رأي

محادثات “تقنية” مع طالبان في “منطقة رمادية”!

كتبت روزاليا رومانيك | نينا هازه | مسعود سيف الله, في “DW”:

تسعي برلين إلى تنفيذ المزيد من عمليات الترحيل إلى أفغانستان، ويدور حديث عن “محادثات تقنية” ومراسلات مع طالبان، التي تمتلك ممثلية في ميونيخ. فهل يعد ذلك خطوة نحو تطبيع العلاقات مع الحركة المتشددة وتراجع برلين عن شروطها؟

أعلنت حركة طالبان في نهاية شهر تموز/يوليو 2024 أنَّها لا تعترف إلَّا بخمس بعثات دبلوماسية أفغانية فقط في أوروبا كممثلين شرعيين لها. وهي السفارات الأفغانية في إسبانيا وبلغاريا وجمهورية التشيك وهولندا وكذلك القنصلية في مدينة ميونيخ الألمانية. وفي مقابلة مع DW قال المتحدِّث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد إنَّ “هذه البعثات الدبلوماسية تلتزم بتعليمات أفغانستان وتُمثِّلها في البلدان المضيفة. نحن نثق في عمل هذه البعثات وهذه النشاطات يتم تنفيذها بشفافية”. وأضاف أنَّها “تتحمَّل المسؤولية وتقوم بتنفيذ أوامرنا”. وهذا يعني أنَّ القنصلية في ميونيخ تلتزم بالتعليمات الصادرة من كابول.

ولفهم ذلك فقد نأت معظم الممثليات الدبلوماسية الأفغانية في أوروبا بنفسها عن طالبان بعد وصول الجماعة إلى السلطة في آب/أغسطس 2021. ولم تعد تتلقى أي تمويل من كابول بعد قطع التعامل معها. ومع ذلك فلم يكن لدى طالبان أي اعتراض خلال السنين الثلاث الماضية على أنشطة البعثات الأفغانية في الخارج وقد سمحت لها تنفيذ مهامها القنصلية مثل إصدار جوازات السفر والتأشيرات وغيرها من الوثائق لنحو أربعمائة وعشرين ألف شخص أفغاني يعيشون في ألمانيا.

والآن توقَّف عمل السفارة الأفغانية في برلين والقنصلية الأفغانية في بون بسبب رفضهما التعاون مع طالبان وأصبحتا مشلولتين إن صح التعبير. وبما أنَّ طالبان لم تعد تعترف بالوثائق الصادرة عن هذه البعثات فقد فقدت أيضًا أكبر مصدر دخل لها – وبهذا صار الوضع الدبلوماسي أكثر غموضًا مما كان عليه. وهذا يزيد الآن من ازدهار الأعمال القنصلية في ميونيخ. وحول ذلك لم يكن السفير في برلين ولا حتى القنصل في ميونيخ مستعدان للحديث معنا.

“براغماتية سياسية” و “محادثات تقنية”
ومن جانبها ردَّت بعد نحو أسبوع وزارة الخارجية الألمانية على قرار طالبان في “رسالة رسمية” موجَّهة إلى “القائم بأعمال وزارة الخارجية” في كابول. وحاليًا يدور الحديث في وزارة الخارجية الألمانية حول “محادثات تقنية” مع حكومة الأمر الواقع في كابول. وقد اطلعت DW على هذه الرسالة التي يرد فيها أنَّ وزارة الخارجية الألمانية توافق على أنَّ الممثلية الأفغانية في ميونيخ ستتولى الآن تقديم الخدمات القنصلية للأفغان من جميع أنحاء ألمانيا.

وبحسب القانون الدولي فإنَّ الحكومة الألمانية الاتحادية لا تستطيع تقريبًا اتخاذ أية إجراءات حيال ذلك، كما يقول فينفريد كلوت، الباحث القانوني في جامعة هاله-فيتنبيرغ الألمانية. ويضيف أنَّ حقيقة عدم احتجاج ألمانيا على ذلك تمثِّل “تعبيرًا عن براغماتية سياسية. فمصلحة ألمانيا تكمن في بقاء وجود قنصلية أفغانية يمكن فيها القيام ببعض الأمور مثل إصدار التأشيرات أو جوازات السفر من أجل الترحيل”.

ووزارة الخارجية الألمانية تناقض في رسالتها هذه ببساطة نية طالبان جعل القنصلية في ميونيخ تتولى تقديم الخدمات ليس فقط للأفغان المقيمين في ألمانيا وحدها بل أيضًا للمقيمين في جميع أنحاء أوروبا. وهذا يتعارض مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، كما أوضحت وزارة الخارجية الألمانية. ومع ذلك فإنَّ اعتراض برلين رمزي، وذلك لأنَّ لا لأحد يستطيع مراقبة إن كان الأفغان الحاضرون إلى قنصلية ميونيخ قادمين من ألمانيا أو من خارجها.

مخاوف المغتربين الأفغان

أشارت وزارة الخارجية الألمانية بلهجة دبلوماسية في هذه الرسالة إلى أنَّها مستعدة للحديث حول حلول. وكتبت أنَّ “جمهورية ألمانيا الاتحادية مستعدة للنظر في سبل تُمكِّن من تقديم الخدمات القنصلية بشكل مرضٍ للمواطنين الأفغان المقيمين في ألمانيا”.

وهذا الوضع الجديد يثير المخاوف لدى الجالية الأفغانية في ألمانيا. وحول ذلك تقول الناشطة الاجتماعية الأفغانية باتوني تيشمان: “المغتربون الأفغان لديهم أقرباء في أفغانستان. وإذا ما حصلت طالبان على معلومات شخصية من السفارات فقد يسهل الضغط على الناس أكثر”.

وكذلك ترى الناشطة في مجال حقوق المرأة والوكيلة السابقة لوزارة شؤون اللاجئين، السيدة عليمة عليمة، أنَّ طالبان قد تطالب مقابل قبولها المُرَحَّلين بإنشاء سفارة لها في ألمانيا. وتقول: “يجب علينا البقاء يقظين في الأيام المقبلة لكي لا نتفاجأ ونؤخذ على حين غرة”.

وفي الواقع ربما تحاول طالبان قريبًا إرسال ممثليها إلى البعثات الدبلوماسية في ألمانيا. وربما يضع ذلك برلين تحت الضغط في وقت تسعى فيه الحكومة الألمانية الاتحادية إلى إتمام المزيد من عمليات الترحيل إلى أفغانستان . وتؤكِّد وزارة الخارجية الألمانية أنَّ “الشرط الأساسي لتطبيع العلاقات مع أفغانستان هو وفاء أفغانستان بالتزاماتها الدولية بما في ذلك وبشكل خاص وفاؤها بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. وهذا الشرط الأساسي لم يُحقَّق حتى الآن”، كما ذكرت وزارة الخارجية الألمانية في ردها على استفسار DW.

محادثات “تقنية” أم خطوات نحو التطبيع”

يُذكر علنًا وبشكل متزايد أنَّ برلين تجري “محادثات تقنية” مع حكومة الأمر الواقع في كابول. وبما أنَّ السفارة الألمانية في كابول مغلقة منذ استيلاء طالبان على السلطة في شهر آب/أغسطس 2021، وأنَّ ألمانيا لا يوجد لديها سفير معتمد في أفغانستان، فإنَّ المحادثات تدور – على المستوى السياسي – “قبل كلِّ شيء من خلال مكتب اتصالنا في الدوحة مع ممثلي حكومة الأمر الواقع الموجودين هناك”، كما قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية في مؤتمر صحفي.

وقد ذكرت الحكومة الألمانية الاتحادية أنَّها في المطالب السياسية المهمة، مثل الترحيل الأخير المباشر لمرتكبي جرائم أفغان إلى كابول من مدينة لايبزيغ في نهاية آب/أغسطس الماضي، لم تجري أية محادثات تقنية مع طالبان، بل لجأت إلى مساعدة دول وسيطة مثل قطر.

ومما يزيد الدهشة أنَّ الرسالة الصادرة عن وزارة الخارجية الألمانية والمرسلة إلى طالبان باعتبارها “رسالة رسمية” مكتوب في ترويستها أنَّ مرسلها “سفارة جمهورية ألمانيا الاتحادية في كابول”. وهذا مكتوب أيضًا على الختم الرسمي: “سفارة جمهورية ألمانيا في كابول”. وهذا يمثِّل بحسب رأي الباحث القانوني فينفريد كلوت “منطقة رمادية” وربما “إجراءًا للتستر”. وبما أنَّ السفارة الألمانية في كابول مغلقة حاليًا فإنَّ هذا “يتناقض مع الحقائق القانونية – ومن الصعب فهم ما كان يفكر فيه كاتب الرسالة”، كما يقول هذا الخبير القانوني. وبدورها لم ترغب وزارة الخارجية الألمانية التعليق على ذلك.

وبما أنَّ ألمانيا تجري محادثات تقنية فإنَّ طالبان ستروِّج ذلك باعتباره “خطوة مهمة نحو اعتراف دبلوماسي بها”، كما قال الخبير في الشؤون الأفغانية توماس روتيغ في مقابلة مع DW . وأضاف أنَّ “الجانب الألماني سيحاول التقليل من أهمية الأمر، ولكن في ضوء النقاشات الحالية حول عمليات الترحيل إلى كابول فإنَّ الحكومة الألمانية بطبيعة الحال مهتمة بذلك”.

والآن تريد الجالية الأفغانية في ألمانيا التظاهر في برلين ضدَّ هذه القواعد الجديدة المفروضة من قِبَل طالبان، علمًا أنَّ الشرطة في برلين لم توافق على موعد المظاهرة الأول في بداية شهر أيلول/سبتمبر الجاري. والآن تحاول الجالية الأفغانية التظاهر في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى