رأي

 محاربة معاداة السامية في ألمانيا

في تقرير أعدّه المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، جاء فيه :

تعد معاداة السامية هي عمل عدائي أو تحيز ضد المواطنين اليهود، وكان تعداد اليهود في ألمانيا قبل عام 1989 يقل عن (30) ألف شخص، معظمهم من الاتحاد السوفيتي السابق، زاد تعداد اليهود في ألمانيا بصورة كبيرة منذ عام1989 ولكنه أرتفع حتى عام 2018 ليصل إلى أكثر من 200 ألف شخص، فاليهود في فرانكفورت يعدون واحدة من أكبر التجمعات اليهودية في ألمانيا بـ (6500) حتى العام 2020.

يتجلى التعبير عن معاداة السامية بأشكال كثيرة، فهناك ما يسمى بـ “معاداة السامية الاجتماعية”، وهناك ما يسمى معاداة السامية “الحديثة”، لكن وفي الأساس، فإن كل أشكال معاداة السامية لها نفس الدوافع. تبني تعريف “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست” لمعاداة السامية من قبل الأوساط العلمية ومن الحكومة الألمانية والبرلمان الأوروبي، ولكن هناك انتقادات أيضا لهذا التعريف وخاصة من الوسط الثقافي، حيث هناك من يخشى أن يتم تضييق مجال انتقاد إسرائيل.

خلص استطلاع للرأي في الثالث من مارس 2023 إلى أن تصور ماهية معاداة السامية وكيف يتم التعبير عنها يمكن أن يختلف اختلافا كبيرا. أحد الأمثلة على ذلك هو الطريقة التي تحدثت بها وسائل الإعلام عن الهجوم الإرهابي على كنيس يهودي في “هاله” في عام 2019 باعتباره “جرس إنذار”، لكن بالنسبة للمتضررين، كان هذا بمثابة تحقيق لشيء كانوا يتوقعونه لسنوات.

تنامي جرائم معاداة السامية 

سجلت السلطات الألمانية في عام 2021 حوالي (3028) جريمة معاداة للسامية بزيادة ما يقرب من (700) جريمة عن العام 2020. وأشارت الإحصاءات التي نشرتها الداخلية الألمانية إلى معدلات العنف المرتبط بمعاداة السامية العام 2018 حيث سجل (1664) جريمة كراهية ضد اليهود خلال العام 2018، وذلك بزيادة (10%) مقارنة بالعام 2017. وفي الفترة ما بين عامي 2001 و 2015، كان هناك سنويا ما بين (1268 و 1809) جريمة معادية للسامية، أي ما متوسطه (1522) جريمة معادية للسامية، بما في ذلك (44) جريمة نتيجة أعمال العنف.

تعد معاداة السامية في ألمانيا ليست مشكلة على هوامش الطيف السياسي فحسب، بل هي “متجذرة بعمق” في وسط المجتمع. يعتبر غالبية الناس في ألمانيا معاداة السامية ظاهرة منتشرة، إذ أجاب (60%) من المشاركين في استطلاع بالرأي بـ”نعم، على الأرجح” أو “نعم، بالتأكيد”، رداً على سؤال فيما إذا كانت معاداة السامية منتشرة على نطاق واسع. وكان هذا رأي (53%) من المسلمين. وقال نحو ثلثي المشاركين إنهم مقتنعون بأن مشكلة معاداة السامية تفاقمت خلال السنوات العشر الماضية، فيما يرى ذلك نحو (50%) المسلمين المستطلعة آراؤهم. 

معادة السامية على الإنترنت

حققت الأجهزة الأمنية الألمانية في (14) فيما يسمى بمنشورات الكراهية على الإنترنت هذه العملية بحسب الشرطة هي واحدة من (91) عملية للشرطة في ألمانيا، حيث ازداد عدد منشورات الكراهية المرتبطة بمعاداة السامية على الإنترنت منذ فترة طويلة في عام 2021. تقول “فون شنورباين” مفوضة الاتحاد الأوروبي لمكافحة معاداة السامية وتعزيز الحياة اليهودية “إن “الإنترنت هي البوابة الأولى لمعاداة السامية في غرف المعيشة لدينا. واشارت “فون شنورباين” إلى “أن الكراهية والإثارة على الإنترنت تتزايد أكثر فأكثر”، وأضافت “ربما ستكون الاستراتيجية الألمانية لمعادة السامية علامة فارقة في تاريخ الجمهورية الاتحادية”

يتابع المنصات الألمانية المعادية للسامية ما يقرب من (4) ملايين متابع لذلك يتم الترويج لمعاداة السامية إلى حد كبير على منصات التواصل الاجتماعي. أقيم دعوى قضائية على تويتر في 25 يناير 2023 في محكمة ألمانية لأنها لم تحذف محتوى معاديا للسامية وتشمل الدعوى التي رُفعت في إحدى محاكم برلين، (6) منشورات معادية للسامية وتتضمن عدم التسامح فضلا عن التهديدات والسلوك المثير للكراهية. ولكنها لم تُحذف من قبل تويتر على الرغم من الإبلاغ عنها. ويقول مقيمو الدعوى القضائية أنه رُفض صراحة حذف منشورات تنكر المحرقة النازية “الهولوكوست” خصوصا أن إنكار المحرقة النازية “الهولوكوست” جريمة في القانون الألماني.

تزايد معاداة السامية في المؤسسات التعليمية

حذرت السلطات الألمانية في 27 مايو 2023 من انتشار معاداة السامية في مدارس الولايات وألزمت المدارس بالإبلاغ عن الحوادث المتعلقة بهذا الشأن، وشددت على ضرورة تدريب المعلمين على كيفية التعامل مع معاداة السامية والعنصرية لا سيما أن المعلمين يلعبون دورا مركزيا في مكافحة معاداة السامية، بالإضافة إلى إلقاء نظرة فاحصة على الطريقة التي يتم بها تدريس اليهودية في الكتب المدرسية. بالإضافة إلى البحث في “ديناميكيات ومظاهر وتأثيرات معاداة السامية في أوروبا، وتطوير المواد التعليمية الرقمية المتعددة اللغات للوقاية من معاداة السامية بالتعاون مع مدارس في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا ورومانيا”. كان هناك ثمة محاولات من معلمي المدارس الألمانية لمواجهة معاداة السامية بين أبناء اللاجئين وتلاميذ ذوي أصول مهاجرة.

استراتيجية مكافحة معاداة السامية

تنفذ الحكومة الألمانية الاتحادية أحد متطلبات المفوضية الأوروبية لمعاداة السامية، وتعتبر لألمانيا دورا رئيسيا في هذا المجال فهي سابع دولة في الاتحاد الأوروبي تقدم مثل هذا المفهوم. اعتمدت الحكومة الألمانية خطة عمل لمكافحة معاداة السامية في السابع من ديسمبر 2022 عبر نشر الوعي عن معاداة السامية وتستهدف الاستراتيجية أيضا الجهات الفاعلة مثل النوادي الرياضية من خلال وضع أسس تعليمية لمنع كراهية اليهود، وضرورة إبراز أهمية ثقافة الذاكرة والوعي المرتبطة بالتاريخ.

كشفت وزارة الداخلية الألمانية في العام 2021 عن وضع إجراءات وطنية موحدة تسمح باتخاذ إجراءات قانونية ضد التجمعات والمظاهرات المعادية للسامية في محيط الكنس وغيرها من المؤسسات اليهودية، وإنه لن يتم التسامح مع معاداة السامية “تحت غطاء حرية التعبير والتجمع وتشديد العقوبات على الأعمال المعادية للسامية كسن قوانين تفرض عقوبات أشد على جرائم الكراهية وانتهاك حرمة مؤسسات الطوائف الدينية.

حكمت محكمة في فرانكفورت على شاب ألماني بالسجن ثلاث سنوات و10 أشهر بعد إدانته بمحاولة تشكيل جماعة مستوحاة من شبكة “أتوموافن ديفيجن” المعروفة بأيديولوجيتها العنصرية والمعادية للسامية، وهي من حركات النازيين الجدد ومقرها في الولايات المتحدة، والتخطيط لهجمات إرهابية ببنادق ومتفجرات على سياسيين ويهود ومهاجرين. أدان المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا الهجمات على اليهود في ألمانيا وأكد أن “معاداة السامية والعنصرية والكراهية خطايا كبيرة في الإسلام، ونحن لذلك لا نتسامح معها. وأعربت الجالية المسلمة في ألمانيا في العام 2018 عن تضامنها مع الطائفة اليهودية ونددت باي أعمال عنف تتعرض لها.

يعد أمن المؤسسات اليهودية من أكثر القضايا المطروحة في ألمانيا بعد هجوم هاله 2019 عبر توفير أبواب مقاومة للرصاص أو أسوار أو أقفال الدخول بدرجة أكبر من الأمان، وتقديم (22) مليون يورو إضافية لحماية المنشآت اليهودية على المستوى الاتحادي. أصبحت مواقف الساسة الألمان أكثر تشددا تجاه أي نوع من معاداة السامية، حتى أن سياسيين ألمان تحدثوا عن أن مثل هذه السلوكيات يمكن أن تكون “سببا للترحيل من البلاد”.

وقالت “أنغيلا ميركل” المستشارة الألمانية السابقة «شكل آخر لمعاداة السامية” بين اللاجئين في ألمانيا. وعدت المستشارة “انغيلا ميركل” بموقف حازم للحكومة الألمانية في مواجهة ظاهرة معاداة السامية وعدم التمكن من ترك أي حضانة أو مدرسة أو كنيس يهودي دون حماية أمنية، ففي هامبورج على سيبيل المثال حققت الأجهزة الأمنية في الولاية من حالة الخطر لجميع المرافق اليهودية لمعرفة ما إذا كانت هناك نقاط ضعف هيكلية في المباني”.

ان الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى