مجلس النواب وحرب الجنوب
كتب طوني فرنسيس في صحيفة نداء الوطن.
بعد أكثر من مئة يوم على اندلاع حرب غزة آن الأوان لأن يناقش اللبنانيون وقائع «انخراطهم» في هذه الحرب منذ اليوم الثاني لاشتعالها. لم يعد مهماً القول إنّ «حزب الله» انفرد باتّخاذ قرار إشعال الحدود الجنوبية «مساندة» لحركة «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وباقي الفصائل التي قرّرت عملية «طوفان الأقصى». ولم يعد مهماً التصريح بأنّ إيران تقف في غرفة عمليات تدير منها حركة الصواريخ والمسيّرات من لبنان إلى اليمن مروراً بالعراق. فكلّ هذا بات «طبيعياً» ومألوفاً، وطبقاً يومياً يتناوله اللبنانيون وزوّارهم الأجانب ويستطعمه الجيران العرب.
لكنّ غير المألوف ألا يكون للمؤسسات الرسمية اللبنانية دور وموقف في كلّ ما يحصل. صحيح أنّه لا رئيس للجمهورية حتى الآن، ولا حكومة مكتملة الصفات، لكن يوجد مجلس نيابي منتخب منذ أقل من عامين، وعلى هذا المجلس تقع مهمة انتخاب الرئيس وإقرار حكومة جديدة ومناقشة السياسات المصيرية الكبرى.
لا نتحدث هنا عن الأزمة المتمادية منذ خريف 2019، ولا عن تفجير العاصمة، بل عن احتمالات حرب عاصفة قد تطيح المتضرّرين من الأزمة العامة والعاصمة نفسها. مجلس النواب هو الآن الهيئة الرسمية الوحيدة المنتخبة والكاملة الصفات والصلاحيات. لكنه يغيب تماماً عن لعبةٍ مصيرية سيقت إليها البلاد أرضاً وشعباً وناخبين.
في إسرائيل لم تمنع الحرب، التي تجنّد فيها مئات الآلاف، مجلس النواب (الكنيست) من الاجتماع، ولم تتوقّف لجانه عن النقاش في مجريات «تدمير القطاع» والاستعداد لحروب جبهات أخرى. وفي عزّ اشتداد عمليات التدمير والقتل اجتمع نواب الدولة العبرية لإقرار موازنة حربية، واستحضر رئيس الحكومة للاستماع إليه في حضور أهالي الأسرى الإسرائيليين في غزة. وبعد أسبوع فقط من «الطوفان» انخرط النواب في سجال أثاره النائب العربي أيمن عودة عندما دعا إلى السلام بدلاً من الانتقام.
في الوقت نفسه، لم تتوقف اللجان عن الاجتماع والنقاش، وتحوّلت الحرب التي تعتبرها إسرائيل مصيرية، إلى قضية رأي عام تثارُ تفاصيلها في كواليس «البرلمان» وعلى صفحات الصحف، من دون محظورات غير ما يمكن أن ترتئيه رقابة واسعة الذمة.
من الغريب إزاء ما يحصل في الجنوب، وانخراط قوى لبنانية وغير لبنانية في استباحة الحدود والسيادة، والاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية في المقابل، والتي تكاد تقول استعدّوا لـ1982 أخرى، أن يبقى حديث الحرب والمصير محصوراً بثلاثة أشخاص، أمين عام «حزب الله»، ورئيس مجلس نواب لا يجمع مجلسه، ورئيس حكومة مهتزة مكلفة التصريف والثقة بها تعود إلى مجلس نيابي انتهت صلاحياته قبل عامين. لقد آن الأوان لعمل مؤسساتي من نوع آخر يواكب ويناقش ويقرّر، ولا بأس كبداية في اجتماعات للجان النيابية المعنية بشؤون الدفاع والخارجية والمال وما له علاقة بالجبهة المفتوحة… فلتجتمع ولو ترأسها دولة نائب الرئيس، ولتناقش بحرية أمام اللبنانيين، وتقرّر ما هو المناسب أكان حرباً أم سلاماً.