيد الإسرائيلي من جهته برفع مستوى المواجهات العسكرية حيث نجح في استخدام المسيرات لسد النقص في كشف المواقع التي يتمركز فيها الجيش الإسرائيلي، وهو ما مكنه من إنزال خسائر بجنوده باستهداف مواقع يصعب كشفها بالعين المجردة، في عمق المنطقة الشمالية الإسرائيلية، مقابل الخسائر المؤلمة التي تكبدها منذ سبعة أشهر بنجاح إسرائيل في استهداف قادة ميدانيين لقواته، وعناصر يتواجدون في القرى الأمامية وأحياناً في عمق البلدات الجنوبية، بفعل التفوق التكنولوجي الذي تميز به العدو قياساً إلى حرب تموز. وثمة من يرى أن أحد أوجه التصعيد من طرف «حزب الله» تذكير من يلزم من الوسطاء بوجوب التواصل مع إيران من أجل تثبيت الهدنة، على رغم أنّ «حماس» تولت إبلاغ وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بتفاصيلها عند موافقتها عليها.
مهما كانت الأهداف الآنية أو البعيدة المدى لدى إسرائيل أو «الحزب» من وراء هذا التصعيد في الجنوب، وسواء كان تكتيكاً عسكرياً يرفد مفاوضات هدنة غزة أم للاعتراض على صيغتها، فإنّ أوساطاً سياسية متابعة للموقفين الأميركي والإسرائيلي ما زالت تعتبر أنّ الركون إلى التطمينات بأن إسرائيل وأميركا وإيران لا تريد الحرب فيه مخاطرة كبرى. ويأتي قول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أثناء تفقده الجبهة الشمالية أول من أمس، بأنه «يبدو أن الصيف المقبل سيكون ساخنًا»، ليعزز احتمال حصول الحرب.
في المعطيات التي لدى هذه الأوساط، أن الجيش الإسرائيلي وضع خططاً لا تقتصر على القصف الكثيف للجنوب ومواقع في مناطق لبنانية أخرى، بل تشمل دخولاً برياً بعمق قد يقتصر على خمسة كيلومترات بهدف تمشيط المناطق الحدودية وتدمير المزيد من المنشآت والأبنية، كما حصل في غزة، ثم الانسحاب منها بعد بضعة أسابيع، كما فعل في شمال ووسط القطاع.
قد يكون بث هذه المعطيات من باب التهويل والضغط المقابل، لكن الأوساط نفسها التي تحذر من خطأ الحسابات في التصعيد جنوباً تكرر القول إن توسيع الحرب في الجنوب لا يتعلق بإيران و»الحزب» بل بقرار إسرائيلي بحت، وبأن الاعتقاد بأن أميركا ستلجم إسرائيل عن هذا الخيار فيه مخاطرة في التقدير، لأنّ واشنطن قد تكون قادرة على ذلك في حالة غزة، لكنها قد تمتنع عن ممارسة ضغوط كهذه في حالة لبنان و»حزب الله»، إذا كانت العملية الإسرائيلية محدودة بالزمان والمكان. فعلى رغم التسريبات الإسرائيلية حول قدرات «الحزب» الصاروخية الكبيرة قياساً إلى إمكانات «حماس»، يسود الاعتقاد لدى تل أبيب بأنها استنزفت جزءاً من إمكاناته في الأشهرالسبعة الماضية، وأن أميركا لن تترك إسرائيل تتعرض لوابل الصواريخ التي يتوعد «الحزب» بإطلاقها نحو عمقها.