رأي

مجموعة العمل الأميركية: سامي وميشال وبولا مرشحو واشنطن

علي مراد  – الاخبار

من الأدوات التي توظّفها واشنطن في حروبها ضد الشعوب، استعمال مواطنين أميركيين تعود أصولهم إلى البلد قيد الاستهداف. في حالة لبنان اليوم، تنشط، منذ مدة، شخصيات أميركية من أصول لبنانية تحت عنوان تشكيل لوبيات في واشنطن للتأثير على السياسة الأميركية حيال لبنان، خصوصاً بعد بدء الأزمة عام 2019

تُعَدّ «مجموعة العمل من أجل لبنان» (ATFL) التي أسّسها أميركيون من أصول لبنانية من الكيانات الأنشط التي ظهرت على الساحة أخيراً، رغم وجودها منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي. لكن، في الأعوام الثلاثة الماضية، برز دور هذا الكيان، أو «اللوبي»، الموجود في واشنطن، إذ نشط منذ أواخر عام 2019، إلى جانب مؤسستَين أخريَين هما «معهد الشرق الأوسط» (MEI) و«تجمّع المصرفيين الدوليين اللبنانيين» (LIFE)، في عقد مؤتمرات وندوات وأوراق عمل وتوصيات حول الأزمة في لبنان.

يعود اهتمام ATFL بالانتخابات النيابية في لبنان إلى عقود مضت. ولم يوفّر أعضاؤه فرصة للتحدث إلى النخبة السياسية الأميركية حول ضرورة تسخير القنوات الدبلوماسية الأميركية لدفع لبنان نحو «دمقرطة» انتخاباته. في 25 حزيران عام 1997، مثلاً، كان بيتر طنّوس أول رئيس لـ ATFL يدلي بشهادته، إلى جانب أمين الجميّل، في جلسة بعنوان «السياسة الأميركية تجاه لبنان»، أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي، وقد ختم حديثه عن ضرورة السماح للأميركيين بالسفر إلى لبنان بالقول: «يجب على الولايات المتحدة أن تواصل التعبير عن مخاوفها للحكومة اللبنانية عبر القنوات الدبلوماسية بشأن الانتخابات وحرية الصحافة وحقوق الإنسان».

كان لـ ATFL، إلى جانب تجمّعات وتكتّلات لبنانية في الولايات المتحدة، دور نشط في أروقة الكونغرس في بداية الألفية ضمن نقاشات إقرار «قانون محاسبة سوريا». في إحدى الجلسات عام 2002، حذّر رئيس ATFL إدوارد غبريال أعضاء لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب من أنّ العقوبات في «قانون محاسبة سوريا» لن تؤدّي إلى انسحاب سوري من لبنان، بل إلى مزيد من النفوذ السوري فيه، معتبراً أنّ الخيار الأنسب هو الضغط على دمشق عبر وزير الخارجية آنذاك كولن باول.

وتحت عنوان «إشراك الجالية اللبنانية»، أرسلت السفيرة الأميركية السابقة في بيروت ميشيل سيسون برقية إلى واشنطن في 23 أيلول عام 2009، تحدثت فيها عن تفعيل السفارة الأميركية في بيروت عدداً من المشاريع التي تستثمر فيها بالمغتربين. وأشارت سيسون إلى أنّ «نسبة المغتربين اللبنانيين إلى المواطنين اللبنانيين المقيمين هي 3 إلى 1، الأمر الذي يوفّر إمكانات هائلة للاستثمار الأجنبي المباشر وتمويل المشاريع الصغيرة وعمل المجتمع المدني». ولفتت إلى أنّ الآلاف من المغتربين اللبنانيين زاروا لبنان للتصويت في الانتخابات البرلمانية في حزيران 2009، بفضل التغطية المالية التي أمّنتها الأحزاب السياسية اللبنانية أو فروعها الخارجية. ومع جرد أسماء الكيانات والتجمّعات اللبنانية في الاغتراب، وخاصة في الولايات المتحدة، ذكرت سيسون «مجموعة العمل من أجل لبنان» كأحد الأطراف الأساسية النشطة.

تكثّفت زيارات وفود ATFL للبنان، خصوصاً في الأشهر الأربعة الأخيرة، بعدما كان التجمّع يزور لبنان مرة واحدة سنوياً تقريباً. فقد زار وفد من ATFL لبنان برئاسة غبريال أواخر تشرين الثاني الماضي، وفي أواخر آذار الفائت. وسبق الزيارة الأخيرة إعلان ATFL في النصف الأول من آذار أنّها عقدت سلسلة لقاءات مع أعضاء في لجنتَي الشؤون الخارجية والعلاقات الخارجية في مجلسَي النواب والشيوخ الأميركيَّين حول الانتخابات اللبنانية المقبلة.

في زياراتها للبنان، تلتقي وفود ATFL عادة مسؤولي الدولة إلى جانب شخصيات ومؤسسات من القطاع الخاص، وتحرص على استعمال لغة دبلوماسية غير منحازة لطرف ضد آخر. لكن مؤخّراً كان واضحاً رهان المجموعة على ما يسمى «قوى التغيير المدنية»، وسط تهميش متعمّد للقوى التقليدية. في 12 شباط الفائت، دعا غبريال إلى فرض عقوبات على أي مسؤول لبناني يتدخّل في موعد إجراء الانتخابات وشفافيتها. وفي الجولة التي بدأتها ATFL في لبنان في 27 آذار الماضي، شملت لقاءاتها شخصيات سياسية وعسكرية ودينية، لكن ما أدلى به غبريال في السرايا الحكومية خلال اللقاء مع الرئيس نجيب ميقاتي كان لافتاً، وكان لافتاً أكثر نقل الحساب الرسمي للسرايا على

تويتر كلامه الذي قال فيه حرفياً: «تأتي زيارة مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان لعقد لقاءات مع المجتمع المدني ومجموعات المعارضة والمؤسسات غير الحكومية وغيرها للتطرق إلى موضوعين أساسيين، أولاً، الوضع الاقتصادي والانهيار الحاصل داخل البلاد وكيفية التعامل مع هذا الوضع، وثانياً ضرورة إجراء الانتخابات في وقتها». هكذا أهان غبريال ومن معه المواقع الرسمية للدولة اللبنانية من خلال القول في حضرة رئيس الحكومة بأنّ الزيارة للبنان هي للقاء المجتمع المدني ومجموعات المعارضة والـ NGOs.

في حقيقة الأمر، غبريال وكل أعضاء مجموعته يعملون منذ مدة على إبراز صوت وحضور فئة معينة في ما تسمّى «قوى المعارضة والتغيير المدنية». عند النظر إلى مجلسَي إدارة ومستشاري ATFL، سنجد حوالي 6 أميركيين من أصول لبنانية يجلسون في الوقت عينه في مجلسَي إدارة ومستشاري مؤسسة رينيه معوض، كما أنّ أكثر من عضو في مجلس إدارة ATFL هم أعضاء أيضاً في المجلس العالمي لـ«تجمّع التنفيذيين الماليين اللبنانيين الدوليين» (LIFE)، الذين يتقاطعون بدورهم مع «كلنا إرادة»، التي ركّب عبرها ألبير كوستانيان وسامي الجميل وميشال معوض وبولا يعقوبيان وغيرهم اللوائح المحسوبة على الأميركيين في الدوائر الانتخابية، ما تسبّب بخلافات كبيرة مع قوى معارضة أخرى. وهو ما يفسّر الأسباب التي دفعت وفد ATFL إلى اختيار مرشحين وممثلين عمّا تُسمّى «جبهة المعارضة اللبنانية» عندما أراد أن يجتمع أعضاؤه مع «ممثّلي المجتمع المدني لمناقشة المناخ الانتخابي»، وفق ما غرد حساب ATFL على تويتر في 28 آذار الماضي.

يُذكَر أنّ غبريال استمرّ بترديد جملة ثابتة بعد أغلب لقاءاته وهي أنّ «على لبنان التبنّي الفوري لحزمة صندوق النقد الدولي التي ستوافق عليها القيادة السياسية اللبنانية». وفي 8 نيسان الجاري، أصدر ATFL بياناً – قبيل إعلانه اختتام زيارة وفده للبنان – أشاد فيه بالاتفاق الذي أعلنت حكومة ميقاتي التوصّل إليه مع وفد صندوق النقد الدولي. اهتمام ATFL بالاتفاق مع الصندوق وحديث رئيسه عن الإصلاح الاقتصادي ينبعان من دور تدخّلي للوبي، وليس مجرّد اهتمام لمجموعة من أصول لبنانية، فقد نقل حساب رئاسة الحكومة على تويتر عن غبريال أنّه قال لميقاتي خلال اللقاء في 28 آذار ما يأتي: «قدّمنا الأسبوع المنصرم مشروعاً من ثمانية أجزاء للكونغرس الذي خصص نحو 300 مليون دولار أميركي للبنان. وكنا قد قدّمنا للبنان السنة الماضية 800 مليون دولار، وستفوق التقديمات هذا المبلغ في السنوات المقبلة». ومن غير الواضح ما إذا كان غبريال هنا يتحدّث باسم الحكومة الأميركية أو باسم ATFL (خصوصاً أنّ بايدن عيّنه في منصب عضو مجلس إدارة المعهد الأميركي للسلام USIP العام الماضي)، والأكيد أنّ ATFL لم يقدّم 800 مليون دولار للبنان العام الماضي، وهو غير قادر على أن يقدّم أكثر من المبلغ المذكور في السنوات المقبلة.

يجهد موظفو «كلنا إرادة» منذ مدة لنفي أي علاقة مادية أو ربما تنظيمية بينهم وبين LIFE، إلا أن التدقيق في هويات وخلفيات أعضاء مجلسَي الإدارة والمجلسَين الاستشاريَّين في الكيانَين يكشف تقاطعات وعلاقة بنيوية واضحة. إذ أن ستّة أعضاء يشتركون في العضوية في LIFE و«كلنا إرادة»، أغلبهم مصرفيون يعملون في مؤسسات مالية دولية. ويتكرّر الأشخاص أنفسهم في عضوية كيانات أخرى مثل «التجمّع الاقتصادي الاجتماعي من أجل لبنان» (SEAL) الذي أسّسه في الولايات المتحدة أعضاء في LIFE و«كلنا إرادة»، وهو يموّل مشاريع تنموية في كثير من المناطق اللبنانية (خاصة في المناطق المهمّشة). التقاطعات في العضوية تنسحب أيضاً على مؤسستَين اخريين هما ATFL ومؤسسة رينيه معوض. ستة أعضاء في اللوبي اللبناني ATFL هم أيضاً أعضاء في مجلس إدارة مؤسسة رينيه معوض – الفرع الأميركي، وعضوان في مجلس إدارة مؤسسة معوض هما أيضاً عضوان في مجلس إدارة SEAL، فيما اثنان آخران من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة عضوان أيضاً في LIFE. شبكة المصالح بين الكيانات الخمسة المذكورة أيضاً تتقاطع في الشركات والمؤسسات المالية والمصرفية التي يعمل فيها جزء كبير من أعضاء مجالس إدارات الكيانات الخمسة. على سبيل المثال لا الحصر، ثمانية أعضاء في هذه الكيانات إما يعملون حالياً أو سبق أن عملوا في Morgan Stanley، وستة يعملون أو سبق أن عملوا في Credit Suisse، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة هو الخلفيات والنوايا عندما يتعلق الامر بإبدائهم آراءهم أو رفعهم توصيات حول التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى