رأي

مجرم حرب في الأمم المتحدة

كتب علي محمود في صحيفة بوابة الاهرام.

جاءت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، بينما يشهد النظام الدولي انهيارًا كبيرًا انعكس على العديد من الأزمات والنزاعات والصراعات الدولية التي تفاقمت إلى الحد الذي باتت تشكل فيه تهديدًا للأمن والسلام الدوليين.

ويأتي في مقدمة هذه القضايا ما يحدث منذ عامين في غزة من عدوان إسرائيلي وحشي وصل إلى حد الإبادة الجماعية الممنهجة للشعب الفلسطيني، بينما يقف العالم بمنظماته الدولية التي أُسست لإقرار العدل وحماية الشعوب وتنفيذ القانون الدولي عاجزًا عن وقف هذه الإبادة؛ لتؤكد من جديد فشل المنظومة الدولية والأمم المتحدة في حماية الأمن وإقرار السلام في العالم.

مشاهد الفشل وأعراض الانهيار للنظام الدولي كانت واضحة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، والتي تصادف هذا العام الذكرى الثمانين على تأسيس الأمم المتحدة.

ولعل أبرزها السماح لمجرم الحرب نتنياهو بحضور هذه الاجتماعات وإلقاء كلمة، بينما هو صادر ضده حكم من المحكمة الجنائية الدولية -إحدى مؤسسات هذا النظام الدولي- بارتكاب جرائم حرب ومطلوب القبض عليه وتسليمه للعدالة، فيما تم منع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) من حضور الاجتماعات في سابقة لم تحدث من قبل، وتناقض سافر يجسد فساد هذه المنظومة وازدواجية سافرة وفاضحة في المعايير.

كما أن كلمة هذا المجرم أمام الجمعية العامة، التي شهدت انسحابات واسعة من الوفود الدولية وبدت القاعة فارغة من الحضور اعتراضًا على وجود نتنياهو، جاءت كالعادة مليئة بالأكاذيب والخداع الذي لا يمت للحقائق التاريخية وواقع الأمور على الأرض بصلة.

أعراض الفشل والانهيار تجسدت أيضًا في كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تعد بلاده الممول الأكبر للمنظمة الدولية؛ حيث اتهم الأمم المتحدة بالفساد وعدم القيام بدورها، واعتبر بعض المبادرات والاتفاقيات الدولية نوعًا من الخداع والأكاذيب، وأشار في هذا الصدد إلى اتفاقية المناخ، معتبرًا أن ما يُثار حول تغير المناخ والاحترار ليس صحيحًا بل أكذوبة يتم تسويقها للشعوب. لذا، أمريكا انسحبت من اتفاق المناخ.

كلام ترامب لم يكن مفاجأة ولا مصادفة، بل جاء تجسيدًا لواقع الحال في العالم؛ إذ إن الولايات المتحدة لا تريد نظامًا عالميًا عادلًا، بل تريده أداة في يدها لتحقيق مصالحها ومصالح أصدقائها وحلفائها فقط، وعلى رأسهم إسرائيل.

ومن الطبيعي أن يشكك ترامب في هذه المنظمة ودورها حتى يعطي للولايات المتحدة أسباب تدخلها في شئون دول العالم والقيام بدور المُنظِّم حتى ولو بالقوة.

فالواقع يؤكد أن الولايات المتحدة سعت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة إلى الهيمنة الكاملة على هذه المنظمة واستخدامها لخدمة مصالحها، ووقفت في وجه أي محاولات لتنفيذ ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.

فعلى سبيل المثال، أصدرت الأمم المتحدة نحو ألف قرار لصالح القضية الفلسطينية لم تُنفذ بسبب الولايات المتحدة، كما أنها استخدمت الفيتو في مجلس الأمن ٦ مرات ضد قرارات يتم التوافق عليها بالأغلبية الساحقة لوقف الحرب على غزة، كان آخرها قبل أسبوعين.

لا أحد ينتظر خيرًا في ظل وجود هذه الروح الشريرة التي تسعى للهيمنة والسيطرة وسرقة مقدرات الشعوب، وسوف تتصاعد الأزمات وتتزايد الصراعات وتتسع رقعة النزاعات في ظل غياب القانون الدولي وتعطيل المواثيق التي ارتضاها العالم قبل ٨٠ عامًا، لتحل محلها شريعة الغاب ومنطق القوة.

ولا غرابة أن تقوم دولة محتلة بإبادة شعب، بينما يقف مجلس الأمن الذي تم تشكيله لوقف مثل هذه الجرائم مشلولًا عاجزًا بفعل دولة كبرى تُسمى أمريكا، ولا دهشة أيضًا حين يقف مجرم حرب ارتكب هذه الإبادة -بشهادة الأمم المتحدة نفسها وفي قلب قاعاتها- ليكذب وينفي حدوث إبادة، ثم يُقال إن هناك منظمة دولية تُسمى الأمم المتحدة!!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى